تونس – الأناضول|
في الفترة الراهنة من السنة، تختار مئات من طائر “النحام الوردي” المهاجر منطقة “سبخة السيجومي” غرب العاصمة تونس ملاذا لها.
وهذه “السبخة” هي رابع أهم منطقة رطبة في شمال إفريقيا من حيث التنوع البيولوجي الذي يميزها ومساهمتها في التوازن البيئي بالبلاد، وفقا لمراسلة الأناضول.
و”السبخة” مسجلة في قائمة المناطق ذات الأهمية العالمية وفقا لـ”اتفاقية رامسار”، وهي مناطق عامة للتنوع البيولوجي مخصصة للحفاظ على الطيور.
وسنويا، تستقبل “سبخة السيجومي” الآلاف من الطيور، فتجد فيها إلى جانب “النحام الوردي”، كلا من البط وطائر الغرة السوداء والنورس واللقلق.
لكن مساحة “السبخة” تقصلت من 3500 هيكتار (الهكتار يساوي 10 آلاف متر مربع) إلى 2600 هكتار؛ بفعل النفايات وفضلات البناء والتوسع العمراني على حسابها.
وتلك النفايات والفضلات المتراكمة في المنطقة لا تهدد هذه الطيور فحسب، وإنما تهدد البيئة عموما في منطقة تعد رئة للعاصمة.
تهديد للنظام البيئي
الناشط البيئي بدر الدين جمعة قال للأناضول إن “3 عناصر أساسية تهدد اليوم سبخة السيجومي، أولها فضلات الهدم والأشغال العامة التي يساهم تراكمها في تقليص مساحة السبخة وجوانبها، ما يجعل الترسبات تطفو إلى السطح وبالتالي يقل عمق المياه”.
وتابع أن “ذلك يخلق عديد المشاكل البيئية”، مبينا أن تقلص عمق المياه يؤدي إلى ارتفاع حرارتها؛ ما يفرز غازات من شأنها أن تقضي تدريجيا على النباتات والحشرات الموجودة.
والعنصر الثاني الذي يهدد المنطقة، بحسب جمعة، هو أن “الربط العشوائي بين شبكة تصريف مياه الأمطار والمياه المستعملة والتداخل بينهما يؤثر سلبا في جودة المياه والحياة في السبخة، إذ يجعل مياه الأمطار غير نقية وممزوجة بمياه تُستعمل لأغراض يومية من قِبل الإنسان”.
أما العنصر الثالث فهو “التوسع العمراني على حساب السبخة، إذ تجد مساكن في مناطق غير مهيئة، ما يؤثر في التوازن البيئي هناك”، كما تابع جمعة.
وشدد على أن “وجود الإنسان وقربه من السبخة يمثل عنصر إزعاج للطيور التي تأتي إليها خلال فصل الشتاء، والمهاجرة التي تمر عبرها في رحلتها إلى دول إفريقية أخرى”.
مهمة للتوازن البيئي
جمعة اعتبر أن أهم حل هو “التخلص من فضلات الهدم، إذ يجب على وزارة التجهيز تخصيص مصبات ورسكلة (فرز) تلك الفضلات، وعلى السلطات مراقبة محيط السبخة حتى لا يتم تلويثها”.
وزاد بأنه “على الوكالة الوطنية لحماية المحيط (حكومية) مراقبة المياه التي تصل البحيرة حتى لا تكون مشبعة بمواد كيمياوية تودي بحياة الكائنات الحية الموجودة بالسبخة”.
جمعة أوضح أن “دور المناطق الرطبة القريبة من المناطق العمرانية يتمثّل في كونها تغذي المائدة المائية، فهي تعتبر منطقة سيلان وأكثر نقطة انخفاض في محيطها”.
ويكمن دورها المهم أيضا في أنها تستقبل وتستوعب كميات أمطار لتحمي المناطق العمرانية من الفيضانات، كما أنها ملاذ للحيوانات البحرية والطيور وسلاحف المياه العذبة.
والاعتناء بجزء صغير من السبخة قد يجعل منها متنفسا ومتنزها تثقيفيا تعليميا لعديد العائلات والصغار، وحثهم على ضرورة المحافظة على المناطق الرّطبة وعلى النظام البيئي ككل، وفق جمعة.
محمية للطيور
أسماء زليمة، منسقة مشروع حملات النظافة في جمعية “تونس كلين أب” (خاصة)، قالت إن “سبخة السجومي بمثابة محمية طبيعية، سيما وأنها ملاذ الطيور المهاجرة في الفترة الشتوية، وعلى رأسها طائر النحام الوردي”.
وأضافت أسماء للأناضول أنها “تعد نقطة تجمع مياه الأمطار، وبالتالي فهي تحمي المنطقة ككل من الفيضانات”.
و”سبخة السجومي تنقسم إلى جزئين، جزء سليم وآخر متلوث بفعل بقايا الأشغال والفضلات المنزلية، وهو ما ساهم في انتشار عدة أمراض لسكان المنطقة”، كما تابعت.
وشددت على “ضرورة تكاتف الجهود بين كل الوزارات للمحافظة على هذه المحمية، التي تعد ثروة بيئية وتوفير مصب للنفايات بعيد عنها”.
تغيرات مناخية
و”هذه السبخة تأثرت بفعل التغيرات المناخية التي يشهدها العالم ككل، إذ تقلًّص عدد الطيور نظرا إلى أن المناخ المميز للبلاد أصبح جافا حتى في فصل الشتاء أين تحط هذه الطيور عادة”، بحسب الناشطة البيئية.
وشددت على ضرورة الاعتراف السبخة كمحمية، والتأكيد على قيمتها البيئية وأهميتها حتى تتم بعدها عمليات الإصلاح والتخلص من المباني العشوائية وتوفير سكن بعيد عن محيطها.
ومؤكدة أهمية سياسة الردع، قالت إنه من الضروري معاقبة مَن لا يمتثل للقانون ويحافظ على هذا النظام البيئي.
أسماء أعربت عن أملها في أن يتم إنجاز مشروع مهم في “سبخة السجومي”، بالشراكة مع مختلف مكونات المجتمع المدني لتعزيز والحفاظ على هذه الثورة البيئة.