القاهرة – العمانية |
تعد مدينة الإسكندرية المصرية أحد أقدم مدن العالم وأجملها وأشهرها على حد سواء فتاريخها ضارب في الأعماق منذ عهد الإسكندر المقدوني، فقد وضع التخطيط الأول لها عام 331 قبل الميلاد، وقسمت أرضها الفضاء إلى طرق وميادين وأحياء.
ومن أشهر معالم الإسكندرية فنارها أو منارتها التي صنفت كإحدى عجائب الدنيا السبع ودرة على جبين عروس البحر المتوسط ودليل على أصالتها ورونقها المتجدد الذي لا ينقطع حتى وان كانت تلك المنارة دمرت في زلزال عام1323 م وبقي بعض آثارها في “متحف الآثار الغارقة”.
ووفقا لمحمد عبد الفتاح مدير عام متاحف وآثار الاسكندرية السابق فإن بداية انشاء المنارة كان في عام 279 قبل الميلاد، عندما بدأ بطليموس الاول تأسيسها لكنه رحل واستكمل البناء ابنه بطليموس الثاني في 280 قبل الميلاد، وقد جاء انشاء المنارة لاستكمال مجد الاسكندرية التي انشئت على النسق اليوناني.
ويشير مدير عام متاحف وآثار الاسكندرية السابق إلى أن منارة الاسكندرية استحوذت على اهتمام الرحالة والمؤرخين الذين قدموا الى مصر وزاروا الاسكندرية، حيث سطروا في كتبهم الكثير عن جمال وروعة هذا الفنار.
فقد سجل الرحالة العربي ابن جبير أن ضوء الفنار كان يرى من على بعد 70 ميلا في البحر، ويقال إن الصعود إلى الفنار والنزول منه كان يتم عن طريق منحدر حلزوني أما الوقود فكان يرفع إلى مكان الفانوس في الطابق الأخير بواسطة نظام هيدروليكي. وكتب الرحالة العربي الاصطخرى ان الفنار قائم على صخرة في البحر وبه أكثر من 300 غرفة ولا يهتدي فيها الزائر الا إذا هداه دليل.
اما الرحالة ابن حوقل فوصف الفنار بأنه بنى من الصخور المنحوتة حيث جمع بعضها ببعض وشدت بالرصاص ولا يشبهها شيء على وجه الارض. ووصف عالم الجغرافيا الشهير الإدريسي المنارة بانها لا يماثلها شيء ببلاد العالم في قوة بنائها ونظامها، فهي من اصلب الصخور فقد صب بينها الرصاص المنصهر، ويصل اليها ماء البحر من جهة الشمال وعلوها نحو 300 ذراع.
وتفيد الكتابات التاريخية بان الغرض من إنشاء منارة الإسكندرية هو هداية البحارة عند سواحل مصر المنخفضة، فقد كان النور المنبعث من النار الموضوعة في قاعدة المنارة ينعكس من المرايا النحاسية كضوء يتجه إلى المناطق المحيطة بالمنارة. وبلغ اجمالي تكاليف المنارة 8 آلاف تالنت-وهو عملة البطالمة-أي ما يعادل ربع مليون جنيه مصري، وكانت المنارة مكونة من أربعة طوابق، ارتفاعها يتراوح بين 120 مترًا إلى 135 مترًا، حيث بلغ ارتفاع الطابق الأرضي من المنارة حوالي 60 مترًا، وهو مربع الشكل وبه العديد من النوافذ وعدد من الحجرات يبلغ عددها 300 حجرة كانت تستخدم كسكن لعمال تشغيل المنارة وأسرهم، كما كانت تستخدم لتخزين الآلات والأدوات الخاصة بالمنارة، وينتهي هذا الطابق بسطح في جوانبه 4 تماثيل ضخمة من البرونز.
واتخذ الطابق الثاني شكل مثمن الأضلاع، وارتفاعه نحو 30 مترًا، بينما الطابق الثالث اتخذ شكل مستدير تعلوه قمة المنارة وبها مصباح كبير، وهو مصدر الإضاءة في المنار، وقد أقيم على 8 أعمدة تحمل قبة فوقها تمثال يبلغ ارتفاعه حوالي 7 أمتار. وفي عهد الأمير أحمد بن طولون، جرى ترميم المنارة، وجعل في أعلاها قبة خشبية ليصعد إليها من داخلها، وفي الجهة الشمالية من المنارة كتابة بالرصاص بقلم يوناني طول كل حرف يبلغ ذراعا وعرض شبر ومقدارها من الأرض نحو 100 ذراع. وفي عهد السلطان الظاهر بيبرس تداعت بعض أركان المنارة فأمر ببناء ما هدم منها وبنى مكان القبة الخشبية التي في أعلى المنارة مسجدا، إلا أنه هدم عام 702 هـ، ثم أعيد بناؤه فيما بعد. وفي عام 1996م تم إنشاء إدارة للآثار الغارقة بالإسكندرية تابعة للمجلس الأعلى للآثار تضم مجموعة من الأثريين للبحث عن الاثار المدفونة في البحر المتوسط ومنها فنار الاسكندرية.
جدير بالذكر قامت بعثة أثرية فرنسية بقيادة جان إيف بالتنقيب عن آثار منارة الإسكندرية للحصول على كتل حجرية تنتمي لأنقاض الفنار القديم، مع البحث عن لوحة تذكارية كانت في واجهة المنارة منحوتة بحروف يونانية ضخمة.