جمال الموسوي أمين عام المتحف الوطني: إنشاء ركن السلطان قابوس لتخليد شخصية تاريخية

أوامر من جلالة السلطان هيثم لعرض عدد من المقتنيات السلطانية في المتحف لعموم الزوار

استحداث ركن للغات واللهجات في عُمان لتوثيق البعد المعنوي

مسقط – العمانية|

يعمل المتحف الوطني حاليا على إنشاء ركن باسم المغفور له بإذن الله تعالى، السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور، طيب الله ثراه، في إطار جهوده لتطوير قصة السرد المتحفي الذي يعد إحدى ركائز العمل المتحفي المعاصر والسعي إلى التجديد والتحديث فيما يتعلق بتجربة الزائر لهذا الصرح الثقافي الرائد.  وقال جمال بن حسن الموسوي أمين عام المتحف الوطني ان، هذا الركن سيخلد هذه الشخصية التاريخية لتبقى حية في وجدان العمانيين والمقيمين، ولننقل بصورة فيها شيء من الشمولية الأبعاد المختلفة للسلطان الراحل الشخصية، والأبعاد المرتبطة به كسلطانٍ لعُمان، والسعي إلى أن يتم تدشين هذا الركن بإذن الله تعالي بنهاية هذا العام ما لم يطرأ أي طارئ نتيجة الظروف والأوضاع الاستثنائية التي نمر بها نتيجة استمرار جائحة فيروس كوفيد 19″، مشيرا إلى أن المتحف الوطني حظي بشرف الأوامر السامية من لدن جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه، بأيلولة عدد من المقتنيات السلطانية التي لم تعرض على الملأ من قبل، لتكون متاحة لعموم الزوار. 

وأوضح في حديث لوكالة الأنباء العمانية أن، العمل يجري على قدم وساق لإنشاء هذا الركن، ومن أولى القطع التي حظي بها المتحف الوطني في هذا السياق والتي شاهدها الكثيرون، أصل الرسالة رقم واحد الموجهة من جلالته، طيب الله ثراه، أو ما يوصف بالوصية إلى مجلس العائلة المالكة وهي أول قطعة حظي بها المتحف الوطني ويتم عرضها في قسم رموز الدولة”، مؤكدا سعادته أن “العمل في هذا الركن في مرحلة التجهيزات الداخلية حيث يجري العمل على تصنيع صناديق العرض ومن ثم بدء المرحلة التالية من خلال العمل على  تصميم وتصنيع مثبتات القطع السلطانية. 
قاعات التراث وأضاف الموسوي، أنه “يجري العمل الآن كذلك على تحديث قاعات التراث غير المادي والأرض والإنسان والعملات، حيث حظي المتحف الوطني بعملات متميزة بعضها من المقتنيات السلطانية وبعضها من المواطنين الذين سعوا مشكورين لاقتناء هذه النقود والعملات من خارج السلطنة، لتكون متاحة لعموم الزوار هنا في المتحف الوطني. مبينا انه بالنسبة لقاعة العملات فقد حظي المتحف الوطني بمجموعة استثنائية فريدة من الدراهم الإسلامية الذهبية التي صُكّت في عُمان إضافة الى العملات التي صُكّت في زنجبار، وكذلك ما يتصل بالعملات التذكارية إبان عصر النهضة المباركة ولم تعرض من قبل، وستتاح لأول مرة ونحن نتحدث عن إعادة تأهيل القاعة بالكامل وتجديدها وتحديثها من خلال إضافة المئات من القطع الجديدة التي لم تر من قبل في عُمان.  
 ركن اللغات واللهجات وفيما يتعلق بقاعة التراث غير المادي قال جمال الموسوي: نحن نعمل الآن على استحداث ركن للغات واللهجات في عُمان لتوثيق هذا الجانب المهم من البعد المعنوي لعُمان، وسنتحدث فيه عن تطوّر اللغة العربية وجذورها وعن أقدم أبجدية اكتشفت في شبه الجزيرة العربية، اكتشفت هنا في عُمان، كما سنتحدث عن اللغات واللهجات الأخرى، التي إما تم تداولها في السابق أو التي مازالت متداولة إلى يومنا الحالي من مسندم شمالا إلى ظفار جنوبا، ويعد هذا العمل إضافة نوعية في جهود المتحف لتطوير قصة السرد المتحفي. وتحدث أمين عام المتحف الوطني حول برنامج التعاون مع المتحف الوطني السوري، موضحا ان، المتحف يقود مبادرة فريدة من نوعها على المستوى الإقليمي والدولي كوننا أول مؤسسة في الوطن العربي تقوم بحفظ وصون مجموعة منتقاة من الآثار السورية التي تضررت خلال سنوات الأزمة، وذلك في سياق مذكرة تفاهم أبرمت في مسقط في عام 2019  خلال زيارة وزير الثقافة السوري إلى السلطنة، وتبعتها زيارة رسمية لوفد من المتحف الوطني إلى دمشق هي الأولى لوفد عربي على المستوى الثقافي في آخر عشر سنوات، نتج عنها إبرام عدد من الاتفاقيات، أبرزها اتفاقية استعارة أصل مخطوط أحمد بن ماجد السعدي وكذلك اتفاقية لحفظ وصون الآثار السورية، حيث تلقينا كدفعة أولى حوالي 175 قطعة من دمشق تم حتى الآن تأهيل حوالي 163 قطعة منها، و جار حاليا ترميم القطع المتبقية. ومن القطع المستلمة مجموعة من الآثار التدمرية لموقع للتراث الإنساني العالمي المقيد في منظمة اليونسكو والذي تعرض لأعمال التخريب المتعمد المعروفة”. 
إرث للإنسانية

