متحف إربد للآثار مقتنيات تجسد التاريخ الإنساني والحضاري

عمّان – العُمانية|

يوجد متحف إربد للآثار الذي افتُتح عام 1988 ضمن مباني جامعة اليرموك الأردنية، ويعدّ جزءا من كلية الآثار والأنثروبولوجيا بالجامعة.

أول ما يلفت انتباه الزائر أثناء جولته بالمتحف هو مبناه ذو الحجارة المائلة للبنّي، ومدخله، والأرضيات العشبية والأشجار وارفة الظلال في محيطه، بينما تتوزع القطع الأثرية في أرجائه كأنما التاريخ الإنساني والحضاري الممتد منذ قرون يسرد حكايته دون توقف. 

ما إن يجتاز الزائر باب المتحف، تواجهه قاعة واسعة تتضمن معروضات تعبّر عن التاريخ الاجتماعي للمنطقة منذ العصور الأولى، حيث يمكنه رؤية مقتنيات لمجتمعات الصيد وجمع النباتات، ثم مجتمعات القرى الزراعية، ومن ثم مجتمعات دول المدن، تليها مجتمعات الرعاة والبداوة المبكرة، ثم اللقى التي تشير إلى علاقة الشرق بالغرب منذ القرن الرابع قبل الميلاد حتى منتصف القرن السابع للميلاد.

ومن خلال تأمُّل اللقى والقطع الأثرية، يمكن للزائر ملاحظة حضور الأرض الأردنية ومكانتها في إطار العالم الإسلامي. كما تتيح القطع المعروضة والمرتبطة بالحرف التقليدية تصوُّرًا واضحًا للتشكيلة المتنوعة للمجتمعات الإنسانية التي تعاقبت على المنطقة.

ويشعر زائر المتحف كما لو أنه يتجول داخل أروقة التاريخ ليعاين مراحل التطور الحضاري التي شهدتها المنطقة، وشكل العلاقات والاتصالات الثقافية التي كانت سائدة عبر فترات زمنية متعاقبة، وكذلك التوزيع السكاني والحياة الاقتصادية وغيرها من مظاهر الحضارة المختلفة.

ووفقًا للدراسات، تغطّي المقتنيات المتعددة التي تُعرض في قاعات المتحف وأروقته ما يزيد على المليون ونصف المليون سنة مضت، حيث اعتمد الإنسان عبر تلك الحقب الطويلة على الصيد وجمع النباتات، وهو ما تدل عليه الأدوات التي تعود للعصر الحجري القديم وجلُّها مصنوع من الحجارة المتوفرة في المنطقة كالبازلت والصوان. 

وتكشف اللقى التي تعود للفترة 8000-1700 قبل الميلاد عن تعلم الإنسان لكيفية استغلال مصادر الطعام والتخصص في صيد الحيوانات وقدرته على جمع بذور الأعشاب لتكون مصدرًا رئيسًا للعيش، وهذا ما تؤكده الأجران والمدقّات الحجرية والشفرات الصوانية، الأمر الذي دفع الإنسان إلى العيش في مجموعات أكبر وأكثر تنظيمًا، حيث ظهرت لاحقًا مواقع سكنية شبه دائمة على شكل أكواخ دائرية صغيرة. 

ويدل عدد كبير من معروضات المتحف على انتقال الإنسان من مرحلة جمع الطعام إلى إنتاجه، مما كان له الأثر الواضح على استقرار حياته، وقاد إلى تحولات اجتماعية وسياسية وتبلور معتقدات فكرية ودينية، وفي تلك المرحلة أيضًا تأسست قرى زراعية امتدت حول الأودية ومصادر المياه، ومنها أريحا، وعين غزال، وبيضا، وبسطة.. وبدأ الإنسان يفكر في تطوير مسكنه بعد نشوء هذه التجمعات السكانية الكبرى، فظهرت المنازل الأكثر تعقيدًا في التصميم عوضًا عن الأكواخ، وتعددت الغرف فيها، وصار شكلها مستطيلًا.

وفي الفترة نحو 6000 قبل الميلاد، بدأت تظهر القرى الزراعية في المناطق المرتفعة واهتدى سكانها إلى صناعة الفخار كمادة أساسية في الاستعمالات المنزلية. وحقق الإنتاج الزراعي مستوى متقدمًا حتى غدا المصدر الرئيس للغذاء في الألف الخامسة قبل الميلاد. وازدهرت في تلك الفترة مجموعة كبيرة من القرى، مثل تليلات الغسول وأبو ثواب وسحاب.

وتشير مجموعة كبيرة من القطع النقدية القديمة التي يحتوي عليها المتحف، إلى التحولات التاريخية التي شهدتها المنطقة، وأبرزها التعاقب على السلطة من قبل حُكّام وثّقوا تاريخ حُكمهم ليُعرض على شكل مجموعات تُبيّن جزءًا من هذا التاريخ.

ويتسم المتحف بنشاطاته وانفتاحه على الجمهور ومجتمع الباحثين والطلبة، وهو يعقد دوريًّا معارض ومحاضرات وينظم زيارات أهلية وعلمية، كما يُعَدّ بمقتنياته وبالأبحاث التي تجرى على مقتنياته مكمّلًا لما يقوم به علماء الآثار والأنثروبولوجيا الذي يدْرسون النقوش ويحللونها لتفسير السياق التاريخي والحضاري للإنسان الذي عاش على هذه الأرض منذ ملايين السنين.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*