داكار – العمانية|
تقع بلاد “باساري” في الجنوب الشرقي من السنغال، بمحاذاة الحدود مع مالي وغينيا، و تتكون تضاريسها من التلال شكلتها الهضاب الشمالية لجبل “فوتا دجالون”.
وقد طور سكان هذه المناطق ثقافات خاصة تعيش في تناغم تام مع محيطها الطبيعي، ويرجع تاريخها إلى القرنين الحادي عشر والتاسع عشر ميلادي.
وتتجلى خصوصية هذه الثقافات أكثر في الممارسات الرعوية والزراعية والاجتماعية والروحية والشعائرية التي تمثل استجابة أصيلة للإكراهات المفروضة من طرف المحيط والضغوط البشرية التي تكرههم على الاستخدام الكثيف لموارد المنطقة المحدودة، وهي خصوصيات سمحت للموقع بالالتحاق بالتراث العالمي لليونسكو في عام 2012م.
وتتضمن بلاد “باساري” مجموعتين جغرافيتين منفصلتين هما سهل الرواسب والسهل المتجانس في الشمال والجبال في الجنوب، حيث تغطي المجموعة الأولى فسيفساء من القطع الأرضية المزروعة والمروج والسافانا المشجرة في حين تتخلل المجموعة الثانية التي تمتاز بالعلو والحدة نسبيًا كهوف طبيعية تجعلها ملائمة لاستقرار مختلف الثقافات والتحصن في وجه المعتدين.
وتشير الأطلال الأثرية الباقية في المكان إلى وجود بشري قديم في المنطقة ظل اقتصاده معتمدا على زراعة الكفاف (الاكتفاء الذاتي من الزراعة ) وتنمية المواشي.
ولغاية القرن الماضي، ظلت القرى متجمعة على مرتفعات جبلية من أجل التحكم في السهول من داخل أكواخ القش الدائرية حول فضاء مركزين، أما اليوم فقد هجر معظم سكان تلك المناطق مساكنهم واختاروا العيش قرب الحقول ولم يعودوا يرجعون إلى قراهم إلا بشكل دوري لإقامة حفلات من الطقوس أو تنظيم مهرجانات.
وبحسب اليونسكو، فإن المشهد الثقافي ل “باساري” يمثل شهادة استثنائية على التفاعلات المعقدة بين العوامل البيئية وممارسات استخدام الأراضي والقواعد الاجتماعية والمعتقدات التي شكلت معا عقلية القدرة على استغلال موارد المنطقة بشكل مستدام.
ومن أبرز هذه الممارسات تناوب الأراضي المزروعة والتسميد وهي لا تزال مستخدمة حتى اليوم والبذر وإزالة الأعشاب الضارة والحصاد الجماعي.
وتؤكد الدراسات التي قام بها العلماء أن سكان بلاد “باساري” تربطهم أواصر قربى مع شعب “بانتو” في إفريقيا الوسطى والجنوبية، وقد استند هؤلاء العلماء لإثبات أطروحاتهم على الشبه الخلقي والثقافي والسلوكي، خاصة في مجال وسائل الزينة وتسريحات الشعر.
ووضح “اندوي عبدولاي” أستاذ التاريخ في “جامعة الشيخ آنتا جوب” في داكار أن معظم المؤرخين المهتمين بتلك المنطقة يعتقدون على نطاق واسع أن فترة مملكة غانا ثم مملكة مالي شهدتا هجرة أجداد سكان بلاد “باساري” من خليج غينيا وإفريقيا الوسطى اللذين يمثلان نقطتي انطلاق توسع مملكة “بانتو”. وأضاف في حديث مع وكالة الأنباء العمانية أن المهاجرين انتشروا في ختام نزوحهم في المرتفعات العالية لجنوب غرب السنغال و”فوتا دجالون” حيث يعيشون في قمم الجبال.
ومن أبرز طقوس سكان بلاد “باساري” تلك التي يتنكرون فيها على شكل المخلوق “لوكوتا” الذي يلف رأسه في قرص مغطى بالطين الأحمر في تجسيد مرئي لعباقرة يسكنون في الكهوف.