مقال | الصورة ليست الواقع


يكتبه: حمدان البادي| 

 نشرت بعض الصور على صفحتي في الإنستغرام، صور التقطتها بهاتفي ذات لحظة سفر تملكني فيها شعور بأن هذا المشهد يستحق أن يوثق في ذاكرة الهاتف كنسخة احتياطية للتوثيق الذي احتفظت به ذاكرتي. 
 قبل أن أذهب لفراشي في المساء كانت الذاكرة لاتزال تعرض لي المشاهد التي مررت بها خلال يومي، تذكرت هاتفي وذاكرته الممتلئة بخربشات من الصور، فكانت منصة الإنستغرام هي الأداة التي اردت أن أبث فيها مقتطفات من هذه الرحلة، وكان لي ما أردت عبر سلسلة من الصور التي نشرتها كقصص وحفظت بعضها في الملفات المخزنة في highlights من دون أن أشير إلى أي عنوان أو نص يمنح للصورة معنى، أو تفسير لا من بعيد ولا من قريب. 

 كانت التعليقات معاتبة لأنني أظهرت المكان من زاوية غير التي بها بهاء أكثر، واخترت مناظر لا تشكل هوية المدينة، وهنا تذكرت توثيقي لعرضة بوش كانت عبارة عن حصة تدريبية لملاك الإبل حرصت من خلالها أن أظهر الجانب الذي يبذله ملاك الإبل في ترويض إبلهم وقد حظي الفيديو بأكثر من 2 مليون مشاهدة وهذا رقم كبير لشخص مغمور مثلي لا يتابع قناته إلا أصدقاءه، ما حدث أن أصحاب الشأن قالوا أن الفيديو ينتقص من إمكانياتهم في تضمير الإبل.
 أتفهم هذه الردود، وهذا يحدث كثيرا حتى حين يلتقط لنا زميل بورتريه شخصية في لحظة ما قد لا نعجب بها ونطلب منه أن يعيدها أكثر من مرة حتى نصل لنتيجة مرضية وافضل تفسير لذلك رغبتنا في رؤية أي شيء يمثلنا في صورة بهية. 

 لهذا أوجد القائمين على صناعة الكاميرات ومصممي المنصات الرقمية مجموعة من المؤثرات والفلاتر والعدسات المدمجة والتقنيات وبرامج المعالجة التي تمنح الصورة جمالا قد يخرجها مع الواقع، وتعج المنصات الرقمية بالكثير من الصور التي تمت معالجتها وأضيفت لها الكثير من المؤثرات التي أبعدتها عن حقيقتها، وبعض الصور أصبحت تصاميم لكثرة ما أضيف لها لتبدو ملفتة، والحال ينطبق على الفيديو الذي لا يعتد به في أحيان كثيرة حين نبحث عن صورة تقريبية تصف جماليات المكان. 
 أنا مع المشاهد البسيطة التي تنقل جزءا من الحياة اليومية التي لا يراها الناس وهم مشغولون بحياتهم تلك الاختزالات الصغيرة التي تترك أثرا على الأقل في ذات صاحبها وتدفعه ليوثقها، حتى لا نضطر مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى إعادة ترتيب علاقتنا بالصور والفيديو ومدى دلالتها كمحرك أساسي يدفعنا لنشد رحالنا بحثا عن تلك المناظر، وأيضا حتى لا نرسم صورة غير واقعية تسبب للآخرين متلازمة باريس.
Halbadi03@gmail.com

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*