العشرون من مارس اللحظة المحلقة

بقلم الاستاذ/ حمود بن سالم السيابي
——————-
سأسابق إعلان المضيفة وأفك الحزام ، وسأكسر تعليمات السلامة بالتريث لحين التوقف النهائي.
وقد أتعمد نسيان متعلقاتي الشخصية في أماكنهاحتى لا تعيق تقدمي وتبطيء من حركتي وأنا أسرع نحو باب الطائرة وهي ما تزال في المدرج تمشي لألحق الدقيقة الصفر.
إنها اللحظة الفارقة في التاريخ بين مدرج بيت الفلج الذي يستقبل طائرة كل أسبوعين ، ويفرض على المستقبلين الإنتظار خارج السياج الشائك تحت الشمس ، إلى مطار مسقط القادر على استيعاب أكثر من طائرة في الدقيقة الواحدة.
ومن مطار بلا مطار ، و لا برج ولا طائرات إلا ما ندر ، ويعتمد في توجيه الحركة الملاحية على المناظير العسكرية. ويستعين بالبالونات لقراءة حركة اتجاه الريح ، إلى مطار يعتمد على أكثر التقنيات تطورا بالعالم ، ويرفع مسلته لعلو مائة متر كأطول بناء عرفته عمان في التاريخ.
وحين تأخذني ممرات مطار مسقط إلى رقم البوابة التي أريد لن أتذمر كما كنت أتذمر حين تطول بي ممرات المطارات التي تضطرني لأقرأ لوحات لا تهمني أو جداريات لا تعنيني أو الترويج لبضائع لا تستهويني ، فهنا وبنزق البداية ودهشة حفل الإفتتاح سألملم قواي وأتساءل كالمتنبي وأنا أذرع المسافات المستحيلة أطويل طريقنا أم يطول ؟ ولكن تساؤلات المتنبي أسى وتساؤلاتي أمنيات.
سأقف هذه المرة على طريق يمشي لا نمشيه ، وسأتجاوز مقاصير نخل أخضر تعرفني وأعرفها لأستشعر بهجة المواسم وتضاحك السواقي وكأن الطيران العماني يبالغ في السخاء فيأخذ الركاب لأبواب الجنائن والمقاصير.
وسأتابع المشي وأنا أتأمل جداريات عمانية أعشق خطوطها وألوانها وانفعالات رساميها وكأن وزارة النقل توجه دعوة للركاب لزيارة مرسم الشباب والتجوال في مقتنيات صالة مزنة فينسى العابرون تعب الخطوات وضجر المشاوير.
وسيدخل العشرون من مارس تاريخنا ومعه ضجيج الطائرات التي تلون الأفق ألوانا وأحجاما وأبجديات.
وسيزدحم المكان بملايين العابرين لجغرافيتنا ونحن نتقدم للعالم بلغة العصر كما سبق وتقدمنا بعناق موانيء القارات بلغات تلك العصور.
وإذا كانت المطارات الكبيرة متعبة للمسافرين فإن المطارات الصغيرة بالمقابل تقدم صدمة للقادمين كونها أولى الصفحات المقروءة للعواصم ، وأولى الوجوه التي يصافحها القادمون.
وكلما أخذنا الترحال لعاصمة في الشرق أو الغرب كان المطار الدهشة الأولى فإما أن يكون الوجه الذي يستقبلنا باسما فيبعث على الأريحية أو عابسا فيمرر أولى الرسائل الباهتة.
وقد أراد سيد عمان حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم أن يجعل المطار الجديد هو القراءة العصرية لمسقط ، والوجه الباسم لعمان.
ولعلها الصدفة هي التي تدخلت لتكون أولى الرحلات القادمة إلى مسقط من العراق وكأن التاريخ هو الذي يرتب الرحلات ويدفع مع ضجيج ساعة الصفر وصخب الوصول أربعة عشر قرنا من التواصل بين جمجتي العرب ، وكأن حرف العين في عمان والعراق مقلة العين في الوجهين العربيين.
ولعل أجمل الصدف هي التي جعلت اسم الطائرة “صور” أول طائرة تلتصق بالمطار فاسم العفية تميمة السفر والإبحار.
إن مطار مسقط بالنسبة لنا أكبر من مجرد مطار أملته ضرورات التنمية وتزايد أعداد المسافرين ، هو نقلة حضارية لا تستنسخ تجارب الآخرين ولا تكررها بل تتقدم على هذه التجارب وتتصدرها.
كما حرصت عمان على أن يكون مطارها يحمل روحها وهويتها سواء في مقاربته لبيئة الأرض أو توزعه على تفاصيل نمطها المعماري أو تخصيصه لمساحات لجداريات الرسامين.
ويبقى الأهم في هذا المطار هو العماني الذي يجب أن يحضر في كل هذه التفاصيل ومعه إرث القرون وتراكم الحضارات.
—————-
مسقط في 20 مارس 2018

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*