بقلم: يوسف بن أحمد البلوشي *
لا ندري لماذا يجتاحنا الفرح حينما نزور مطرح، هل لانها ذات التاريخ العريق، والبندر الذي لا نزال نستنشق منه عبق الماضي، من خلال سوقها القديم لنشم رائحة التوابل وريحة صمغ اللبان، أم لانها السوق الوحيد الذي لا يزال يحافظ على شيء من الماضي في هذا الوطن العريق الذي اختفت معه الأسواق التقليدية سوى سوق مطرح وسوق نزوى حتى الآن.
حينما تدخل مطرح من عند دور السمكة “سابقا” يأخذك الحنين إلى تاريخ عُمان القديم بتلك المشربيات المطلة على ميناء السلطان قابوس الذي كانت تطرح فيه السفن محاملها القادمة من افريقيا وإيران والهند والعراق. رغم أن دكاكين مطرح تغيرت اليوم، لان الباعة أصبحوا من العمالة الوافدة الذين يعطون صورة غير حضارية عن أهمية هذا المكان بتاريخه وقدمه بين أسواق المنطقة.
بضعة دكاكين لا يزال فيها بعض العمانيين يجلسون فيها في انتظار الزبون القادم عبر السفن السياحية. جهود بلدية مسقط جعلت من هذه السوق مزارا سياحيا، فهي أول مكان يدخله السياح ليشاهدون تاريخا قديما في عُمان ورمزا من الرموز الأثرية.
هنا وهناك محلات على أطراف مدخل السوق بعضها يبيع الفضة واللبان الظفاري واُخرى تبيع ما هو مستورد من الهند وافغانستان واليمن وتلك الشالات الحريرية والكمة العمانية التي اصبحت “تنجم” في الفلبين وبنغلاديش. يتجول السياح يوميا في هذه السوق بعد كل لحظة وصول لسفينة سياحية، يلتقطون الصور ويتبضع بعضهم الشيء القليل.
اليوم مع انتشار فيروس كورونا، اصبحت مطرح بؤرة هذا الوباء الذي يؤكد المسؤولون انه ينتشر بين البيوت التي تسكنها العمالة الوافدة للاسف، بعد ان هجر مطرح سكانها الأصليون، وباتت البيوت تؤجر للعمالة السائبة او تلك الفقيرة التي تدفع عشرين ريالا لأرباب العمل، ليكتظ عشرون شخصا في غرفة واحدة وسط حالة غير صحية للعيش.
لماذا ترك أهل مطرح الأصليون هذه البقعة ونزحو الى مدن حديثة، حتى جعلوا من مطرح بؤرة للعمالة الوافدة.
مطرح تاريخ عريق اصبحت مكانا للوافدين للأسف. أزقة مطرح لم تعد كما كانت الا من فئة فقيرة لا تزال تعيش في بيوتها القديمة. حينما يأخذك المسير بين أزقة مطرح تجد عبقا تاريخيا لم نضع له اعتبارا لتحويل مطرح الى مزار سياحي.
وهنا أطرح فكرة أن تقوم شركة عمران بتحويل بيوت مطرح الى فنادق ونزل صغيرة ومطاعم عمانية ومقاهٍ للسياح ومتاحف صغيرة ومحلات لبيع التحف العمانية التراثية وبعضها لغزل النسيج وصناعة الفخاريات حتى تتحول بيوت مطرح التاريخية الى وجهة سياحية ومحطة هامة كما كانت مطرح ميناء تاريخيا يفوق عمره مائتي عام.
على الجهات المعنية ان تستأجر هذه البيوت من ملاكها بدل أن تؤجر على عمالة وافدة جعلت منها بؤرة للفيروس كوفيد 19. ومنع دخول المركبات اليها الا مشيا على الأقدام كما هو الحال في بعض المدن القديمة في اليونان مثلا التي لا تدخلها الناس الا سيرًا فقط.
مطرح اليوم تبكي قبل أن يبكيها أهلها الذين نسوها، وهجروها الى سكن اخر بعيدا عنها، ليلتفتوا اليها اليوم فقط مع جائحة كورونا لعلهم ينقذون أسم مطرح التاريخي من أن تكون بؤرة الفيروس الوبائي الذي يجتاح العالم.
*رئيس تحرير جريدة وجهات
yahmedom@hotmail.com