وأكد أن، هذا العمل يأتي إيمانا منا بأن هذا الإرث لا يرتبط ببلد ما حصرا، وانما هذا إرث جامع للإنسانية يختزل مختلف الحقب من عصر ما قبل التاريخ إلى العصر البرونزي والعصر الحديدي والحضارة البيزنطية والحضارة الإسلامية وغيرها من الحضارات التي مرت على سوريا الشقيقة، وإيمانا بهذا الدور الإنساني والعلمي البحت نقوم بهذا الجهد في مسقط. 

وأعرب أمين عام المتحف الوطني عن أمله في أن يتم تدشين معرض بعنوان “سوريا مهد الحضارات” يختزل تجربة المتحف الوطني في حفظ وصون هذه الآثار التي لا تقدر بثمن قبل أن تعود إلى دمشق لتعرض بشكل دائم وثابت في سوريا ومن ثم سيتم العمل على الدفعة الثانية من المقتنيات”، مشيرا إلى أن المعرض كان من المخطط إقامته خلال العام الحالي 2021، ولكن نحن ننتظر المؤشرات المرتبطة بجائحة “كوفيد 19” حتى يصبح هناك شيء من الوضوح في الأمر، هل أن موضوع إقامة المعرض سيتاح بنهاية هذا العام أم أنه سيؤجل إلى مطلع العام 2022 كحد أقصى. 
تعاون مع الأرميتاج وفي جانب آخر أشار الموسوي الى أن العمل جار لاستضافة معرض “تجليات الحضارة الإسلامية في روسيا” بالتعاون مع متحف الارميتاج العريق والذي يمثله في مجلس أمناء المتحف الوطني المدير العام البروفيسور الدكتور ميخائيل بتروفيسكي أحد أعمدة الاستشراق العالميين في الزمن المعاصر، ومن العلماء الذين كرسوا حياتهم لدراسة الحضارات العربية في جنوب شبه الجزيرة العربية، وتحديدا في اليمن وظفار.
وأوضح أن، هذا المعرض تأجل تنفيذه من العام 2020  إلى العام 2021، وتاريخ اقامته يعتمد كذلك على القرارات التي ستصدرها اللجنة العليا المكلفة بمكافحة جائحة كورونا، وهو ما سيتيح للزائر العماني والمقيم في السلطنة الوقوف على الحضارات الإسلامية في الأراضي الروسية المعاصرة، الأمر الذي قد نعرف عنه الشيء القليل، فهناك قطع من جمهورية تتارستان الروسية تتحدث عن حضارة المسلمين البولغار في وسط سيبيريا في أقصى شمال روسيا، وهناك قطع من العهود الإسلامية المبكرة من منطقة القوقاز وتحديدا جمهورية داغستان وبعض مناطق شمال القوقاز وقطع من العاصمة القيصرية سان بطرسبورج التي توثق اهتمام القياصرة  بالفنون الإسلامية، وكيف أن هذه الرؤية والتجربة البصرية أثرت في الفنون التقليدية في روسيا آنذاك، وهذه القطع ستتاح لأول مرة في الشرق بهذا النطاق وهذا الحجم”. 
