بهلاء – العمانية |
ولاية بهلاء بمحافظة الداخلية من الولايات العمانية التي تعرف بتراثها العماني الأصيل والذي يعود إلى حقب تاريخية قديمة، وتتوزع في أرجائها العديد من الشواهد التاريخية التي تؤكد عمق الحضارة العمانية وتجسد الحياة بتفاصيلها وملامحها، حيث الحارات القديمة بمبانيها الراسخة وعمارتها التقليدية الممزوجة بفن العمارة العمانية الذي يمتاز بالبساطة في البناء وينسجم مع الهندسة التقليدية.
ومن الحارات القديمة بولاية بهلاء حارة “الندوة” التي ما زال بنيانها صلبًا راسخًا يحكي تلك الحقبة الزمنية القديمة، وتقع الحارة في مركز الولاية في جهة الغرب من قلعة بهلاء التاريخية الشهيرة ويحدها من الشرق حارة “اللحمة” التاريخية، والأصل أن هذه الحارة كانت تعرف قديما باسم حارة “بدوة” بضم الباء كما ورد ذلك في بعض مخطوطات وقف حارة “الندوة” ومخطوطات وقف مسجد “العبلة” والتي تعود كتابة أحدها إلى 20 من شهر ربيع الأول سنة 1361 هجري.
وقال الباحث التاريخي زكريا بن عامر الهميمي أحد أبناء ولاية بهلاء ” إن حارة الندوة تتكون من 70 منزلًا مبنيًا من الطين وفقًا للطراز المعماري العماني القديم الذي يتسم بالبساطة والبعد عن الزخرفات، وتتكون بعض تلك المباني من طابقين معظمها صغير الحجم في مساحته، وتمتد منازل الحارة في صفين يمينًا وشمالًا يخترقهما في الوسط ممر طويل لتنقل السكان، وفي هذه الحارة سبعة مداخل تعرف بمسمى “صباحات” وكانت تلك المداخل بها أبواب خشبية كبيرة تغلق في الليل أو في بعض الأوقات التي ينعدم فيها الأمن ، ويمر بجانب الحارة من جهة الجنوب فلج “الميثا” أحد أفلاج ولاية بهلاء حيث كان يستخدمه سكان الحارة في جلب احتياجاتهم من الماء.
وأضاف الباحث لوكالة الأنباء العمانية إن حارة “الندوة” تنقسم إلى عدد من التجمعات السكنية منها ( الحظيب ،والخبة ،والحارة الوسطى، والعرصة) ، ويتبع حارة “الندوة” مجلس عام يقع في الجهة الغربية الجنوبية من الحارة يمثل مكانًا لالتقاء الاهالي لتداول الأمور التي تهمهم وتهم الحارة، ويستخدم كذلك في أوقات المناسبات المختلفة كالأعراس أو العزاء، وداخل هذه الحارة تقع بئر يستفاد منها في توفير احتياجات الحارة من الماء، وكذلك يوجد تنور يستخدمه الأهالي في الشواء في مناسبات الأعياد وله أوقاف مخصصة كما ورد ذلك في إحدى مخطوطات وقف هذه الحارة. وحارة الندوة كانت تعد مركزًا كبيرًا من مراكز صناعة النسيج في الولاية حيث اشتهر أهالي الحارة بصناعة النسيج من خلال غزل الصوف ونسجه فكانوا ينتجون منه عددًا من قطع الملابس المحلية والمنسوجات مثل ” الإزر”، وكانت توجد في منطقة “العرصة” الموجودة في حارة “الندوة” حوالي 40 آلة نسيج تنتج أجود المنسوجات.
وأوضح الباحث زكريا الهميمي بأن من أهم الشخصيات في حارة “الندوة” وممن كانت لهم مكانة اجتماعية الشاعر العماني خلفان بن سالم المعدي/ الذي كانت له عدة قصائد في مدح السلطان فيصل بن تركي آل سعيد سلطان عمان في تلك الفترة، وكان يذهب لزيارته مرة في كل عام مشيًا على الأقدام أو بواسطة الدواب من ولاية بهلاء إلى مسقط وكان السلطان فيصل يعجب بشعره كثيرًا.
واشتهرت الحارة أيضا بأن اتخذها عدد من معلمي مدارس القرآن الكريم التقليدية ( الكتاتيب) سكنًا ومقرًا لإقامتهم فيها، منهم المعلم/ سليمان بن ناصر المحروقي الذي ولد في هذه الحارة وقضى فيها جزءًا من حياته قبل أن ينتقل للسكن في حارة “الرم” وكذلك المعلم ” محمد بن سالم المعدي والمعلم” محمد الريامي والمعلم” تيسير الكندي والمعلم خلفان بن محمد المحروقي، ومن أهل العلم الشرعي الذين سكنوا في حارة “الندوة” خليفة الشكيلي وكان متخصصًا في أحكام المواريث وقد عمل إمامًا لفترة من الزمن في جامع بهلاء (جامع السوق).
وتوجد بحارة “الندوة” مكتبة الندوة العامة ببهلاء والتي تعتبر حاليًا أحد أكبر المكتبات الاهلية العامة في السلطنة والتي تأسست في بداية أمرها في غرفة صغيرة بالحارة في عام 1996 م، ثم توسعت لتنتقل في مقرها الحالي بمنطقة “المستغفر” وحصلت هذه المكتبة على المركز الأول في جائزة السلطان قابوس للعمل التطوعي عام 2012 م.