مقال| حين يغني الوطن.. تراث عُمان في أنامل الشباب وقلوب السياح

يكتبه: د. قاسم بن محمد الصالحي|

ليس كل ما يُقال يُكتب، فبعض الحكايات تُغنّى.. وفي عُمان، حيث تُولد القصيدة على شفة جبل أو من صدر بحر، تظل الفنون التقليدية كالعازي، الميدان، الونة، النهمة، والهبوت، هي اللغة التي لا تُترجم، لأنها تُفهم بالقلب.

من أعماق المجالس القديمة وصدى الطبول في الصحارى، يُعيد الشباب العُماني اليوم اكتشاف هذه الكنوز، لا كمجرد تراث محفوظ في ذاكرة الشيوخ، بل كأدوات حيّة نابضة، يُمكن أن تتحول إلى جسر بين الزائر وروح المكان.

في الميدان، لا يُلقى الشعر بل يُتبادل كفن مبارزة، وفي العازي، لا يُنشد القائد فخره فحسب، بل يُوقظ في السامع دهشة الانتماء.. هذه الفنون، حين تُقدم في فعاليات السياحة أو جلسات الضيافة، تُضفي على التجربة عمقًا ودهشة.. وتُشعل السؤال في نفس السائح: من أين يأتي هذا الصوت المليء بالهيبة والحكمة؟.

ليس هناك أجمل من تقديم هذه الفنون في مشاهد تمثيلية داخل الأسواق التراثية أو على أرصفة الموانئ التاريخية.. النهمة، مثلا، ليست غناءً بحريا فحسب، بل قطعة من البحر نفسه.. والهبوت، حين يُمارَس في مواسمه، يمكن أن يكون محورا لبرامج سياحية تربط الزائر بالموروث والزمان والمكان.. البرعة ليست رقصا، بل جسد الوطن وهو يتكلم.. إنها سرد بصري لروح الجبل، عندما يُقدّمها الشباب في عروض ضمن مهرجانات أو احتفالات سياحية، فإنها لا تبهج العين فقط، بل تُدخل الزائر في حوار صامت مع الجغرافيا والمجتمع.

كيف يُبدع الشباب في توظيف هذه الفنون؟، العروض السياحية المتنقلة: تقديم فقرات فنية في مطارات، فنادق، أو مناطق جذب سياحي، ورشات تفاعلية للسياح: تعليم الزوار كلمات من الميدان أو إيقاعات الونة، ليكونوا جزءا من الحكاية، الدمج بالمحتوى الرقمي: تصوير مقاطع قصيرة على “تيك توك” أو “إنستغرام” توثق هذه الفنون بروح حديثة.. إنشاء فرق شبابية تُعيد صياغة هذه الفنون بروح العصر دون المساس بجوهرها.

السياحة ليست دائما ما نُقدمه للزائر.. بل ما نُعيد اكتشافه في أنفسنا من خلاله.. وحين يرى السائح شابا عمانيا يُغني العازي في قلب صلالة، أو يُؤدي البرعة في مهرجان نزوى، أو يُعلم أطفالا أجانب فنون النهمة على الشاطئ.. فإنه لا يلتقط صورة فقط، بل يحتفظ بجزء من روح عُمان.. فيا شباب عُمان، غنّوا كما اعتاد الأجداد، لكن احكوا بطريقتكم الجديدة.. فأنتم لا تُروجون لفن.. بل تُحيون وطنا من خلاله.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*