default

المواقع الأثرية في محافظة ظفار.. شواهد التاريخ ترفد السياحة

صلالة – العمانية|

تشكل المواقع الأثرية في سلطنة عُمان الضاربة في عمق تاريخ الحضارة الإنسانية عامل جذب إضافي لأفواج من الزوار والسياح المهتمين بسياحة الآثار والسياحة الثقافية.

أحداث جرت وحضارات درست فبقت آثارها شاخصة ومعالمها ماثلة عبر القرون تروي لمن استنطقها بالتنقيب والبحث حكايات لا تنتهي عن عبقرية الإنسان في أرض عُمان المباركة، والذي قدم للبشرية صنوفا من العلم والثقافة والعمران ما يستحق الدراسة بتأمل وإمعان . 

وفي محافظة ظفار، التي تشهد اهتماما متزايدا من الجهات الحكومية المعنية بتنشيط حركة السياحة فيها على مدار العام ، تبرز سياحة الآثار على سطح اهتمامات قطاع كبير من الزوار والسياح من داخل سلطنة عُمان وخارجها فتأتي المفردات الأثرية ومواقعها كعامل جذب إضافي يقود السائح لاكتشاف مكونات وأسرار المواقع الأثرية المنتشرة عبر ولايات المحافظة. 

المواقع الأثرية والمزارات التاريخية تمثل عامل استقطاب مهم للزوار و السياح للتعرف على التاريخ الثقافي المادي كالقلاع والحصون وشواهد الحواضر والأسواق والمنازل القديمة التي توفر للباحث فرصا لدراسة روعة البناء التقليدي في ولايات محافظة ظفار واكتشاف دورها في الفعل الحضاري في المنطقة عبر الحقب الزمنية كمواقع ومحميات سمهرم والبليد وشصر وخور روري ووادي دوكة وخور خرفوت التي تعد متاحف مفتوحة أمام الزوار والمهتمين، إضافة إلى ما تقوم به المؤسسات الحكومية في الحفاظ على الإرث الثقافي غير المادي ودور المتاحف كأرض اللبان وحصن مرباط وحصن طاقة في هذا المجال دون أن نغفل الدور الرائد لمبادرات المجتمع وأفراده في الحفاظ على الموروث الشفهي والعمل على تدوينه وضمان بقائه من فنون وأشعار وحكايات أسطورية وحرف وعادات مرتبطة بالمواسم والمناسبات الاجتماعية والدينية وغيرها.

تعظيم عائد الاستفادة من المواقع الأثرية والتاريخية والطبيعية بمحافظة ظفار بات واقعا يتطور ويتشكل في صناعة قائمة بذاتها من خلال استراتيجية محافظة ظفار السياحية بشكل خاص واستراتيجية سلطنة عُمان السياحية بشكل عام ويستهدف فئات متنوعة من المهتمين من المواطنين والمقيمين وطلبة المدارس والكليات والجامعات وعلماء الآثار وأفواجا من السياح الأجانب على مدار العام. 

سياحة تراثية 

وفي هذا السياق، يشير الكاتب والمحلل الاقتصادي خلفان بن سيف الطوقي إلى أن السياحة التراثية معتمدة في الكثير من الدول لما لها دور في تعظيم العوائد المالية والاقتصادية، فهناك دول تأتي مواردها الأساسية من السياحة، وتعمل على تعظيم هذه العوائد عاما بعد آخر، بشكل مباشر من الناحية المالية، وغير مباشر كتوظيف الشباب وتشغيل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وظهور الخدمات المساندة لهذا القطاع.

