يكتبه: صلاح بن محمد الوهيبي*
باحث دكتوارة في الدراسات السياحية
ما إن يزور أحدهم ولاية نزوى إلا ويتعلق بها لا شعوريا، فإن كان مواطنا فسوف يشعر بالارتباط بالأرض والمكان والناس، ويستنشق عبق التاريخ الذي يتضوع بين حاراتها وأزقتها، متميزة بذلك عن الولايات الأخرى، وإن كان سائحا فسوف يأسره ما فيها من المشاهد الحسية والمعنوية التي تؤهلها لتكون وجهة ومقصدا سياحيا من الطراز الأول.إن الواقع الذي تعيشه ولاية نزوى والحراك الذي تشهده يشكّل صورة ذهنية وعلامة تسويقية راسخة لدى كل من يزورها، ويمكن القول بأن هذا الواقع يلتقي التقاء وثيقا – بطريقة أو بأخرى – مع عناصر السياحة المسؤولة والاقتصاد المستدام.
1- فإذا نظرنا إلى قيام أبناء الولاية بمباشرة الأعمال والمهن بأنفسهم نجد أن ذلك يقلل من الآثار السلبية الاقتصادية والاجتماعية على حد سواء، كما أن تشجيع الأبناء والنشء على تعلم تلك المهن والموروثات يضمن الحفاظ عليها واستدامتها للأجيال القادمة؛ الأمر الذي يرسخ الروابط الاجتماعية والأسرية، ويعزز مفهوم الرفاهية المجتمعية.وفي ذات الإطار فإن تفرغ أبناء الولاية لإدارة أعمالهم وتجارتهم أوجد مزيجا من الثقة والأريحية والمصداقية في تعاملات البيع والشراء، ولعل ذلك عائد إلى حب الالتزام وعدم الترفع عن العمل، والحس التجاري الذي يغرس فيهم منذ نعومة أظفارهم، إضافة إلى دماثة الخلق والاحترام والانفتاح على الآخرين، وهذه القيم والأخلاقيات يتصف بها الشعب العماني بشكل عام وللّه الحمد.وأما على الصعيد الاقتصادي والتجاري؛ فإن الحركة النشطة الت تدّب في الأسواق والمحال التجارية بشكل يومي منذ الصباح الباكر، وتنوع أساليب وطرق البيع والشراء، ساهمت في تنشيط الحركة الاقتصادية وتحفيز القوة الشرائية بالولاية، وفتح أبواب الرزق لأصحاب المهن البسيطة والحرف اليدوية والمزارعين ومربي المواشي لعرض وبيع مشغولاتهم ومنتجاتهم التي تشهد – يوما بعد يوم – إقبالا جيدا.وأما على الصعيد البيئي؛ فإن ابن الولاية أكثر ما يكون حريصا على المحافظة على مقومات الولاية الطبيعية والتراثية وحماية البيئة وصون المرافق العامة، ذلك أن أي تأثير سلبي على البيئة سيجعله هو المتضرر الأول.
2- وأما على الصعيد السياحي، فلا غرابة في أن ولاية نزوى من الوجهات والمقاصد الأهم والأبرز لدى المواطنين والسياح في سلطنة عُمان، حيث بلغ عدد زوار الولاية في عام 2022م حوالي 130 ألف زائر، وذلك لما تتميز به الولاية سواء في الجانب التاريخي والسياسي باعتبارها عاصمة قديمة لسلطنة عمان للفترة من 177هـ إلى 280هـ، أو في الجانب الثقافي والمعرفي كونها أخرجت العديد من العلماء والفقهاء، أو في الجانب التراثي المتمثل في معالمها البارزة كالقلعة والسوق والقرى القديمة والأفلاج، أو في الجانب الإنساني من خلال ما يلمسه زائر الولاية من تجسيد واقعي لتفاصيل الحياة العمانية البسيطة، والاطلاع عن كثب على مكونات الهوية العمانية، والاحتكاك المباشر بالمواطن العماني المحافظ على ثقافته وعاداته وتقاليده ولباسه.
علاوة على ما سبق، فإن المبادرات الأهلية والمجتمعية التي شهدتها الولاية في الآونة الأخيرة بتحويل البيوت الأثرية القديمة إلى مقاهٍ ونزل سياحية مع الحفاظ على سماتها التقليدية، لعبت دورا كبيرا في استقطاب أفواج من السياح والمواطنين لخوض تجربة جديدة في مفهوم المقاهي والنزل ذات الطابع التراثي، والاستمتاع بالضيافة العمانية الأصيلة، وهذا مما يدخل ضمن أهداف السياحة المستدامة بتحويل المقاصد التأريخية والمواقع التراثية إلى منتجات سياحية.
إن الصورة النمطية التي ترسخت في الأذهان هي أن نزوى ولاية تراثية تحمل بين جنباتها إرثا حضاريا وتاريخيا وسياسيا ومعرفيا متراكما، بيد أن هذا الإرث لم يهجر رغم ما شهده العالم من تطورات وثورات في جميع المجالات، ولم يكن عائقا أمام أبناء الولاية عن تنميتها وتطويرها، بل تم الحفاظ على كل تلك المقومات وتسخيرها كقيمة تجارية وسياحية تتخذ من قيم الإنسان وثقافته مبدأ أصيلا، وتعرض تاريخ الولاية وتراثها بصورة عصرية مشرقة، كل ذلك جعل من نزوى أيقونة عصرية رائعة، وخلق لها هوية بصرية خاصة ومتفردة على خريطة الولايات العمانية، وقد تكون نموذجا تحتذى بها بقية الولايات إذا ما أرادت أن تخطو خطاها.