OLYMPUS DIGITAL CAMERA

المحميات الطبيعية.. نحو الاستثمار السياحي لتنويع مصادر الدخل للسلطنة

حوار- أحمد بن راشد الشبلي

تسعى وزارة البيئة والشؤون المناخية ممثلة في المديرية العامة لصون الطبيعة للحفاظ على الموارد الطبيعية والمكونات الفطرية للطبيعة العمانية، وذلك من خلال وضع القوانين والضوابط الخاصة بإدارة المحميات الطبيعية، وصونها من الأخطار التي قد تؤثر عليها. ومن هذا المنطلق كان لنا هذا الحوار مع المهندس سليمان الأخزمي مدير عام صون الطبيعة بالوزارة.

– ما هو مفهوم المحميات الطبيعية؟ والهدف من إقامتها؟

المحمية الطبيعية أو المنطقة المحمية هي منطقة جغرافية محددة المساحة تم تُخصيصها للمحافظة على الموارد البيئية المتجددة وتطبيق النظم الجيدة لاستغلالها، وتتميز هذه المناطق بأنها قد تحتوي على نباتات أو حيوانات مهددة بالانقراض مما يستلزم حمايتها من التعديات الإنسانية والتلوث بشتى الصور، وقد تحتوي تلك المنطقة على حفريات من عصور جيولوجية سابقة أو مناطق أثرية قديمة.

وفي سلطنة عُمان يتم الإعلان عن إنشاء المحميات الطبيعية بمراسيم سلطانية سامية كمناطق محمية، ويتم إدارتها من قبل وزارة البيئة والشؤون المناخية للحفاظ على المنطقة وفقًا للأهداف المحددة في المرسوم السلطاني السامي، والذي يقضي بإنشاء المحمية. ويتم إنشاء المحميات الطبيعة في السلطنة للمحافظة على موارد محددة مثل مواقع تعشيش السلاحف البحرية على الشواطئ (محمية السلاحف برأس الحد)، والتنوع الأحيائي المتميز (محمية السليل الطبيعية)، والمناطق ذات المناظر الخلابة (محمية الجبل الأخضر للمناظر الطبيعية)، وكذلك لتوفير فوائد للمجتمعات المحلية. يوجد حالياً 18 محمية طبيعية في السلطنة معلنة بموجب مراسيم سلطانية سامية. تساعد المعلومات بشأن قيم المحميات وموقع هذه القيم في تحديد المناطق الأكثر حساسية في المحمية والتي تتطلب المزيد من الحماية المشددة. يمكن السماح بالقيام بالأنشطة مثل السياحة الطبيعة ، والبرامج التعليمية، والمرافق ذات التأثير المنخفض لصالح المجتمع المحلي،  وزوار المحمية في المناطق الأخرى خارج المناطق الحساسة في المحمية وفقا للتشريعات المعمولة بهذا الشأن.

ومن أهداف إنشاء المحميات الطبيعية:الحفاظ على العمليات والعلاقات البيئية الطبيعية المتوازنة ومراقبتها بصفة مستمرة. وصون وحفظ الأنواع النباتية والحيوانية والمصادر الوراثية التي تستوطن هذه المناطق أو تستخدمها كمحطات في طريق هجرتها. والاستغلال الاقتصادي المنظم والرشيد لهذه الموارد الحيوية التي يمكن أن تنشأ في هذه المحميات. وأن تبقى هذه المحميات بنوكاً وراثية حية تكون داعماً عند الحاجة للنظم البيئية الهشة أو التي تتعرض للحوادث الطبيعية أو البشرية. والاستثمار التوعوي لهذه المواقع بحيث تزيد الوعي العام للمواطنين بأهمية هذه المحميات. وإعادة تأهيل الأنواع المنقرضة والتي توجد في مواقع أخرى مشابهة وإعادة تنمية وتأهيل الأنواع المهددة بالانقراض والنادرة بحيث تؤمن عودتها بأعدادها الطبيعية التي كانت موجودة في الأيام الخالية للتوازن البيئي.

