الرستاق – العُمانية|
كشفت أعمال التنقيب الأثري في ولاية الرستاق عن مستوطنة كبيرة ومتطورة يعود عمرها لأكثر من أربعة آلاف سنة مضت، وتضم عددا كبيرا من المباني الضخمة والمدافن.
وجرى الكشف عن المستوطنة في منطقة “الطيخة” الواقعة على أطراف سلسلة جبال الحجر على الضفة الغربية لوادي الغشب بالقرب من التقاء وادي السحتن مع وادي الغشب من قبل البعثة الأثرية المشتركة بين قسم الآثار بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية في جامعة السُّلطان قابوس ممثلة بالدكتور خالد دغلس، وجامعة بيزا الإيطالية ممثلة بالدكتورة ساره بيتزيمنتي وبإشراف من وزارة التراث والسياحة.
وقد باشرت البعثة الأثرية أعمالها في تنقيب الموقع مطلع شهر يناير الجاري، وهو الموسم الأول لهذه البعثة، وهناك خطة عمل لمتابعة أعمال البحث والتنقيب في الموقع لسنوات عدة في المستقبل.
وأظهرت نتائج التنقيب الأثري أن الموقع سُكن لأول مرة في الألف الثالثة قبل الميلاد خلال العصر البرونزي المبكر، ويمثل إحدى مستوطنات ثقافة أم النار التي شهدت ازدهارًا كبيرًا وواسعًا في سلطنة عمان.
ويمثل الموقع مستوطنة كبيرة جدا امتدت آثارها على مساحة شاسعة من الأرض تزيد على 70 هكتارا، وهذا ما يجعل الموقع يمثل إحدى أكبر مستوطنات ثقافة أم النار في سلطنة عمان.
وعثر في الموقع على عدد كبير من المباني السكنية متنوعة الأحجام تركزت وسط المستوطنة، إضافةً إلى عدد كبير من المدافن دائرية الشكل تنتشر في الجهة الغربية من المستوطنة، التي كانت جدرانها الخارجية مبنية بشكلٍ متقن من الحجارة البيضاء المشذبة.
وجرى الكشف كذلك عن عدد من الأبراج الدائرية الضخمة يزيد قطر بعضها على أربعين مترا، وهي مبنية من الطوب الطيني القائم على أساسات حجرية ضخمة انتشرت في مناطق مختلفة من المستوطنة.
ويشير وجود المباني العامة والأبراج الضخمة في المستوطنة إلى أهمية الدور الثقافي الذي قامت به المستوطنة خلال العصر البرونزي المبكر، التي ربما كانت تمثل مركزا ثقافيا رئيسا ومهما في شمال سلطنة عُمان بشكلٍ عام، ومنطقة سهل الباطنة بشكلٍ خاص.
كما تشير الكسر الفخارية واللقى الأثرية التي عثر عليها فريق التنقيب إلى أن سُكان المستوطنة كانت تربطهم علاقات تجارية وطيدة مع الحضارات المجاورة مثل حضارة “هارابا” في وادي السند، وحضارة بلاد الرافدين.
وقد دلت بقايا أفران النحاس التي عثر عليها داخل المستوطنة أن السكان اعتمدوا بشكلٍ كبير في اقتصادهم على إنتاج النحاس وصهره والاتجار به.
ولم يتم العثور حتى الآن على مناجم النحاس التي تم استخراج النحاس منها، ولكن البعثة الأثرية تسعى إلى البحث عنها في المواسم القادمة.
وبشكلٍ عام يعد موقع “الطيخة” أول مستوطنة أثرية يتم التنقيب فيها من العصر البرونزي المبكر في محافظة جنوب الباطنة، لذلك ستتم إضافة الموقع على الخريطة السياحية لولاية الرستاق ليضفي عليها بعدا ثقافيا جديدا يزيد من غنى الولاية بالمواقع التراثية والثقافية.