يكتبه: د. رجب بن علي العويسي|
السياحة قبل أن تكون بيئات تراثية (قلاع وحصون وبيوت أثرية)، أو بيئات طبيعية (أفلاج وعيون وأودية ومناظر خلابة، ومواسم سياحية، ومناخ معتدل)، هي منظومة متكاملة من المبادئ والاخلاقيات والقيم والحس المسؤول والمشاعر الراقية، تعمل في إطار من القوانين المنظمة، والتشريعات المحكمة، وأنظمة عمل تتناغم مع طبيعة السلوك السياحي الرشيد.
وبالتالي لا يمكن التفكير في أي تطوير سياحي منتج قادر على أن يستلهم معاني الذائقة السياحية؛ إن لم يستدرك مجموعة المبادئ، وقواعد السلوك السياحي الأصيل، ومعايير الذوق الوطني والآداب العامة، ويضع للهوية السياحية موقعها وحضورها في كل تفاصيل العمل السياحي والمشروعات والمبادرات السياحية.
غير أن ما يظهر بين فترة وأخرى من توجهات على مستوى الأفراد والمؤسسات، من حيث إدخال بعض العوارض الوقتية، والأفكار المبتذلة، والسلوكيات السلبية كجزء من التحضر السياحي، أو قراءتها في إطار تعزيز لغة اقتصاد السياحة الواعد، أو تبرير توجه الحكومة نحو استهداف أكثر من 11 مليون سائح بحلول عام 2040، ومحاولة ربط هذه الزيادة المتوقعة ببعض الأفكار والقناعات الدخيلة أو الغائبة عن الأنظار، بحجة إيجاد بيئة تتوافق مع بيئة السائح الوافد، والتنازل السهل عن الخط الأحمر الذي رسمته السياحة الوطنية في أهدافها المعلنة للمجتمع؛ خروج عن القاعدة، وارهاق لكاهل السياحة، وتلبيسها قضايا وتهم في غنى عنها، أو التأثير على مساحة الأمان وعلاقة التكامل الانموذج التي يعيشها المواطن مع السياحة الوطنية، ومحاولة إخراج السياحة من انسانيتها، ونزوغ بها إلى المادة والمصالح الشخصية، وإرباك قواعدها وأصولها ومرتكزاتها بأفكار تتجافى وأولويات السياحة وغاياتها، وقدرتها على مقاومة صدأ التشويه الذي تتعرض له الهوية السياحية صورتها الحقيقية أمام المواطن.
إن الأصل في نجاح أي سياحة يبدأ من المواطن، والعمل السياحي الكفء يجب أن يتجه إلى المواطن من الدرجة الأولى، وكلما قوي اتصال المواطن بالسياحة، والتصقت اهتماماته واولوياته برؤية الدولة السياحية، ومارس دوره السياحي بكفاءة ومهنية، كلما عزز ذلك من فرص نجاح السياحة الخارجية (الوافدة)، وانعكس على كفاءة السياحة الداخلية في استقطاب السياحة الوافدة وتنشيط حركتها وتوسيع خياراتها.