عمّان ” الأردن” – العمانية – فانا |
تجري الاستعدادات لإطلاق الدورة الرابعة والثلاثين لفعاليات مهرجان جرش للثقافة والفنون صيف هذا العام، وهو المهرجان الذي يحظى برنامجه بإقبال واسع من مواطني الأردن وزواره من العرب والأجانب.
وتتوزع نشاطات المهرجان الذي يحظى بالرعاية الملكية السامية، على المدينة الأثرية في جرش وسواها من المراكز الثقافية في العاصمة وعدد من المحافظات، وتشرف عليه لجنة عليا من أبرز الشخصيات في القطاعين العام والخاص الفاعلين في الحياة الثقافية والسياحية والنقابية، حرصا من الحكومة على إنجاح المهرجان ودعمه لتمكينه من عقد وتنفيذ برامج وأنشطة فعالياته بأفضل صورة ممكنة.
وتنهض فلسفة المهرجان الذي يعد من أقدم وأبرز المهرجانات في المنطقة العربية على تقديم وعرض جوانب متعددة من الإبداعات المحلية والعربية والعالمية والتعريف بها من على منصة أثرية عابقة بتاريخ الحضارات الإنسانية وتنشد التعاون والتبادل الثقافي بين الأمم، في تركيز على هوية أردنية ثقافية، من خلال مشروع وطني يمتلك خصوصيته المعبرة عن المجتمع الأردني بوصفه متنوع الثقافات.
ويحتضن المهرجان كل عام الكثير من الحقول الإبداعية من أمسيات فكرية وأدبية وموسيقية ومسرحية وتشكيلية وسمعية بصرية تحمل أسماء شابة وراسخة في المشهد الثقافي إلى جوار تلك المشاركة الواسعة والمميزة للمثقف والفنان والحرفي الأردني، على نحو يحفز ويشجع الأسرة الأردنية التوجه إلى مدينة جرش الأثرية لتكون جزءا من هذا الحدث الأردني العربي العالمي.
وتأتي أهمية استمرار المهرجان الذي عقدت بعض دوراته في ظل ظروف استثنائية صعبة مرّت بها المنطقة، كدليل بارز على المكانة اللائقة التي يحظى بها الأردن كنموذج للأمن والاستقرار وحاضنة للثقافة والإبداع، ويبذل القائمون على المهرجان جهدهم لتوفير الخدمات في موقع المهرجان، والتركيز على أن جرش معلم حضاري وتاريخي وثقافي، وتأكيد على ربط المنتج الثقافي مع المنتج السياحي، كما أن نجاح مهرجان جرش في السنوات الماضية كان لافتا ظهر فيها المهرجان كمحطة تسويقية وترويجية للأردن في أرجاء العالم، وهو ما أوجد تنوعا في جنسيات رواده وثقافاتهم المتعددة.
وتتنوع فعاليات المهرجان من خلال دعوته لأبرز المبدعين والمثقفين والفنانين والإعلاميين والفرق الفنية الفولكلورية العالمية الشهيرة والمؤثرة، إلى جوار معارض الحرف والصناعات التقليدية، فضلا عن تركيزه على النواحي والقضايا الفكرية من خلال عقد ندوات تحمل هموما وطنية وإنسانية بمشاركة عدد من أبرز المثقفين والكتاب والباحثين.
ولإتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من الزوار، فإن فعاليات المهرجان الثقافية وتلك التي تزخر بالمشهدية الفنية والتراثية العربية والعالمية غالبا ما تكون مجانية مراعاة للظروف الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين وتشجيعا لزوار المدينة الأثرية، فهي فعاليات تربط التراث والموروث مع صنوف الإبداع العالمي المعاصر، من خلال مشاركة عشرات البلدان بهدف إبراز روح التسامح والتعايش عبر لغة الموسيقى وحضورها اللافت كلّ عام، فهي فرق جادة استطاعت عبر كل الدورات الماضية أن تنقل الصوت الإنساني واسئلته الملحّة وأن تُعلي من شأن الإحساس بالأرض والينابيع ورائحة التراث والعتابا والموال الذي يظل يربط بين الأجيال ولتمتع الحضور بما تقدمه من وصلات استعراضيّة راقصة من التراث الغني المجبول بهموم وتطلعات الفرد في عناقه الدؤوب مع الأرض ومحيطه الإنساني في خطابات الحنين التي تختلج في الوجدان، النابضة دائما برسائل الوفاء والمحبة والتواصل، وهي تنسج لوحات من مشهديات الغناء والعزف والأداء، بالإضافة الى التعريف بأطياف من فرق النغم المحلية والعربية والعالمية الآتية من أرجاء العالم، وهي تغرف من مختلف الوان موروث الفن الأصيل الذي يزخر بالمشاعر الوطنية والوجدانية والعاطفية.
