مدينة حالمة ليلاً مفعمة بالحياة نهاراً
***
“نهر العواصم” يمر على 4 عواصم أوروربية هي بودابست وفيينا وبراتيسلافا وبلغراد
ترحال- ناجي السعيدي
في صيف العام الماضي، حينما استعد لحجز تذاكر سفرة الصيف وجه الي احد الزملاء سؤالا: “لماذا لا تسافر الى بودابست! “. أجبته باستغراب ” لماذا بودابست بالذات !. رغم أن معظم من يسافر الى اوروبا يذهب لمدن بعيدة عنها مثل ميونخ وباريس وزيلامسي وانترلاكن وو……… بس. أما بودابست هذه جديدة، وعندها استعنت بمحرك البحث الشهير “جوجل” للبحث عن معلومات عنها وبدأت اقرأ عن هذه البلد التي قد تكون جديدة سياحيا لكثير من يحبون السفر، قرأت عنها الكثير . بودابست عاصمة المجر أو هنغاريا سكانها يبلغون قرابة المليون و700 الف نسمة ( 2015 م ) وتشتهر بالحمامات ذات المياه المعدنية والجسر السلسلة الذي بني عام 1849م ، كان هذه لا تهمني كثيرا، كنت ابحث أن شيئا يجذبني نحو هذه المدينة خاصة أنني لاحظت أن زميلي يصر علي اصرارا ان اسافر الى بودابست ، حتى انجذبت نحولها ووجدت ضالتي في مقال الصحفي الكبير الاستاذ الشيخ حمود بن سالم السيابي واصفا بودابست بانها لوحة تجاوزت الواقع والخيال واعتبرها جوهرة المدائن الاوروبية وزهرتها، زرتها ووجدت الوصف ذاته والتشبيه ذاته، فمن يزورها يجدها لوحة طبيعية جمعت شتى اصناف الجمال.
لا بد من زيارتها مرة اخرى، هذا ما احسست به وانا اغادر بودابست، من الصعب أن اعبر لماذا اسرتني بهذا الشكل الجذاب ولكن احساس غريب انتابني وانا اتجول فيها – رغم أني اول مرة ازورها -، كأنني اعلم معالمها التاريخية وحضارتها القديمة وحداثتها العصرية وشعبها اللطيف، فالمجر او هنغاريا تعتبر واحدة من اقدم البلدان في اوروبا وتعاقب عليها اكثر من امبراطورية ومن ضمنها الدول العثمانية، وهذا ساعد على تشكيل ملامح تاريخية مختلفة لهذا البلد وبصمات حضارية متنوعة فاوجدت لها طابعا سياحيا فريدا.
ماذا في بودابست
اكتسبت شهرة هذه المدينة الحالمة في الليل المفعمة بالحياة في النهار من نهر الدانوب الذي يطلق عليه احيانا ” نهر العواصم ” لمروره على أربع عواصم أوروربية وهي بودابست وفيينا عاصمة النمسا وعاصمة سلوفاكيا براتيسلافا وبلغراد عاصمة صربيا ، بالاضافة الى أكثر من عشر مدن اورروبية في كل من المانيا، كرواتيا، رومانيا، مولدافيا، اوكرانيا وبلغاريا قاطعا بذلك مسافة 2860 كيلومترا من مصدره بالمانيا وحتى مصبه في البحر الأسود، منها 334 كيلومترا يقطعها في المجر بين مدينتي بودابست وفاك .
على ضفة النهر الازرق- كما يظهر في بعض مقاطعه – تجد السياح واهل المدينة يستمتعون بلونه البراق ويشاهدون السفن والمراكب وهي تمخر مياهه جيئة وذهابا فهناك من يتجولون على جانبي نهر العواصم ليقفوا على مشهد تاريخي قد يعود لمئات السنوات من الزمن الغابر أو معلما حديثا سيصبح في المستقبل البعيد من الماضي، وهناك من السياح من يصطفون في طوابير في انتظار الصعود للمراكب وأخذ جولة سياحية على متنها ورؤية المشهد الجمالي من النهر، وليس غريبا أن نشاهد هؤلاء السياح والمارة يكررون هذا المشهد بشكل دوري وروتيني كل يوم ، صباح ومساء، لانه يستحقق التكرار لروعته.
مواقع سياحية
ومن الأماكن السياحية التي تقع على جانبي نهر الدانوب مبنى البرلمان وهو واحد من أقدم المباني التشريعية في اوروبا واكبر مبنى في المجر او هنغاريا يمتاز بجماله وروعته بابراجه 27 و88 تمثالا للحكام المجريين وقبته العالية بارتفاع 96 مترا، بالاضافة إلى تصميمه الضخم واضاءته المتميزة ليلا وانعكاسه المتموج على نهر الدانوب، كل هذا وأكثر جعل من هذا المبنى مقصدا للسائح والمقيم.
