الخرطوم – العمانية -فانا |
شهد شهر يوليو الماضي وهو يلملم ساعاته الاخيرة تعدياً سافرا على احد اهم المواقع الاثرية المكتشفة حديثا بالسودان ليقرع ناقوس الخطر من جديد حول مستقبل وحماية الاثار السودانية لما قبل التاريخ خاصة وان الاعتداء لم يكن من قبيل سعي شخص او اثنين للحفر بأدوات تقليدية بحثا عن الذهب مثلا بل كان اعتدءا ممنهجا ومدبرا مما يشي بان الغرض لم يكن السرقة الهينة فقط وانما كان الهدف هو التدمير والطمس الممنهج لاثار السودان وقد بدأت تجذب انظار العالم وتلفت انتباهه.
هجم على موقع مراغة الاثري خمسة أشخاص عمدوا الى تجريف وتدمير ذلك الاثر واحدثوا فيه حفرا بعمق 17 مترا وعرض 10 امتار وطول عشرين مترا في احدى اطرافه. وكانت ادواتهم الات حفر ضخمة وناقلات انقاض كبيرة جلبت الى الموقع بليل، تعمل نهارا وتكمن ليلا. وموقع مراغة يعد أحد أحدث المواقع الاثرية التي اكتشفت في السودان فقد اكتشف وجرى تسجيله بالهيئة العامة للاثار والمتاحف في العام 1996م وتقع المنطقة على بعد 270 كيلومتراً شمال العاصمة الخرطوم، و56 كيلومتراً من مدينة كورتي بالولاية الشمالية، وعلى بعد 19 كيلومتراً شرق قهوة ام الحسن الشهيرة بالولاية ويعود الى عصر مملكة نبتة. وبدأ العمل على دراسة هذا الموقع لاول مرة في الاعوام 1999م و2000م بشراكة ضمت الهيئة العامة للآثار والمتاحف ومتحف بوسطن للفنون الجملية بالولايات المتحدة. ولأن الموقع بعيد عن الطريق العام فقد كان الاعتقاد انه وحتى يجري كشف ما فيه بصورة كاملة فان اغلاقه وابقاء الحد الادنى من الحراسة عليه وزيارته كل اسبوع وتفقد ما حوله امر كاف. لكن المعتدين انتهزوا هذه الفترة اضافة لانشغال المسؤولين بحماية الاثار الاقرب للفيضان وحمايتها ليعتدوا على الموقع اذ القي القبض عليهم متلبسين بالجرم المشهود ابان الزيارة الشهرية التفقدية التي يقوم بها فريق التفتيش المكلف بالقيام بزيارات دورية شهرية راتبة لهذا المواقع بجانب مواقع أخرى. وتم فتح بلاغ في مواجهتهم تحت مواد قانون الآثار، وحجزت النيابة المعروضات المتمثلة في حفارين ضخمين (بوكلين) وجرافة (لودر)، وعربة بوكس بجانب كميات كبيرة من قطع الفخار الفريد. وقد حث الاعتداء الاثم الهيئة السودانية العامة للاثار والمتاحف للقيام بخمسة زيارات للموقع في مدة لا تزيد عن الثلاثة أسابيع من تاريخ التعدي علي الموقع لاجل متابعة الامر مع الجهات المختصة على أرض الواقع وبغرض اتمام عملية دراسة الموقع واصلاح الضرر الذي وقع.
ووصف دكتور حاتم النور محمد سعيد المدير العام للهيئة العامة للاثار والمتاحف السودانية رئيس الوفد الزائر للموقع القانون الحالي للاثار لسنة 1999م غير رادع وغير مواكب، ويحتاج الى تحديث، وتمنى ان يتم التشديد بصورة اكبر في العقوبات التي يتم انزالهاعلى كل معتد علي الاثار. ودعا دكتور حاتم الى تقديم المعتدين على موقع الاثار بجبل مراغة بالولاية الشمالية الى نيابة امن الدولة وذلك لفداحة الجرم الذي ارتكبوه معتبراً الاثار ثروة قومية يشترك في ملكيتها كل ابناء الوطن، ولها دور كبير في تشكيل وجدان الشعوب والأمم.