تطوير مشاريع السياحة البيئية خاصة بعد أن أصبحت المنافس الأول للأماكن الأثرية والتاريخية إنما بالشكل الذي لا يؤثر على سلامة هذه المحميات من التدهور.

ما هي أنواع المحميات الطبيعية؟ وكيف تصنف المحميات الطبيعية في السلطنة؟

المحمية الطبيعية ذات الطابع العلمي المحض: حيث تخصص مساحة من الأرض لأغراض علمية بحثية، غايتها المحافظة على البيئة الطبيعية ومكوناتها من عشائر وأنواع، وللحفاظ على استمرار العمليات البيئية التي يمكن أن تتم دون أي تدخل أو مؤثر سلبي من خارج هذه الأنظمة البيئية، وذلك بغية الحصول على قراءات أو تسجيلات علمية مستمرة لهذه العمليات، وتكون هذه المحميات ذات قيمة علمية بحتة، ويمكن أن تكون ذات مساحات محددة.

الحدائق الوطنية الطبيعية: هي أكثر أنواع المحميات شيوعاً في الولايات المتحدة وفي بعض الدول الإفريقية، وتضم في العادة مساحات أرضية كبيرة أو مناطق مائية تحوي نماذج متنوعة من البيئات الطبيعية والمناظر ذات القيمة الجمالية بالإضافة إلى تجمعات نباتية وحيوانية وتكوينات جيولوجية متباينة، وتخدم هذه الحدائق عدة أغراض علمية وتعليمية وسياحية وترفيهية.

الأثر الوطني الطبيعي : وهي تكوين جيولوجي أو تجمع حيواني أو نباتي ذو أهمية وطنية معينة، ثقافية أو علمية أو تعليمية، وتقوم الدولة بحمايته خوفاً من التعدي عليه أو تدهوره، ومن الأمثلة على ذلك الشلالات والعيون والكهوف الطبيعية والتلال والوديان والواحات، أو مناطق معيشية أنواع معينة من الحيوانات والنباتات.

محمية المناظر الطبيعية: وهي التي تضم مناظر طبيعية ذات أهمية ثقافية أو فنية خاصة، مثل نماذج خاصة من الأراضي أو المياه وما تضمه من أحياء وتراكيب جيولوجية جديرة بالصون، ويتم استخدمها كأماكن للنزهة والترويج.

محمية الموارد الطبيعية: وهي منطقة بها موارد طبيعية غير مستغلة أو مكتشفة حديثاً، ويمكن استغلالها اقتصادياً بشكل مستدام بدون التأثير على الموارد الطبيعية، وينطبق ذلك على مناطق لم تحدد مواردها الطبيعية بشكل دقيق.

محمية الحياة التقليدية: وهي محمية يكون الإنسان طرفا فيها، تستخدم مواردها بطريقة تقليدية دون تغيير جذري في نمط الحياة، ودون خطر كبير من تدهور الموارد، وتمثل هذه المناطق أهمية ثقافية وعلمية وسياحية وجمالية في آن واحد.

محمية الموارد متعددة الأغراض : وتمتاز هذه المحمية بالحاجة إلى حماية الثروات الطبيعية المتنوعة والمتواجدة مع الثروات الأساسية والجوهرية التي يستخدمها الإنسان كثروة قومية أساسية لأغراض التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويؤدي الاستخدام المتعدد والأمثل للأرض إلى حماية تلك الموارد الجوهرية والتي يخشى إهدارها أو تبديدها، ويساعد على تنميتها واستغلالها بأسلوب مستمر، كالتحكم في موارد المياه والحياة البرية والمراعي الطبيعية والموارد الشجرية والمسطحات الواسعة الصالحة للأغراض الترويجية.

