مسقط – العمانية |
تفضل حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه، فألقى خطابًا ساميًا بمناسبة العيد الوطني الخمسين المجيد وفيما يلي نص الخطاب :
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم
الحمدُ للهِ ربِ العالمين، حمداً يُوافي نِعَمَه ويُكَافئُ مَزيدَه، لهُ الحمدُ ولهُ الشكرُ، كما ينبغي لجلالِ وجهِهِ وعظيمِ سُلطانهِ، والصلاةُ والسلامُ على خيرِ خلقِه، محمدٍ النبي ِّ الصادقِ الوعدِ الأمين، وعلى آلهِ وصحبهِ الطاهرين، وعلى من تبعهم بإحسان ٍإلى يومِ الدين.
أيها المواطنون الأعزاء ،،
نتوجّهُ إليكمْ جميعاً بحديثِنا في هذا اليومِ المجيد، من أيامِ عُمانَ الخالدة ، الذي تَحُلُّ فيه الذكرى الخمسون لنهضةِ عُمانَ الحديثة والذي كان من المقررِ أن تَعُمَّ فيه الاحِتفالاتُ جميعَ ربوع ِالوطن ، وبما يليقُ بهذهِ المناسبةِ المجيدة ، إلا أن الأوضاعَ الاستثنائيةَ الراهنةَ التي تمرُ بها السلطنةُ والعالمُ أجمع حالت دون ذلك فقررنا أنْ تكونَ الاحتفالاتُ لهذا العامِ في نطاقٍ محدودٍ وبما يتناسبُ مع الاحترازاتِ الصحيةِ الواجبِ اتباعُها حفاظاً على صحةِ وسلامةِ الجميع.
لقد تمكنتْ عُمانُ بفضلٍ من اللهِ وتوفيقِه من تجاوزِ التحدياتِ التي مرتْ بها خلالَ العقودِ الماضيةِ بحكمةِ وقيادةِ سلطانِها الراحلِ، جلالةِ السلطان ِقابوسَ بنِ سعيدٍ، طيب الله ثراه، وتضحياتِ أبنائِها، التي ستظلُ مصدرَ قوةٍ وفخرٍ واعتزازٍ لنا جميعًا وللأجيالِ القادمة ، كما تمكنت من بناءِ نهضةٍ عصريةٍ جعلت الإنسانَ محورَ اهتمامِها، وقد شَكّلَ إرثُنَا التاريخيُّ العريقُ، ودورُنَا الحضاريُّ والإنسانيُّ الأساسَ المتينَ لإرساءِ عملية التنميةِ التي شملتْ كافةَ ربوعِ السلطنةِ على اتساعِ رُقعَتِها الجغرافيةِ لتصلَ منجزاتُها لكلِّ أسرةٍ ولكلِّ مواطنٍ حيثُما كانَ على هذه الأرضِ الطيبة ورسّخَتْ قواعدَ دولةِ المؤسساتِ والقانون، التي سيكونُ
العملُ على استكمالِها وتمكينِها، من ملامح ِالمرحلةِ القادمةِ بإذن ِالله.
وسنواصلُ استلهامَ جوهرِ المبادئِ والقيمِ ذاتـِها، في إرساءِ مرحلةٍ جديدةٍ، تسيرُ فيها بلادُنا العزيزةُ، بعون ِالله، بخطىً واثقةٍ نحوَ المكانةِ المرموقةِ ، التي نصبو إليها جميعاً مكرّسينَ كافةَ مواردِنا، وإمكانياتِنا؛ للوصولِ إليها، وسنحافظُ على مصالحِنا الوطنيةِ باعتبارِها أهمَّ ثوابتِ المرحلةِ القادمةِ التي حددتْ مساراتِها وأهدافـَها “رؤيةُ عُمان 2040” سعياً إلى إحداثِ تحولاتٍ نوعيةٍ في كافة مجالاتِ الحياةِ ، مجسدةً
الإرادةَ الوطنيةَ الجامعة.
إنَّ إنجاحَ هذهِ الرؤيةِ مسؤوليتُنا جميعاً – أبناءَ هذا الوطنِ العزيزِ- دونَ استثناء ، كلٌ في موقعِه، وفي حدودِ إمكاناتِه ومسؤولياتِه.