وأضاف الموسوي، انه سيتم كذلك تدشين ركن مصغر يحمل اسم الارميتاج لأول مرة في الشرق الأوسط وهو عبارة عن معرض مصغر في سياق القطع المرتبطة بالحضارة الإسلامية في روسيا، وسيستمر عامًا كاملًا قابل للتجديد ، كما  أنه جارٍ التنسيق الحثيث مع متحف اللوفر في أبوظبي لتخصيص ركن مصغر في المتحف الوطني نعرض من خلاله مجموعة من المقتنيات التي تعود للحضارة العثمانية وستعرض لأول مرة في مسقط في سياق التعاون مع متحف اللوفر أبوظبي الذي بدأ منذ أربعة أعوام”. 
وقال: بالنسبة لموسم 2022/2023  يجري التنسيق في إطار مذكرات التعاون مع متحف التاريخ الوطني في أوزبكستان، لأننا متشوقون لاستعراض ابعاد الحضارة التيمورية العريقة هنا في مسقط، فهناك في السلطنة صروح معمارية يشاد بها استوحت من الفن التيموري مثل جامع السلطان قابوس في صحار، ولكن نتطلع لأن تكون هناك قطع متحفية تعرض في مسقط تعار من أوزبكستان مهد هذه الحضارة فجارٍ التنسيق معها، وهناك تنسيق جارٍ مع اشقائنا في المملكة المغربية حول إبراز أبعاد من الحضارة المغربية في السلطنة، وجارٍ التنسيق أيضا مع المتحف الوطني في الاستانة بجمهورية كازاخستان، حيث وقعنا مذكرة تفاهم معهم العام الماضي. وهناك اتفاقية قائمة مع متحف ليون للفنون الجميلة الذي يعد ثاني أبرز  متحف في الجمهورية الفرنسية بعد اللوفر ونتطلع لاستضافتهم في مسقط في معرض يتناول ثقافة الطيب، وكيف ان حضارة أرض اللبان ربطت عُمان  بحضارات العالم القديم، وستكون هناك قطع بيزنطية وقطع رومانية وأخرى من مصر الفرعونية تعرض في عُمان لتبرز البعد الحضاري لعُمان وكيف أثرت حضارة ارض اللبان في تلك الحضارات هذا العمل جار مع متحف ليون، كما يتطلع متحف ليون لاستضافتنا في معرض يحتفي بحضارة ارض اللبان من المنظور العماني وما يتصل بذلك من مواقع ارض  اللبان المدرجة في قائمة التراث العالمي ما يتصل بالصناعات الحرفية والطقوس والشعائر والممارسات ذات الصلة وهذا الذي نعمل عليه في إطار موسم 2022/2023 . 
ترميم المقتنيات
وتطرق جمال بن حسن الموسوي الى جهود الترميم لتطوير وتعزيز المقتنيات المتحفية، مشيرا الى ان المتحف ركز جهوده على تنفيذ برنامج الحفظ والصون لتأهيل ما في عهدته من مقتنيات بما في ذلك المقتنيات السلطانية للسلطان قابوس بن سعيد بن تيمور طيب الله ثراه، وقال انه تم ترميم 706 قطع خلال عام 2019 و 1578 قطعة خلال العام 2020 والاستمرار في تأهيل مجموعة منتقاة من مقتنيات وزارة التراث والسياحة إضافة الى  تقديم خدمات الحفظ والصون مقابل اجر مادي للافراد والمؤسسات في سياق ما يصطلح عليه بخدمات القيمة المضافة والذي بوشر العمل به في العام 2018. 