وعزا المدير العام للهيئة العام للاثار والمتاحف وقوع التخريب لغياب الحراسة الدائمة للموقع باعتبار ان الموقع مصنف ضمن المواقع التي تقع خارج دائرة الخطر لما يتميز به من بعد عن الطريق العام، وموقعه في منطقة ذات طبيعة قاسية (صحراء بيوضة) كفيلة بحماية هذا الموقع من اعين وايدي المتربصين والسارقين. اضاف: انه في اليوم من الايام وعلي مدى سنين قبل انشاء طريق شريان الشمال كانت تمر بالقرب من الموقع البصات السفرية والمسافرين دون ان يتعرض لاي اعتداء.
ويشرح بروفيسير محمود الطيب مدير الوحدة البولندية بالهيئة العامة للآثار أهمية الموقع بقوله، هذا الموقع الاثري يتكون من اربعة وحدات، ثلاثة منها مبنية من الحجر النوبي، فيما بنيت الرابعة من الطين اللبن، وهو يعود الي الفترة النبتية بدليل الاعمدة وطريقة تصميمها والنقوش التي عليها، كما ان اسلوب البناء المستخدم في المواقع لا يكون في العادة الا في مباني على قدر كبير من الاهمية مثل المعابد او القصور او القلاع، والمرجح عندي ان الموقع كان قلعه حربية تعمل كنقطة مراقبة متقدمة لصد غارات القبائل المعادية التي استوطنت الصحراء وكانت فى حالة عداء مع مملكة نبتة”. ويضيف بروفسير محمود الطيب انه من خلال اثار الحريق الموجودة في موقع مراغة فانه لا يستبعد حدوث ذلك بسبب غارة من غارات تلك القبائل على هذا الموقع في ذلك الزمان وهذا مبرر بسبب العداء بينهم “اما ان يحدث تدمير وتجريف بهذه الصورة البشعة الان فهذا يصعب استيعابة.
ودعا مدير الوحدة البولندية الى تكثيف الحماية واقامة بنى تحتية قوية بالقرب من تلك المواقع تشجع على السياحة وتعرف المواطن بتاريخ بلاده المجيد. فيما طالبت حباب ادريس محمد كبير المفتشين بالهيئة العامة للآثار والتي عملت موسمين في موقع مراغة الأثري الى العمل على رفع الوعي لدى المواطن السوداني باهمية الاثارة والتعريف بكيفية حماية الأثار. كما طالبت كبيرة المفتشين بالهيئة العامة للاثار والمتاحف بتعديل المناهج الدراسية بحيث يتم تدريس الطلاب التاريخ السوداني مفصلاً ابتداً من مرحلة الاساس وحتى الثانوي من اجل ان يعتز ويفتخر الطفل بتاريخ أجداده، بجانب تعريف الطلاب باهمية الاثارة وكيفية المحافظة عليها باعتبارها ثروة قومية. كما دعت حباب الى نشر ثقافة سياحة مناطق الاثار سواء لابناء الوطن او لمن هم من الخارج خاصة ان سياحة الآثار في عالم اليوم أصبحت مصدرا اساسيا يرفد ميزانية الدول بمبالغ مقدرة عندما تتم ادارتها بوعي. وشددت على انه في حال التقاعس وعدم الاهتمام بالآثار وحمايتها بالشكل المطلوب فسوف يشجع ذلك ضعاف النفوس على التعدي على الآثار ونهبها كما حدث لهذا الموقع او كما حدث من تعد وتدمير للأثر الوحيد المتبقي لدولة علوة المسيحية بالسودان ليأتي يوم وتصبح فيها السودان بلا تاريخ اثاري.