وفي إطارِ دعمِ قدرِة الحكومةِ ، على القيامِ بمتطلباتِ تحقيقِ الرؤيةِ، فقد عمِلْنا على تطويرِ الجهازِ الإداريِّ للدولة، وإعادةِ تشكيلِ مجلسِ الوزراءِ، وأوكلْنَا إليهِ مسؤوليةَ تنفيذِ الخططِ التنمويةِ ومُمَكِّنَاتِها ، بحسبِ الاختصاصاتِ المنوطةِ بكلِّ جهة ، وبما يعززُ الأداءَ الحكومي، ويرفعُ كفاءَتـَه ، كما أنَّ العملَ مستمرٌّ في مراجعةِ الجوانبِ التشريعيةِ والرقابيةِ وتطويرِ أدواتِ المساءلةِ والمحاسبة ، لتكون ركيزةً أساسيةً من ركائزِ عُمانَ المستقبلِ، مؤكدينَ على أهميتِها الحاسمةِ في صون ِحقوقِ الوطنِ
والمواطنين ودورِها في ترسيخ ِالعدالةِ والنـزاهةِ وستحْظى هذه المنظومةُ برعايتِنا الخاصة بإذن ِاللهِ تعالى.
كما وضعْنا الأساسَ التنظيميَّ للإدارةِ المحليةِ، وذلك بإرساءِ بـنـيـةٍ إداريةٍ لامركزيةٍ للأداءِ الخدميّ والتنمويِّ في المحافظات، وسنتابعُ بصفةٍ مستمرةٍ ، مستوى التقدمِ في هذا النظامِ الإداريِّ ، بهدفِ دعمِهِ وتطويرِه لتمكينِ المجتمع ِمن القيامِ بدورِهِ المأمولِ في البناءِ والتنمية.
أيها المواطنون الكرام.. يَمُرُّ العالمُ في هذه الفترةِ، بأوضاع ٍغيرِ مسبوقةٍ ، تزامنتْ فيها الأزمةُ الماليةُ العالميةُ والانخفاضُ الكبيرُ في أسعارِ النفط ، الذي وصلَ لمستوياتٍ قياسيةٍ ، وانتشارُ جائحةِ كورونا.
ولأننا جُزءٌ حيويٌ من هذا العالمِ المُترابِطِ نتشاركُ معهُ المصالحَ والمصير، نُسَرُّ لما يَسُرُّه ونَأْسَى لما يَضُرُّه ؛ فقد أَوْلَيْنا الأمرَ اهتماماً خاصاً ، مُتابِعينَ تَطَوُّراتِهِ، على المستوى الوطنيِّ وعلى المستوياتِ الإقليميةِ والدوليةِ، مسخرينَ كافةَ الأسبابِ ، التي تُسهلُ استيعابَ تأثيراتِ هذه الأوضاعِ، وتخفيفِ حدةِ آثارِها، على كافةِ قطاعاتِ الدولةِ ، وتأتي القطاعاتُ الصحيةُ والاجتماعيةُ ، والاقتصاديـةُ على رأسِ أولوياتِنا
واهتماماتِنا، مؤكدينَ على استمرارِ دعمِنا لهذهِ القطاعاتِ لتقديمِ الخدماتِ الصحيةِ والتعليمِ بشتى أنواعه ، بأفضلِ كفاءةٍ مُمْكنةٍ، لكافةِ أبناءِ الوطنِ العزيز.
وفي هذا الإطارِ فإنَّ ما قُمتمْ بِهِ، أفراداً ومؤسساتٍ ، من مبادراتٍ وأعمالٍ؛ لدَعمِ ومساندةِ جهودِ الحكومةِ ؛ للحفاظِ على صحةِ وسلامةِ الجميع لهو محلُّ تقديرٍ، واعتزازٍ مِنّا مُثمّنينَ كلَّ ما بذلتموه، من مساع ٍنبيلةٍ وجهودٍ جليلةٍ ، فقد أكدُتمْ -أبناءَ عُمانَ المخـلِصين- ما أثْبَتهُ التاريخُ ، وَرسّختم ما أباَنـتْـهُ التجاربُ ، عن هذا الوطنِ العظيمِ وأبناِئهِ الكرام.
أبناءَ عُمانَ الأوفياء..
تُمثّلُ الأزماتُ ، والتحدياتُ، والصعوباتُ سانحةً لأنْ تختبرَ الأممُ جاهزِيتَها ، وُتعَزِّزَ قُدراتِها، وقد فتحت الأزمةُ الراهنةُ المجالَ للطاقاتِ الوطنيةِ ؛ لتُسهِمَ بدورِها، في تقديمِ الحلولِ القائمةِ، على الإبداع ِوالابتكارِ وسَرَّعَت من وتيرةِ التحولِ إلى العملِ الرقميِّ وتوظيفِ التقنيةِ ، في مجالاتِ العملِ الحكوميِّ والخاص، على نحوٍ لم يكنْ ليَجِدَ الاستعدادَ اللازمَ ، والاستجابةَ المناسبةَ ، التي وجَدَهَا في هذهِ الظروف.
