القدس – العمانية|
تشكل قلعة “القدس” الأثرية اليوم نقطة التقاء بين القدس القديمة داخل الأسوار والقدس الحديثة التي امتدت خارج الاسوار، فعلى واحد من التلال الأربعة المقامة عليها مدينة القدس وفي الجهة الغربية للبلدة القديمة بنى الرومانيون في فترة حكمهم للمنطقة قلعة “القدس” الواقعة داخل باب الخليل إحدى بوابات مدينة القدس لتقوية التحصينات في تلك الجهة كونها أضعف جهة تحصينًا بالمدينة لأنها مكشوفة وغير محاطة بالجبال.
ولما تعاقبت الحقب الزمنية العديدة على المدينة وقلعتها كان كل عصر يترك آثاره المعمارية في القلعة، ويعود أول تاريخ للبناء في تلك المنطقة الى القرن الثاني قبل الميلاد امتدادًا الى العهد العثماني الإسلامي، ولكن الثابت ان القلعة استخدمت على مر العصور مقرًا لقيادة الجيوش وأحيانًا استخدمت سجنًا، ويعود آخر شكل للبناء الموجود حاليًا بالقلعة الى العصر المملوكي حيث بناه الناصر محمد بن قلوون وأعاد العثمانيون ترميمه خلال فترة حكمهم للمدينة.
ويقول الباحث في شؤون عمارة القدس الدكتور جمال عمرو لوكالة الانباء العمانية: اعتاد أهالي القدس ومن سكن القدس عبر الأزمنة على ان من يحكم القدس يسكن هذه القلعة لأنها مرتفعة ومكان يكشف المدينة بالكامل داخلها وخارجها، وللقلعة مكانة كبيرة للمقدسيين، فالغرباء عن المدينة عبر التاريخ إذا أرادوا إخضاع المدينة اول ما يفكرون به هو وضع ايديهم على قلعة “القدس” كونها رمزًا للصمود والثبات للمقدسيين، حيث انه إذا سقطت القلعة سقطت المدينة بأسرها”.
ومن أبرز المعالم الموجودة بالقلعة المسجد “المملوكي” الذي بناه بن قلاوون عام 1310م في الزاوية القبلية الغربية للقلعة، ويتكون من قاعة كبيرة للصلاة مسقوفة، ومحراب مزين بزخارف إسلامية، وهو عبارة عن تقويس حجري متوج بعقد مرتكز على عمودين حجريين يقفان على جانب المحراب، وارضية المسجد عبارة عن بلاط حديث، وللمسجد مئذنة بديعة المنظر بناها العثمانيون عام 1532م لما جددوا بناء القلعة ورمموها، وقد اعيد تجديد بناء المئذنة في عهد السلطان محمد الرابع أيضا.
وتتكون المئذنة من ثلاثة طوابق أولها عبارة عن قاعدة المئذنة وهي مربعة الشكل أما الطابق الثاني فهو أسطواني الشكل والطابق الثالث أسطواني الشكل كذلك ولكنه أصغر من الثاني يتوسطه بناء صغير عبارة عن طاقية المئذنة.
ولما أعاد العثمانيون تجديد بناء المسجد “المملوكي” في عهد السلطان محمود الاول خُصص المسجد لصلاة العسكر القائمين على حماية القلعة حيث كانوا هم من يتولون تعيين إمام للمسجد ومؤذنه ويتولون كل شؤونه.
ولكون المسجد ذا موقع استراتيجي في أعالي المدينة جعل منه العثمانيون أيام الحرب العالمية الأولى مخزنا للذخيرة والأسلحة اللازمة للدفاع عن المدينة المقدسة ومن ثم أنيطت مسؤوليات المسجد الى المجلس الشرعي الاسلامي الاعلى حتى عام 1926م.
وأشار الباحث في عمارة القدس جمال عمرو إلى أن “البريطانيين قاموا ايام الانتداب البريطاني على فلسطين بمحاولات لتقليص مسؤوليات المجلس الإسلامي الاعلى على المسجد عندما صرحوا بتحويل المسجد الى معرض للصور بداية الى ان وضعت بريطانيا يدها بالكامل على المسجد وطالبت المجلس الاسلامي بتسليم مفاتيحه وازالة كل الاثار الإسلامية في عام 1947م وحولته الى مخزن للآثار القديمة الى أن احتلت اسرائيل القدس الشرقية واستولت على قلعة “القدس” ومسجدها عام 1967م، وحولتهما الى متحف أطلق عليه متحف “داوود”.