احتفاء باليوم العالمي للتراث.. استعراض الاكتشافات في التراث الثقافي العُماني

مسقط – وجهات|
 شاركت سلطنة عمان دول العالم الاحتفال باليوم العالمي للتراث الذي يوافق 18 أبريل من كل عام، حيث تأتي هذه المشاركة إيماناً من السلطنة بأهمية حماية التراث الإنساني والتعريف به وبجهود الجهات والمنظمات كافة ذات العلاقة وذلك وسط اهتمام توليه وزارة التراث والسياحة للمواقع الاثرية.
واستعرضت وزارة التراث والسياحة أهم الاكتشافات والانجازات في مجال التراث الثقافي العماني التي اعلن عنها في الفترة الماضية.
المحاجر الصحية القديمة

 تعتبر المحاجر الصحية من ضمن التراث الاثري والمعماري المميز والذي يتواجد في عدد من محافظات السلطنة. حيث عرف العمانيين مبكراً أهمية العزل الصحي للمرضى المصابين بأمراض معدية حتى لا ينتشر بين السكان وقد تم تسجيل وتوثيق (81) محجراً حتى عام 2021م وذلك بالتعاون مع مكاتب سعادة الولاة والمشايخ وكبار السن. وتنوعت اشكال هذه المحاجر ما بين الكهوف والمباني المشيدة ومن ابرز المعالم التي تم توثيقها مبنى العزل في ولاية ابراء بمحافظة شمال الشرقية والذي هو عبارة عن مبنى مستطيل الشكل مقسم من الداخل الى ثلاث غرف مبني من الجص والحصى ويبلغ مساحته ( 100) متر مربع.

وسوف يساهم هذا العمل في اجراء المزيد من الدراسات والبحوث المستفيضة من قبل الباحثين والأكاديميين. موقع الطيخة الأثري
نفذت وزارة التراث والسياحة بالتعاون مع بعثة مشتركة من جامعة السلطان قابوس وجامعة بيزا عن مستوطنة كبيرة ومتطورة يعود عمرها لأكثر من أربعة آلاف سنة مضت وتضم عدداً كبيراً من المباني الضخمة والمدافن. وأظهرت نتائج التنقيب الأثري أن الموقع سكن لأول مرة في الألف الثالث قبل الميلاد خلال العصر البرونزي المبكر. ويمثل إحدى مستوطنات ثقافة ام النار التي شهدت ازدهارا كبيراً وواسعاً في سلطنة عمان.ويضم الموقع أبراج أثرية ضخمة ومستوطنة، إضافة إلى مدافن من الألف الثالث قبل الميلاد. وتبلغ مساحة الموقع أكثر من 6 هتكارات.
موقع العارض الأثري

يضم الموقع أبراج ومدافن أثرية تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، حيث تم التنقيب في برج يعود إلى الالف الثالث قبل الميلاد عثر فيه على كسر فخارية متنوعة. كذلك تم التنقيب في مدفن يعود إلى فترة حفيت وعثر بداخله على بعض الكسر الفخارية. إضافة إلى ذلك تم العثور على قناة مائية أثرية وتم اخذ بعض العينات ليتم دراستها وتأريخها بشكل أدق.
موقع بسيا وسلوت الأثري في بهلا
 يعد موقع بسيا وسلوت أحد أهم المواقع الأثرية في السلطنة والممتد تاريخه من العصر البرونزي إلى العصر الإسلامي وتكمن أهميته إلى وقوعه على طريق تجارة النحاس القديم الذي يرتبط بمواقع معاصره له في بات وقميرا والخشبة والميسر ورأس الحد وغيرها من المواقع. ومن أبرز معالم هذا الموقع حصن سلّوت بروعته الخالدة خلال العصر الحديدي ويرجح تاريخ بناءه إلى عام 1300 قبل الميلاد، ويتألف الجزء العلوي من الحصن من سلسلة من الغرف وبعض المباني المصنوعة من الطوب اللبن، كما تبرز في الموقع  معالم آخرى لا تقل أهمية عن الحصن منها أبراج الألف الثالث قبل الميلاد وهي أبراج قائمة على أساسات حجرية ضخمة وذات سمك يصل إلى أكثر من 3 أمتار – وقد انهارت الأجزاء العلوية منها لاحتمال بنائها بالطوب اللبن – وملحقا بها عدد من المباني المبنية على أساسات حجرية. وكشفت التنقيبات التي تقوم بها البعثة الفرنسية من جامعة السوربون في أحد هذه الأبراج عن وجود جدران طينية تُشكل عدة حُجرات صغيرة مملوءة بالكامل بالحجارة والطوب اللبن، لدعم جدران البرج، وتم العثور ايضا على عددٍ من المقتنيات منها فخار من العصر البرونزي المبكر، والعصر الحديدي، والعصر الإسلامي.