محمية المحيط الحيوي: اقترح برنامج الإنسان والمحيط الحيوي التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) هذا النوع المستحدث من المحميات عام 1971م، و تقصد هذه المحمية إلى المحافظة على عناصر التجمعات الإحيائية من نباتات وحيوانات وتراكيب جيولوجية في إطار النظام البيئي الطبيعي، مع الاهتمام بالمحافظة على التباين البيئي والوراثي المتميز ودون المساس بالاستخدامات التقليدية للأرض ( رعي، زراعة بسيطة، احتطاب )، وهي بذلك تجمع بين أغراض المحميات الطبيعية ذات الطابع العلمي المحض والمحمية الطبيعية لصون الأنواع، ومحمية الحياة التقليدية.

محمية التراث القومي العالمي : يتصل هذا النوع من المحميات بتطبيق الاتفاقية الدولية لحماية التراث الثقافي والطبيعي، وتختار المحميات لاحتوائها على مواقع لها أهمية عالمية طبيعية أو آثار ثقافية، أو كليهما معاً تكون جديرة بالاهتمام والحماية.

وتصنف المحميات في سلطنة عُمان حسب النظام العالمي للاتحاد العالمي لصون الطبيعة.

 

– كيف يمكن إدارة المحميات الطبيعية بما لا يؤثر على مكوناتها الطبيعية؟ وهل يختلف ذلك من نوع إلى أخر؟

يتولى موظفو وزارة البيئة والشؤون المناخية ومختلف إدارات الوزارة في المحافظات إدارة المحميات لضمان حمايتها، وذلك من خلال إدارة الأنشطة التي تقام في المحمية، وايضا من خلال تطبيق القوانين الخاصة بالمحميات مثل قوانين الصيد، وقوانين استخدام الأراضي داخل احرامات المحمية من قبل الزوار والمستثمرين والسكان المحليين. وتفعيل برامج المراقبة من خلال وحدات المراقبة المودودة في جميع محافظات السلطنة، والدوريات المشتركة للحد من التعديات التي تتعرض لها الحياة الفطرية. ولا يختلف أسلوب إدارة المحميات من نوع لأخر، جميعها تخضع لنفس القوانين.

– كيف يمكن تفعيل السياحة البيئية في المواقع المحمية؟ ما هي الجهود التي تقوم بها وزارة البيئة والشؤون المناخية لتنمية وتطوير المحميات الطبيعية؟ هل هناك خطة لطرح بعض المواقع المحمية للسياحة؟ وما هي تلك المواقع؟ وما نوع السياحة البيئية التي تتناسب معها؟

وضعت وزارة البيئة والشؤون المناخية الخطط والبرامج والأنشطة التي تتناسب مع السياحة الطبيعية والتعليم وتشترك فيها المجتمعات المحلية في المحمية الطبيعية، وتركز الوزارة جهودها حاليًا على عدة محميات طبيعية ومنها محمية حديقة السليل الطبيعية (محمية طبيعية) بمحافظة جنوب الشرقية من خلال تطوير وتنفيذ خطة للسياحة البيئية المنظمة والمتوازنة مع المكونات البيئية للمحمية، وسيتم دراسة مدى امكانية تنفيذ الأنشطة المخطط لها في محمية حديقة السليل الطبيعية للزوار بما يتوافق مع حماية التنوع الأحيائي، ومدى استفادة المجتمع المحلي من تلك الأنشطة، وبمجرد أن تثبت نجاح الأنشطة المخطط لها في محمية حديقة السليل الطبيعية سيتم فتحها لاستقبال الزوار، وهذه الانشطة تكون متوافقة مع حماية التنوع الأحيائي، وتوفر فوائد للمجتمع المحلي، كما ستكثف الوزارة جهودها في تطوير وتنفيذ خطط سياحية أخرى في محمية القرم الطبيعية في محافظة مسقط، ومحمية الجبل الأخضر للمناظر الطبيعية، ومحمية الأراضي الرطبة في محافظة الوسطى، ومحمية السلاحف بمحافظة جنوب الشرقية. كما قامت الوزارة وبالتعاون مع وزارة السياحة بوضع لائحة تنظيم الاستثمار السياحي في المحميات الطبيعية بما يتماشى والمحافظة على الهدف الذي تم إنشاء المحميات من أجله ولصون التنوع الأحيائي.