وعادة ما تتيح عروض المهرجان الفرصة لعشاق النغم العربي الأصيل الآتية من آلات شرقية وأصوات فردية وجماعية اعتادتها الأذن الطربيّة، وتصدح في فضاءات مسارح جرش بتقديم منتج غنائي موسيقي لأشهر علامات الفن الغنائي في أكثر من بيئة عربية، لا تزال فئات وشرائح اجتماعية من جيل الرواد تستمتع بأغانيها المفعمة بعذوبة الكلمات وقوة حضور المواقف لتأخذ الجمهور إلى عوالم الإيمان واليقين والفضاءات اللامتناهية في أجواء فنية غير نمطية منها أكثر من فرقة شركسية ومغربية وتونسية وعراقية وسورية ولبنانية مرورا بفرق قادمة من بيئات شعبية في بلدان إفريقية وآسيوية وأوروبية، وصولا إلى فرق من بلدان أمريكا اللاتينية، وجميعها تقدم ألوانا من إبداعاتها التي تنهل من عالم الثقافة والفنون في بلاد مليئة بحكايات البطولة والفروسية والقصص الرومانسية وقيم الوفاء واحترام الأنثى والحفاظ على العادات النبيلة، فضلا عن فرق الموسيقى والإنشاد الصوفي وتجلياته في المدائح النبوية بمصاحبة موسيقية عميقة الدلالات ثريّة الإيقاعات المتفردة التي تصدح بالمناجاة والحب والتواصل الإنساني.
وغالبا ما يلقى هذا النوع من الفنون إقبالا متزايدا من رواد المهرجان، فهو يشتمل على العديد من ألوان الفن والإبداع الإنشادي والصوفي الذي يرتقي بالمشهد الإبداعي التراثي والثقافي وينهض على قدرات وطاقات لافتة لفرق جماعية وفردية من العازفين والمؤدين المحليين والعرب ممن لهم رواج واضح في هذا المجال يحمل في طياته التمازج الثقافي، ما يؤكد أهمية المهرجان وما يقوم به من دور فعال في بناء وتنمية الذائقة السمعية والبصرية للأجيال الجديدة من الشباب على نحو يجري فيه تغليب لغة العقل والحوار عبر تلك النماذج من الإبداعات التي تستند الى موروث انساني عريق.
وللطفل نصيبه من المهرجان الذي انطلق في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، من خلال جملة من اشتغالات مسرح الطفل الذي يثير مخيلة النشء الجديد بمعزوفات وأغانٍ تنهل من تراث غنّي ومتعدد بحجم التراث الإنساني، وما يفيض به حركات أدائية وأزياء واقنعة شديدة الافتتان في قالب من الاستعراضات الحديثة والكلاسيكية المفعمة بالأغاني الحماسيّة الآتية من أشعار رشيقة مغنّاة، يتفاعل معها الأطفال وهم بصحبة أسرهم ثم يأخذون بمشاركتهم بكلّ طواعية وبهجة في مناخ تتعزز فيه تعابير الصدق والانتماء.
واستكمالا للحضور الإبداعي في المهرجان، ينطلق على مسارح جرش الأثرية مهرجان الشعر العربي الذي تشرف عليه رابطة الكتاب الأردنيين بمشاركة نخبة من الشعراء العرب والأردنيين، بالإضافة الى تواجد لفضاء شعري وأدبي وفكري في ركن آخر بالمهرجان، يتم عادة بالتعاون مع اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين، وجرت العادة أن يتزامن المهرجان مع الإعلان عن الفائزين في جوائز رابطة الكتاب الأردنيين وهي: جائزة حبيب الزيودي للشعر بدعم من المركز الثقافي الملكي، وجائزة خليل السكاكيني لأدب الأطفال، وجائزة سامح الرواشدة للدراسات النقدية.
وأخذت اللجنة العليا للمهرجان التي شكلت حديثا لإدارة فعاليات دورة هذا العام النظر في تفعيل الملف الثقافي وتطوير أدواته كأولوية ثقافية وبداية مهمة لترتيب المشهد الثقافي الأردني وإدماج القطاعات الثقافية المتنوعة في ترتيب برنامج المهرجان ليكون أكثر شمولا سواء على صعيد الفعاليات أوعلى صعيد القطاعات المشاركة في هذه البرامج، إذ من المتوقع أن تمتد فعالياته إلى خارج جرش، وأن تمتد إلى الجامعات والمدارس، وترتيب رحلات جماعية من أرجاء المملكة لمشاهدة الفعاليات وذلك تحقيقا لرسالة المهرجان الثقافية، التي باتت رمزا للحوار بين الثقافات، في الدعوة إلى التبادل وطرح التساؤلات اللازمة في عالم يعيش تحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية عصيبة.
كما أن وجود وزير الثقافة وزير الشباب على رأس اللجنة العليا، سيجعل مساحة تواصل الشباب مع المهرجان أوسع لتفعيله وليكون أكثر اقترابا من المشروع الثقافي وروافعه المهمة، والتي تتمثل في المثقف والفنان الأردني خاصة جيل الشباب منهم وإدماجهم ليكون لهم دور في تقديم تصورهم الخاص في إدارة فعاليات المهرجان برؤى جديدة وأفكار نضرة، تعزز مسيرة المهرجان المديدة، وبهذا الصدد أكد مدير المهرجان أيمن سماوي أن إدارة المهرجان تسعى لإعادة الثقة والألق للمهرجان، وان هناك وسائل تم الاتفاق عليها لإعادة بناء المهرجان وتطويره عبر برنامج يحتوي على العديد من الأفكار الجديدة كالمسابقات في النحت والشعر والتشكيل وغيرها، إضافة لمسرح الصوت والضوء والذي يقتضي التعاون مع الجهات المعنية بعالم صناعة الأفلام في الأردن، وأن يكون الافتتاح هذا العام مختلفا حيث سيصار إلى تقديم جملة فنية تقدم تاريخ الأردن وتحتفي بوقائعه، وأن هنالك مقترحا بعنوان “ليالي جرش” سيكون في كل مدينة أردنية أثناء فعاليات المهرجان، وان يكون المشروع الثقافي الأردني حاضرا بكل تنويعاته وتجلياته.