واضاف، ان من أبرز ما تم تأهيله في الفترة الماضية “كنز سناو” الذي يضم قرابة 1000 قطة نقود منفردة من الفترة الحكم الاموي مرورا بالعباسي الى حقب اخرى، وهو من اكبر الكنوز المكتشفة في عمان، ولأول مرة منذ اكتشافه تم حفظه وصونه بالكامل وهو معروض الان في قاعة عظمة الاسلام.
وحول جهود التمكين المهني للكوادر العمانية الشابة واستمرارية التدريب والتأهيل المهني التخصصي، اوضح الموسوي، ان المتحف يسعى لتشجيع تلك الكوادر للالتحاق بالعمل في القطاع المتحفي بالسلطنة وتوفير فرص التدريب والتأهيل المهني لطلبة الكليات والجامعات في المتحف وتبادل الخبرات المهنية والمعرفية بين الجانبين في المجالات ذات العلاقة ورفع كفاءة الموظفين ومنتسبي المتحف من خلال الورش التدريبية والتبادل المهني الخارجي والداخلي وتطوير الآليات التي من شأنها تعزيز بيئة العمل المتحفية. 
 وأضاف انه في هذا الإطار لدينا اتفاقية مع متحف اللوفر أبوظبي في سياق برامج الانتشار والتعليم المتحفي، وهناك تعاون قائم مع متحف الارميتاج الروسي فيما يتعلق بالحفظ والصون ونقل المعرفة الفنية العلمية التخصصية وغرسها في الكوادر الواعدة في المتحف الوطني التي تعنى بالحفظ والصون، وهناك أيضا التنسيق الحثيث مع معهد الإدارة العامة في السلطنة في عدد من الدورات والبرامج التخصصية التي يتم تنفيذها على مستوى الوحدات الحكومية”. 
 بوابة عُمان 

وفيما يتعلق بالاتفاقية التي وقعها المتحف الوطني أخيرا مع مطارات عُمان لإعارة مقتنيات متحفية وإنشاء ركن للمتحف في مطار مسقط الدولي، أوضح أن الهدف الأسمى من هذه الاتفاقية إبراز الأبعاد الحضارية والتاريخية والثقافية لعُمان عبر مختلف العصور من خلال ما يصطلح عليه بتجربة القيمة المضافة، حيث يعد مطار مسقط الدولي أبرز بوابة لدخول الزوار السياح الى عُمان، وكذلك هو نقطة محورية لربط الشرق بالغرب عبر الترانزيت، فنحن نسعى لكسب المسافرين عبر الترانزيت بأن هناك فعلا في عُمان من المقومات التاريخية والثقافية والسياحية التي نشجعكم على الوقوف عليها وتجربتها. وأضاف، ان الاتفاقية تأتي أيضا في سياق الترويج والتسويق لعُمان كوجهة للسياحة الثقافية بما يحقق عائدا ليس للمتحف الوطني وإنما للسياحة في السلطنة عُموما، وهي تشكل خطوة أولى وسيتبعها لاحقا عمل مماثل في مطار صلالة الدولي كخطوة ثانية، ويشمل العمل في مطار مسقط إنشاء ركن مصغر في قاعة المغادرين بالقرب من السوق الحرّة للمعارض المؤقتة التي ستكون من تنظيم المتحف الوطني، وتهدف هذه التجربة الى اشعار الزائر او المسافر عبر الترانزيت، حيث سيتم عرض  تجليات من المقتنيات والمكتشفات الأثرية والفنون العمانية الحديثة والمعاصرة لأعمال الفنانين العمانيين الرواد، والصناعات الحرفية العمانية، وما يتصل بالتاريخ البحري والعمارة التقليدية ومنظومة الأفلاج العمانية، وإضافة إلى القطع الأثرية ستكون هناك تجارب رقمية أو بصرية تكمل عرض الأصول من هذه القطع، إضافة إلى معارض مؤقتة، وستتوزع تجربة الزائر في مناطق المغادرون والوصول واستلام الحقائب وغيرها من النقاط التي تم تحديدها بالتعاون مع إدارة مطارات عُمان، وهذه الخطوة الأولى التي سيستغرق تنفيذها ما بين عام إلى عام ونصف من العمل.   

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*