ايضا نجد ونحن نشاهد نهر الدانوب انعكاسا لقلعة بودا -المدرجة على قائمة التراث العالمي- وأحد مقار ملوك الدولة المجرية سابقا قبل ان تتحول الى منطقة سياحية يرتاده الافواج من كل مكان متجولا في ساحاتها الشاسعة وما تحتويه الآن من متاحف تاريخية ومكتبة وطنية .
ومن يتجول أيضا على ضفاف نهر الدانوب – الذي يبدوا انه يزخر بجانبيه على العديد من الاماكن الجاذبة للسياح ومحبي السفر والترحال – يشاهد معلمين رئيسيين –بالطبع اضافة الى مبنى البرلمان وقلعة بودا – اولهما النصب التذكاري للأحذية الدالة على الرمزية لما حدث في الحرب العالمية الثانية، وثانيهم جسر السلسلة أشهر الجسور في بودابست وأحد المباني الرمزية وأخذ هذه الخاصية من تقريب ثقافة بودا القديمة بالضفة الغربية مع مدينة بست بالضفة المقابلة ليشكلان ثقافة بودابست العاصمة المجرية الأكثر عراقة وتاريخا، تعرض جسر السلسلة الذي بني 1849 قبل عن يتعرض للدمار في الحرب العالمية الثانية واعيد بناءه مرة اخرى عام 1949م.
جسر السلسلة
جسر السلسلة طوله 370 متر، وقد سمي بهذا الاسم كونه مثبت بسلاسل حديدية متينة، وبني على مداخل الجسر تماثيل لأسود في دلالة رمزية لحمايته من أطماع الآخرين ، لم يكن فقط جسرا عاديا يربط ضفتي بودابست بل اصبح معلما تاريخيا وموقعا سياحيا يزوره السياح لإلتقاط الصور التذكارية له وصور السلفي معه .
كثيرة معالم بودابست ومنها شارع اندراشي مصمم على طراز شارع الشانزيليزيه الباريسي ومن هنا من يطلق على مدينة بودابست باريس الشرق لتشابهها مع باريس فرنسا، شارع اندراشي مدرج على قائمة يونسكو للمناطق المحمية، وتعرف بودابست بالمنتجعات الاستشفائية لوجود المياه المعدنية الساخنة الطبيعية ويقصدها السياح لغرض التشافي والاسترخاء والعلاج الطبيعي.
جزيرة مارجريت
مارجريت فتاة شابة احتضنتها جزيرة صغيرة جدا لا تتعدى مساحتها واحد كيلو متر مربع فقط، عاشت طفولتها ابنة بيلا رابع حكام المجر على الجزيرة وهي تتمتع بالمناظر الطبيعية وحدائقها الغناء حتى توفيت عام 1270 م عن عمر صغير ماتت وهي ابنة 28 ربيعا فقط، وخلد ذكراها على الجزيرة بنصب على قبرها، هذه ما تقوله الروايات عن الجزيرة الواقعة في عرض نهر الدانوب لذلك يسمونها الآن بجزيرة مارجريت نسبة إلى سانت مارغريت، وقبل هذا الأسم كانت تسمى بجزيرة الأرانب .
على جزيرة مارجريت مرافق سياحية وترفيهية يمكن للسائح أن يقضي يما كاملا هناك وهو يتجول ما بين حديقة الحيوان وحدائق الطبيعية للزهور والورود وممرات للمشي وممارسة هواية قيادة الدراجة الهوائية، كما يستمتع الزائر للجزيرة بمشاهدة النافورة وهي تتراقص بنغمات موسيقية وآثار لمئات السنين وبقايا لاطلال كنيسة الفرنسيسكان وانقاض مساكن الراهبات الدومينيكية، فالجزيزة تعتبر ملاذا للاسترخاء وملجأ للراحة والاستجمام.
عودة أخرى
كثيرة هي التقارير السياحية كتبت عن بودابست وجميعها لا توفي جمال هذه المدينة وهي تستقبل ملايين السياح سنويا للتمتع بدانوبها واشياء اخرى، وكثيرة هي الاماكن في بودابست التي لم اكتب عنها بسبب ضيق هذه الصفحة وتشويقا لك ايها القارىء العزيز لزيارتها..
يا بودابست سآتي لك يوما ما فانتظريني عند محطة القطار “كيليتي” حيث غادرتك الى فيينا.