وتنتشر مدافن العصر البرونزي والحديدي في موقع بسيا وسلوت على نطاق واسع، ومن أهم المكتشفات الأثرية التي عُثر عليها في مدافن العصر الحديدي أواني من البرونز، أهمها الإناء ذو المصب على شكل الحصان، وإناء آخر على شكل حيوان هجين بوجه بشري، بالإضافة إلى الزمزميات وجرار التخزين، والأواني النحاسية، والأواني الزجاجية الرومانية، ومجموعة كبيرة من السيوف ورؤوس السهام والحراب الحديدية والبرونزية.

وتؤكد هذه المعثورات على الدور الهام الذي قام به الموقع في الشبكة التجارية الكبيرة التي شملت حضارات العالم القديم كبلاد فارس وبلاد الرافدين وآسيا الوسطى.

الجدير بالذكر أن موقع بسيا وسلوت الأثري تم إدراجه في القائمة التمهيدية للجنة التراث العالمي في العام 2014م. توثيق سفينة كيفا تذكر المذكرات والسجلات التاريخية التي دونها قبطان سفينة (كيفا) حادثة غرق السفينة في مياه ولاية مرباط بمحافظة ظفار والتي بدأت رحلتها من مدينة بومباي في الهند متجه إلى مقصدها مكة المكرمة في مهمة نقل 979 حاجاً (760 رجلاً و169 امرأة و22 من الأطفال).ومن المؤسف ان الرياح لم تجري كما رسم مسار مهمتها قبطان السفينة، حيث تعرضت السفينة لحريق في مخازنها السفلية ولم يهتدي طاقم السفينة الى المصدر المنبعث منه ذلك الحريق وقد بذل الطاقم اقصى جهوده للسيطرة عليه إلا انه ظل متنقلا بين جنبات السفينة، حينها اضطر القبطان وطاقمه الى الإبحار بطريقة سريعة للرسو في أقرب بقعة آمنه وكان المكان الأقرب لهم حينها للعبور إلى شاطئ الأمان سواحل ولاية مرباط والتي تبعد 140 ميلاً.  واثناء الاتجاه نحو سواحل مرباط كان الدخان يتصاعد بكميات كثيفة مع محاولات الطاقم المستميتة في السيطرة عليه، وحين اقتراب السفينة من اليابسة تم إنزال قوارب النجاة لنقل الركاب الى الشاطئ في حين استطاع القبطان ان يوجه مقدمة السفينة الى بقعة رملية على بعد ثلاثة أميال من الشرق من راس مرباط حيث جنحت السفينة.  وقد هب أهالي ولاية مرباط بأنزال قواربهم والتي كانت حينها ترسو على الشاطئ للمساعدة ومد يد العون للركاب ونقلهم للساحل ولقد ساهم أهالي الولاية وبشكل كبير في انقاذ ركاب السفينة حيث ان معظم الركاب هبطوا بأمان قبل ان تندلع النيران في معظم أجزاء السفينة والتي ظلت تحترق طوال تلك الليلة وقد غرقت على بعد 300 ياردة من الشاطئ. 

 التراث المغمور  

 ومن الجوانب الإنسانية والأخلاقية التي ذكرها قبطان السفينة في مذكراته عن موقف والي مرباط حيث قام بتوفير سفينة (بغلة) محلية ونقلت القبطان وبعضاً من رجاله الى مسقط وقام الأخير بالتواصل مع القنصل البريطاني هناك وبدوره تواصل القنصل مع السلطان فيصل بن تركي بن سعيد الذي قام بتوفير باخرة كانت قد وصلت الى ميناء مسقط وامر على وجه السرعة بابحارها إلى مرباط لنقل الركاب.