 

– ما هي التحديات التي تواجه السياحة البيئية في المحميات الطبيعية؟

تواجه المحميات الطبيعية في سلطنة عُمان العديد من التحديات، منها تزايد النمو السكاني والأنشطة الاقتصادية التي تؤثر على الأحياء البرية وسلامة الموائل الطبيعية، ونقص الموارد المالية يؤثر في تطوير البنية الأساسية للمحميات، وهذا النقص بدوره يؤثر على قدرة موظفي الوزارة على التكيف لإدارة وحماية موارد المحمية، وقد يضّعِف قدرة المراقبين للقيام بالدور المناط بهم على أكمل وجه، وتسيير دوريات في المحميات في جميع ساعات النهار والليل من أجل مراقبة عمليات الصيد غير المشروع.

– كيف يمكن الإستفادة من خبرات الدول في إدارة وتفعيل السياحة البيئية في المحميات الطبيعية؟

هنالك العديد من نماذج الإدارة الفعالة للمحمية الطبيعية في كافة أنحاء العالم، على سبيل المثال في الأردن قامت الحكومة الأردنية بشراكة مع مؤسسة غير حكومية وهي الجمعية الملكية لحماية الطبيعة للمساعدة في إدارة محمياتها، وتطوير السياحة الطبيعية، وإشراك أفراد المجتمع المحلي كمرشدين سياحيين، وتقديم المشغولات الحرفية والطعام في المحمية، وكسب دخل من هذه الأنشطة. وتقوم دول أخرى مثل أستراليا وكينيا والولايات المتحدة وغيرها بإدارة محمياتها بطرق مختلفة أثبتت فعاليتها أيضا. ويمكن لسلطنة عُمان أن تستفيد من إدارة المحميات الطبيعية في الدول الأخرى ثم تقوم بتطبيق أفضل أنشطة الإدارة لهذه الدول في المحميات الطبيعية.

– ما هو الهدف من زيارة الخبراء الأمريكيين، وكيف يمكن الإستفادة منهم في إدارة السياحة في المحميات الطبيعية؟

قام اثنين من خبراء المحميات الطبيعية بالولايات المتحدة الأمريكية وطويلة في إدارة الحدائق الوطنية ومحميات الحيوانات البرية الوطنية بزيارة السلطنة والعمل مع موظفي صون الطبيعة بوزارة البيئة والشؤون المناخية خلال الستة الأشهر الماضية، وكان الهدف من الإستعانة بالخبراء هو تحسين القدرات الفنية وكفاءة موظفي الوزارة في حماية وإدارة المحميات الطبيعية وفقاً للمعايير الدولية المعمول بها، وتركز العمل مع المختصين بوزارة البيئة والشؤون المناخية على تقديم التوجيه لموظفي الوزارة في مجال صون الطبيعة بشأن المحافظة على المحميات الطبيعية وإدارتها. وعملية التخطيط لوضع خطة السياحة الطبيعية الأولى للوزارة لمحمية حديقة السليل الطبيعية، وقد وافقت وزارة البيئة والشؤون المناخية ووزارة السياحة على هذه الخطة، وتتعاون الوزارتين حاليًا اعتبارًا من بداية مايو 2017م على تنفيذ البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي بموجب برنامج “تنفيذ”، كما قام الخبراء بتقديم المساعدة الفنية والاستشارة للمديرية العامة لصون الطبيعة بالوزارة بشكل منتظم حول مختلف المسائل المتعلقة بالمحافظة على المحميات الطبيعية و إدارتها.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*