وقال الطوقي، إن سلطنة عُمان ليست بمعزل عن اللحاق بركب الدول السياحية الكبرى كونها تمتلك مقومات سياحية تاريخية وطبيعية خاصة تميزها عن الكثير من الدول، فقلَّ أن تجد بلدا يجمع ما تجمعه سلطنة عُمان من أودية خلابة، وجبال شاهقة، وصحارٍ ذهبية بكر، وشواطئ طويلة هادئة ونظيفة، وأجواء متنوعة، وتضاريس نادرة، أضف إلى ذلك تاريخها الأصيل الذي يعرفه القاصي والداني، والعادات والتقاليد الغنية، وتراثها الثري، وآلاف الشواهد من القلاع والحصون والأبراج والحواضر القديمة، بالإضافة إلى كرم العماني الذي عرف عنه التّرحاب والضيافة والانفتاح على الآخر. 

وأوضح أن ما يميز سلطنة عُمان هو تنوع كل محافظة من محافظاتها الإحدى عشرة بمزايا تنافسية عامة وسياحية، وهذا ما يجعل رحلة السائح إلى عُمان غنية وجذابة، فعلى سبيل المثال هناك من يعتقد أن محافظة ظفار مميزة بأجوائها في فصل الصيف فقط ، ولكن الحقيقة هي أكثر من ذلك بكثير، فهي مميزة في كل الفصول، فالعمانيون والخليجيون وكثير من الزوار العرب وغير العرب يفضلون زيارتها في فصل الصيف أو ما يُسمى بخريف ظفار، و في المقابل هناك موسم آخر هو الفصل الشتوي الذي يجذب الأفواج السياحية من أوروبا ، لذلك تجد أن الرحلات الشتوية من العديد من المدن الأوروبية إلى مدينة صلالة لا تتوقف خلال هذا الموسم. 

التاريخ والثقافة والطبيعة 

من جانبه، قال الدكتور سالم بن سهيل الكثيري، إعلامي ومهتم بالسياحة الأثرية: إن التاريخ والثقافة والطبيعة الخلابة تعزز السياحة الأثرية في محافظة ظفار وتقدمها كوجهة سياحية متميزة، بالنظر إلى العديد من المواقع الأثرية التي تعكس تاريخها العريق وحضاراتها القديمة.

وأشار إلى أن المواقع الأثرية تعد عامل جذب رئيسي للسياح من مختلف أنحاء العالم وخاصة السياح المهتمين بالتاريخ والثقافة ، مما يزيد من عدد الزوار ويسهم في تعزيز الاقتصاد المحلي، مضيفا أن تنشيط السياحة الأثرية يسهم في إيجاد فرص عمل جديدة للشباب في مجالات متعددة، مثل الإرشاد السياحي، والضيافة، والصناعات التقليدية بجانب تعزيز دخل فئات من المجتمع كالحرفيين ومقدمي الخدمات اللوجستية للقطاع. ويرى الكثيري بالمقابل أن السياحة الأثرية تقوم بدورٍ حيوي في الحفاظ على المواقع التاريخية، حيث يمكن الاستفادة كذلك من العائدات السياحية في توفير التمويل اللازم للحفاظ على هذه المواقع وترميمها.

وأكد أن نمو القطاع السياحي يواكبه بالتوازي نمو في تطوير البنية الأساسية حول المواقع الأثرية وتطوير الخدمات والطرق والمرافق لضمان تجربة مريحة وآمنة للسياح، وهذا أمر لاشك أن الجهات الحكومية المعنية تضعه في صلب خططها لتطوير القطاع السياحي، كما يواكب هذا النمو والاهتمام زيادة الوعي في المجتمع ولدى السائح بالحفاظ على هذه المزارات من العبث والتدهور البيئي. 

دور منتظر 

من ناحيته، يشير الدكتور أشرف مشرف رئيس كرسي غرفة تجارة وصناعة عمان للدراسات الاقتصادية بجامعة السلطان قابوس إلى أهمية الدور المنتظر من القطاع السياحي في سلطنة عُمان الذي يعد أحد أهم ركائز تحقيق رؤية عمان 2040، للإسهام في تنويع الاقتصاد الوطني وخفض الاعتماد على النفط ورفد الموازنة العامة للدولة وإيجاد فرص لوظائف جديدة أمام الشباب العماني . 