إنَّ التجاوبَ الذي أَبدَيتُموهُ ، مَعَ ما تمَّ اتخاذُهُ من إجراءاتٍ حُكوميةٍ في ظلِّ الظروفِ الماليةِ والاقتصاديةِ التي تمرُّ بها السلطنةُ لترشيدِ الإنفاقِ وتقليلِ العجزِ المالي والمديونيةِ العامةِ للدولة ، كانَ وما زالَ مـَحَلَّ تقديرٍ منا، مؤكدينَ على أنَّ الغايةَ من هذهِ الإجراءاتِ وما ترتبطُ بهِ من خُططٍ وطنيةٍ إنما هي لتحقيقِ الاستدامةِ الماليةِ للدولةِ والتهيئةِ لتنفيذِ العديدِ من الخططِ التنمويةِ المشاريع ِالاستراتيجيةِ في كافةِ ربوعِ السلطنة .
وبالرغمِ مِنَ التحدياتِ التي تواجهُ اقتصادَنا إلا أننا على يقينٍ بأنَّ خطةَ التوازن ِالماليِّ والإجراءاتِ المرتبطةِ بها، والتي تمَّ اعتمادُها مِنْ قِبَلِ الحكومةِ مؤخراً ستكونُ بلا شكٍّ كافيةً للوصولِ باقتصادِنا الوطنيِّ إلى برِّ الأمان ِوسوفَ يَشهدُ الاقتصادُ خلالَ الأعوامِ الخمسةِ القادمةِ معدلاتِ نموٍّ تلبي تطلعاتِكم جميعا أبناءَ الوطنِ العزيز .
وتأكيداً على اهتمامِنا بتوفيرِ الحمايةِ والرعايةِ ، اللازمةِ لأبنائِنا المواطنين ؛ فقد وجّهْنَا بالإسراع ِفي إرساءِ نظامِ الحمايةِ الاجتماعيةِ ؛ لضمان ِ قيامِ الدولةِ بواجباتِها الأساسيةِ ، وتوفيرِ الحياةِ الكريمةِ لهم وتجنيبِهم التأثيراتِ التي قد تنجمُ عن بعضِ التدابيرِ، والسياساتِ المـالية ، كما سنحرصُ على توجيهِ جزءٍ من عوائدِ هذه السياساتِ الماليةِ إلى نظامِ الحمايةِ الاجتماعيةِ ؛ ليصبحَ بإذن ِاللهِ تعالى مِظلةً وطنيةً شاملةً لمختلفِ جهودِ وأعمالِ الحمايةِ والرعايةِ الاجتماعية.
أبناءَ عُمان الأوفياء..
نتوجهُ إليكم جميعاً، في الذكرى الخمسينَ لنهضةِ عُمانَ الحديثة، وأنتمْ في ميادينِ العملِ والبناء، بالشكرِ والثناءِ ، على ما تقومونَ بهِ من أجلِ صوْن ِالمكتسباتِ، التي تحققتْ في بلدِنَا العزيزِ ، على مدارِ الخمسينَ عاماً المـاضية.
ونوجه شكرَنَا وتقديرَنا لجميع منتسبي قواتِنَا المسلحةِ الباسلةِ، والأجهزةِ الأمنيةِ بفروعِها وتشكيلاتِها المختلفةِ ، مقدرينَ جهودَكم في الحفاظِ على سيادةِ الوطنِ وسلامةِ أراضيه والذودِ عن ترابِهِ الطاهِرِ ، في كلِّ شبرٍ منه ، مؤكدينَ على رعايتِنَا، ودعـمِـنَــا لـكـم على الــــدوام.
وإننا لَنسألُ اللهَ العليَّ القديرَ ، أنْ يتغمدَ السلطانَ الراحلَ، قابوسَ بنَ سعيدٍ، طيب اللهُ ثَراه- بواسع ِ رحمتِهِ ، وأنْ يـَجزيَهُ عنا خيرَ الجزاءِ ، وأنْ يُقدّرَنَا على ارتسامِ خُطاه، في التأسيسِ لمرحلـةٍ أخرى، من نَهْضَةِ عُمانَ المتجددة، تتواكبُ مع متطلباتِ المرحلةِ القادمةِ ، بما يلبي طموحَ وتطلعاتِ أبناءِ الوطنِ نَستَلْهِمُ فيها أفضلَ وأعظمَ ما نعتزُّ بـهِ من أصالةِ وعراقةِ ماضيها التليدِ وتاريخِها الحافلِ المَجيدِ ، لمستقبلٍ أكثرَ إشراقاً وازدهاراً بإذن الله.
وفَّقَنَا اللهُ جميعاً لِحَمْلِ الأمانةِ ، وأداءِ واجباتِها تجاهَ عُمانَ الغاليةِ ، وأبنائِها الأوفياءِ المخلصين.
والسلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.