الصناعة التقليدية.. من أبرز اهتمامات السيّاح الأجانب في موريتانيا

نواكشوط – العمانية |

ظلّ الصنّاع التقليديون في موريتانيا، على مَرّ العصور، يشكّلون العمود الفقري لحياة الناس في جميع مناحيها، حيث يرفدون مختلف شرائح المجتمع بالأدوات التي تحتاجها. ولذلك، كانوا يُسمون “صناعا” في اللهجة الحسانية (اللغة العربية المحلية) في إشارة إلى كونهم الوحيدين المتخصصين في صناعة كل القطع المطلوبة، مُستخدِمين في ذلك آلات من إنتاجهم الخاص ومواد طبيعية اكتشفوا أو توارثوا فوائدها في عملهم.
ففي خيام البادية، حيث كان الموريتانيون يسكنون ويَتَرَحّلُونَ بها من موضع لآخر طلبا للكلأ والماء، لا تكاد تجد آلة واحدة من غير إنتاج الصنّاع
التقليديين، سواء تعلَّق الأمر بالفراش كالسرير المكوَّن من عيدان ثُبّتَت
بعضها ببعض بواسطة سيور جلدية والوسائد والأغطية الجلدية، أو بالأواني كقداح تناول الطعام وحلب الماشية، أو بإعداد الشاي كالفرن والغلاية والبَرّاد (إبريق)، كما تشمل هذه الآلات أدوات جلب الماء كالقربة والرشاء والدلو والبكرة وأدوات الركوب كالراحلة واللبدة وأدوات القَطعِ كالقَدُومَ وأنواع الفؤوس الأخرى المُستخدمة لقطع الشجر للأغنام أو الزرائب أو استخلاص الحطب.
وخارج الخيمة، يُؤَمّنُ الصنّاع التقليديون حاجات المزارعين من أدوات بذر
وقطع للأعشاب الضارة وحصاد للمحاصيل، وحتى في ساحة المعركة
والقتال، يدخل جل الأدوات المُستخدمة ضمن اختصاصهم، انطلاقا من
السيوف والرماح والحراب، ثم البنادق التقليدية بعد ذلك، مرورا بالدروع
والمتاريس وانتهاءً بسروج الخيول وألجمتها.
وعلى صعيد الموسيقى، تَفَنّنَ الصنّاع التقليديون في موريتانيا قديما في
صناعة آلات الغِناء سواء منها العود الرجالي (تيدينيت) أو العود النسائي (آردين) أو الطبل أو الناي أو غيرها. وقد ضَمِنوا بهذه الطريقة مواكبة تطوُّر الموسيقى عبر فترات عديدة من تاريخ البلد.
غير أنّ معظم هذه الأشياء الجميلة لم تعد مُستخدمة اليوم، وإن استُخدِمت، للزينة فقط. وهو ما جعل الصٌنّاعَ التقليديين الموريتانيين يُوَجّهُون إنتاجهم إلى فئة السيّاح الراغبين عادة في جلب هدايا محلية إلى بلدانهم.
وتشمل الهدايا المطلوبة لدى السيّاح قائمة كبيرة من الأدوات من بينها
السيوف والخناجر الصغيرة والأباريق والأواني المنزلية المزخرفة والقلائد
والأساور، ويعرض الصنّاع التقليديون في نواكشوط منتجاتهم في محال
واقعة على مفترق طرق رئيسي وسط المدينة.
وبحسب سيدي محمد، وهو صاحب أحد هذه المحال، فإنّ الإقبال على
معروضاتهم يكاد يكون موسميا، حيث يرتبط بحركة السياحة، خاصة
الخارجية منها.
وأضاف في تصريحات لوكالة الأنباء العمانية، في نواكشوط أنّ غالبية
السيّاح يمرّون بهم قبل العودة إلى بلادهم للتزوّد بقطع محلية يُهدونها
لأصدقائهم أو معارفهم أو يعلّقونها كذكريات على جدران بيوتهم.
في ظل تراجع الجائحة الملاحظ منذ بعض الوقت، يأمل الصنّاع التقليديون
في موريتانيا أن تعود مواكب السيّاح الأجانب إلى العاصمة نواكشوط ويعود معها انتعاش مطّرد لنشاطهم.
من جهتها، قالت ميمونة بنت عبدي، وهي امرأة تجاوزت التسعين من
العمر، إنّ المجتمع الموريتاني القديم مَدِين للصنّاع التقليديين بجميع متطلبات حياته اليومية، منوهة بمهارتهم الكبيرة وبراعتهم في تلبية مختلف الطلبات التي تُقَدّمُ إليهم مهما كان تعقيدها.
وأكّدت في حديث مع وكالة الأنباء العمانية في نواكشوط أنّ تلك الصناعات
القديمة كانت عالية الجودة وطويلة العمر مقارنة بالصناعات الحديثة التي
تُغرق الأسواق اليوم والتي ما تلبث أن تَتَعَطّلَ أو تَتَكَسّرَ.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*