الدوحة – قنا |
بريقها يسبي القلوب، من امتلكها عدّ من الأغنياء والوجهاء، اهتمت بها حضارات على مرّ التاريخ، وخلدت بها ذكرها بين الأمم. هي (المسكوكات/ العملات النقدية) التي اهتدى إليها الإنسان في علاقاته الاقتصادية، وأنهى بها عصر المقايضة.
وتعد المسكوكات واحدة من أقدم أنماط الفن، والمصدر الوحيد الذي يشهد على تاريخ البشرية دون انقطاع منذ القرن السادس قبل الميلاد.
من هنا يأتي اهتمام متاحف قطر بالمسكوكات، وخصوصا الإسلامية، حيث تعرض مجموعة نادرة للغاية من روائع العملات الإسلامية الذهبية للمرة الأولى تزامنا مع مؤتمر الإبداع الفني لأجل الغد الذي تنظمه ذا نيويورك تايمز بالتعاون مع متاحف قطر.
وتشمل هذه المجموعة 6 عملات من أقدم العملات الذهبية التي عرفها التاريخ الإسلامي، في معرض يقام بمتحف الفن الاسلامي حتى الثالث من أبريل المقبل، بهدف توثيق تاريخ الهوية العربية والعالم الإسلامي، باعتبارها من أقدم الشواهد التي عاصرت بدايات الإسلام حسب تصريح الدكتور ألان بارون، الخبير في علم المسكوكات من جامعة فيينا والمشرف على المعرض لوكالة الأنباء القطرية (قنا)، موضحا أن قطر أضحت من أكبر مقتني العملات الإسلامية الأكثر أهمية في العالم، خاصة أن هذه العملات لم يسبق عرضها من قبل في تاريخ المتاحف والمقتنيات، مما يبرز أن قطر بلد حارس للتاريخ وللهوية والحضارة الإسلامية.
ولفت بارون إلى أن القطع النقدية لها دور بيداغوجي مهم في المجتمع، وهو ما تقوم به متاحف قطر، حيث تعرف الناس على حياة وعادات البشرية خلال العصور القديمة.
وحول أهمية هذه المسكوكات الإسلامية، أوضح خبير علم المسكوكات أن العملات المعروضة التي نراها هي الأهم خلال فترة صدر الإسلام، وقريبة من عهد النبوة (القرن الذي عاش فيه رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم)، بالإضافة إلى أنها من أقدم المقتنيات التي تحمل رسما قرآنيا، وبالتحديد أثناء فترة حكم الخليفة الأموي عبدالملك، لافتا إلى أن هذه العملات هي نسخ مقلدة من العملات النقدية البيزنطية، لأن ما كان رائجا آنذاك، هي العملات البيزنطية التي تحمل رموزا نصرانية.
وأشار إلى أنه لهذا فإن العملات الأولى في التاريخ الإسلامي كانت شبيهة بالعملات البيزنطية، إلا أنه تمت إزالة علامة الصليب منها، وأن أول حاكم مسلم أثناء تفكيره في سكّ عملة إسلامية، كان منصبّا على أن تكون مقبولة من قبل الجميع وتعبّر عن الهوية الإسلامية وتعرف الناس أنها عملة نقدية ويتعاملون بها، وهو ما اعتبره بارون، أول خطوة لإعلان هوية وطنية وحضارية، واستقلالا اقتصاديا وثقافيا عن الحضارة والإمبراطورية البيزنطية، فضلا على أنها وطّدت الأعراف العامة الأساسية للمسكوكات الإسلامية على مدى قرون عدة بعد نهاية حكم الأمويين عام 132 هجرية.
ولفت إلى أن الأمويين عرفوا ضرب العملات، حيث كانوا أهل حضارة واستفادوا من علوم المتقدمين، ولم يكونوا شعبا بدائيا، منوها بأن من كانوا يقومون بهذا العمل، كانوا فنانين وعلى دراية تامة بهذه الصنعة.
وعن السرّ في أن هذه العملات مازالت برّاقة وتبدو في حالة جيدة وكأنه تم سكها في وقت قريب، أرجع بارون ذلك، إلى قلة تداولها بين الناس، حيث إن العملات الذهبية كانت أقل رواجا من العملات النقدية التي يتم التعامل بها في الحياة اليومية، بالإضافة إلى أن الذهب يحتفظ ببريقه ولا يتعرض للأكسدة.
وكشف أنه في قطر أزيد من مائة ألف عملة نقدية إسلامية، لافتا إلى أن أهميتها لا تكمن في عددها فحسب، بل في قيمتها التاريخية بدءا من العهد الأموي وإلى عصرنا الحالي، منها عملات ذهبية وفضية وبرونزية.
وتمنى أن يكون هذا المعرض المصغّر الخطوة الأولى لمعرض كبير يعنى بالعملات والمسكوكات الإسلامية، حيث إن العالم سيعرف من خلاله أن أولى العملات الإسلامية، شاهدة على ميلاد الإسلام والهوية العربية.