ويرى الدكتور مشرف أن تطور هذا القطاع الحيوي يعتمد على القدرة على تنفيذ استراتيجية استثمارية طموحة ترفع مساهمة قطاع السياحة إلى 10% في الناتج المحلي الإجمالي وجذب ما يقارب 6 ملايين سائح خلال العشر سنوات القادمة، وهذا يتطلب التركيز على فتح القطاع أمام المزيد من الاستثمار المحلي والأجنبي، والترويج للحوافز والتسهيلات التي تقدمها سلطنة عمان للمستثمرين، إضافة إلى تنويع الفرص الاستثمارية في مجالات السياحة الأثرية، والسياحة الترفيهية، والسياحة العلاجية، وسياحة المهرجانات، وسياحة المؤتمرات، وسياحة السفن البحرية، وغيرها.

وأشار إلى أنه يمكن تعزيز تحقيق أهداف الاستراتيجية السياحية لمحافظة ظفار من خلال التركيز على السياحة المستدامة التي تدر موارد مالية كبيرة على مدار العام من أجل تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتعظيم الاستفادة من الأنشطة السياحية الموسمية كموسم خريف ظفار والمهرجانات والفعاليات التي تشهدها المحافظة وكذلك محافظات سلطنة عُمان طوال العام. 

بعد تاريخي وثقافي 

من جانبه، يقول الدكتور محمد بن عوض المشيخي
أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الأكاديمي، إن المواقع الأثرية لها دور كبير في تنشيط السياحة الاقتصادية لما لها من بعد تاريخي وثقافي يهم كثيرا من الزوار والسياح، وكذلك يرى الدكتور محمد أهمية العناية بتطوير الخارطة الأثرية بشكل مستمر ووضعها ضمن أولويات مختلف الجهات الحكومية والقطاعات الخاصة والأهلية في سلطنة عُمان.

وأضاف أن شواهد الإرث الحضاري والثقافي في المحافظة يمكن تسويقها كمنتج سياحي عبر حملات تسويقية منظمة داخل سلطنة عُمان وخارجها، مشيرا، على سبيل المثال، إلى جاذبية الأسلوب العمراني والمباني الأثرية والحصون القديمة في المحافظة للباحثين ودارسي العمارة التاريخية، ناهيك طبعا عن تكثيف الترويج للسياحة في الطبيعة الخلابة والأجواء المعتدلة خلال الخريف. 

دور إعلامي

وقال مبارك بن سالم المعشني، أحد نشطاء التواصل الاجتماعي: إنه في ظل العولمة التي تجتاح العالم يمكننا رؤية العالم بصورة أفضل وأن نتفاعل معه بصورة أسرع وبالتالي يمكننا دائما استخدام السياحة كسبيل لجعل العالم يرانا بشكل أفضل وتقديم صورة جاذبة عن عمان وعن تاريخنا وحاضرنا وسعينا نحو مستقبل زاهر.

وأكد على دور الإعلام الحديث الممثل بالشخصيات الناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي والدور البارز لهم في الترويج لسلطنة عُمان وتحفيز الزوار على زيارتها.

يقول المعشني: لمحة لبضع ثوانٍ من فيديو من مكان ما من العالم قد تكون سببًا كافيًا لكي يكتظ المكان المعني بالبشر، وبالتالي نحن جميعًا أمام مسؤولية للتسويق لسلطنة عُمان.

واختتم مبارك المعشني حديثه بالقول: نحن محظوظون للغاية لأننا نملك تاريخًا عظيما يسهل تسويقه، وأماكن يحلم الغير بزيارتها، وشعب لطيف كريم ومضياف، وعلينا أن نخبر العالم عن ذلك ونسوق لبلادنا كأحد أهم الخيارات الجاذبة على خارطة السياحة العالمية.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*