وفي إطار جهود وزارة التراث والسياحة المستمر في الحفاظ على التراث الثقافي المغمور بالمياه وتوثيقه، قامت الوزارة مٌمثلة في فريق الآثار المغمورة بالمياه بتنفيذ اعمال المسح والتنقيب في موقع السفينة الغارقة، حيث قام الفريق المذكور بالغوص وتصوير بقايا حٌطام السفينة ليتم اسقاط الموقع لاحقا في خارطة المواقع الاثرية للتراث الثقافي المغمور بالمياه في المياه المحلية والإقليمية حيث تسعى الوزارة جاهدة الى توثيق كل ما يتعلق بالتراث البحري على وجه العموم وبالأخص جميع ما يتعلق بمظاهر التراث الثقافي المغمور.

وتعتبر السلطنة أحد الدول الأطراف في اتفاقية اليونيسكو الخاصة بحماية التراث الثقافي المغمور بالمياه وهي اتفاقية 2001م والتي تٌعد الميثاق الدولي في حماية التراث حيث وكما هو معلوم تٌمكن هذه الاتفاقية الدول الأعضاء من حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه وحفظه بالطريقة الأمثل وتوفر له الحماية الشاملة وتعمل الوزارة وبلا كلل ومن خلال بنود هذه الاتفاقية واشتراطاتها وفق المعايير العلمية والتعليمات الأخلاقية التي اقرتها تلك الاتفاقية.
الفن الصخري في مسندم
 تتميز محافظة مسندم بمشهد طبيعي فريدٍ من نوعه إذ تتسم بطبيعتها الجبلية، وساحلها الصخري الذي يتكون من أخوارٍ ورؤوسٍ شديدة الانحدار؛ حيث استوطن السكان السواحل الرملية الصغيرة بينها، فيما استقر الجزء الآخر من سكانها على الهضاب المرتفعة والأودية الداخلية. وقد أفرزت هذه السياقات الطبيعية جملة من أساليب التكيف الثقافي. حيث أظهرت الدراسات الأثرية والأنثروبولجية على حد سواء- أن الفن الصخري يعد أحد وسائل التكيف وإدارة الموارد البيئية علاوة على ما تعكسه هذه الممارسة من أبعاد ثقافية مرتبطة بالجماعات القديمة التي استوطنت المحافظة، ووثقت تجاربها المادية والروحية على الأسطح الطبيعية في المشهد الطبيعي كالنتوءات الصخرية، والكهوف والملاجئ الصخرية إضافة إلى مختلف الشواهد الأثرية.
أسفرت الدراسة المنهجية للفن الصخري عن اكتشاف 18 موقعاً للفن الصخري، يحوي 236 لوحة صخرية على اختلاف النطاقات الجغرافية التي تقع فيها هذه المواقع. جدير بالذكر أن أكبر نسبة قد ظهرت في الهضاب المرتفعة، وقد يكون ذلك عائداً الى سببين، الأول هو كثافة استيطان السكان للهضاب كونها من الأراضي القليلة الخصبة في المحافظة، إضافة الى توفر الاسطح الصخرية المناسبة لتنفيذ الفن الصخري. أبرزت مواقع الفن الصخري بمحافظة مسندم اختلاف أنماط الاستيطان، وتأثير ذلك على محتوى اللوحات الصخرية فيها، إذ ارتبط الفن الصخري في نطاق جبال الحجر الغربي بمجموعة بشرية كبيرة، ومنظمة، ومستقرة عملت على توثيق جزء من حياتها الاقتصادية بتوظيف الفن الصخري لحفظ الملكيات، وإدارة شؤون المجموعة، فيما استخدم سكان رؤوس الجبال الذين يتبنون نمط حياة شبه متنقل الفن الصخري كأداة لتوجيه العابرين، وفرض نوع من الهيمنة على مسارات تنقلهم، ومواضع الرعي الخاصة بهم. كما اتسم الفن الصخري في المدافن بوحدة أسلوبية يمكن تمييزها، واستنتاج ارتباطها بثقافة تجمعها بعض المعتقدات المرتبطة بالموت.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*