ندوة شمال الباطنة في ذاكرة التاريخ العُماني .. نقاشات مثرية وأحداث تاريخية مثيرة

صحار – العُمانية|

 استؤنفت جلسات ندوة شمال الباطنة في ذاكرة التاريخ العُماني التي تقيمها هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية حاليًّا في ولاية صحار صباح اليوم، بحوارات مثمرة ونقاشات علمية حول تاريخ وحضارة هذه المحافظة العريقة. فقد توغل الباحثون والمؤرخون في أعماق التاريخ، وكشفوا عن جوانب جديدة ومثيرة من حياة الأجداد وتراثهم الغني.

الجلسة الأولى استهلت أعمالها ببحث الدور السياسي والإداري للوالي سليمان بن سويلم وأبناءه في محافظة شمال الباطنة من خلال ورقة عمل قدمها الباحث عبدالعزيز بن أحمد المعشني، حيث سلّط الضوء على هذا الدور مستندا على الوثائق والمدونات التاريخية الأجنبية والمحلية، بالإضافة إلى مقابلات ميدانية مع كبار السن الذين لديهم معرفة بالدور السياسي والإداري للوالي سليمان وأبنائه.

دور تاريخي 

وتناول المعشني الخلفية الاجتماعية والسياسية للوالي سليمان بن سويلم وأبنائه، مع التوقف على محطات رئيسة في حياة هذه الشخصية وحياة من خلفوه في محافظة شمال الباطنة ومناطق أخرى من سلطنة عُمان.

تلتها ورقة علمية عنوانها التاريخ الإداري والقضائي في محافظة شمال الباطنة خلال عهد السُّلطان سعيد بن تيمور: 1932م – 1970م قدمها الدكتور سعيد بن محمد الهاشمي حيث سلّط الضوء على النظام الإداري والقضائي في محافظة شمال الباطنة، واستعرض الهاشمي خلفية تاريخية عن السُّلطان سعيد بن تيمور وقدم معلومات تاريخية عن ولايات المحافظة ثم قدم شرحًا عن النظام الإداري لهذه الولايات والنظام القضائي لها .

النظام الإداري في لوى 

كما قدمت الباحثة نجلاء بنت خلفان المانعية ورقة علمية حول النظام الإداري في مدينة لوى وقراها خلال الفترة 1871 إلى 1970م حيث سلّطت الورقة الضوء على الاهتمام الكبير الذي أولاه سلاطين البوسعيد بتنظيم الشؤون الإدارية في البلاد، وتتبع تطور هذا النظام في مدينة لوى تحديدا، كما استعرضت الورقة أبرز المناصب الإدارية في ذلك النظام، وركزت على دور الولاة والقضاة في إدارة شؤون المدينة، ما قدم نموذجًا واضحًا لتطبيق النظام الإداري في المدن الساحلية العُمانية خلال تلك الفترة.

واعتمدت الباحثة على المنهج التاريخي في تحليل الوثائق المتاحة، وخلصت إلى مجموعة من النتائج الهامة. فقد أوضحت الورقة طبيعة النظام الإداري المتبع في لوى خلال الفترة المدروسة، وحددت أبرز الولاة الذين تولوا إدارة المدينة، وبرزت أهم إنجازاتهم، كما تناولت الورقة دور القضاء في النظام الإداري، وتحديدا في مدينة لوى، ما أسهم في فهم أعمق للتطورات الإدارية والاجتماعية التي شهدتها المدينة خلال تلك الفترة.

شناص في كتابات الرحالة الغربيين

ثم قدم عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمنيسوتا فرع الهند الدكتور صالح محروس محمد ورقة علمية حول شناص في كتابات الرحَّالة الغربيين في القرنين التاسع عشر والعشرين.

واستعرضت هذه الورقة العلمية، بدقة متناهية، صورة ولاية شناص كما رُسمت بريشة الرحالة الغربيين خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وقد اعتمدت الورقة على منهجية تاريخية صارمة لتحليل نصوص الرحالة واستخلاص المعلومات ذات القيمة التاريخية والجغرافية.

وقد كشفت الورقة عن جوانب حيوية من حياة أهل شناص، بدءًا من أنشطتهم الاقتصادية المتنوعة، كالصيد والزراعة، ووصولاً إلى عاداتهم وتقاليدهم الأصيلة التي عكست هوية المجتمع، كما ألقَت الورقة العلمية الضوء على التراث المعماري الغني للولاية، وثّقت العديد من المنشآت التاريخية كالقلاع والحصون التي لا تزال شاهدة على عراقة المنطقة.

كما تتبعت الورقة التغيرات التي طرأت على الولاية خلال تلك الحقبة الزمنية.

اهمية صحار الاستراتيجية في أزمة البريمي 

وقدم أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الأزهر، الدكتور عبد الحميد عبد الجليل شلبي ورقة علمية عنوانها “الأهمية الاستراتيجية والتنموية لصُحار في أزمة البريمي: دراسة لفترة الخمسينيات في الوثائق البريطانية” حيث تناولت هذه الورقة أهمية ولاية صحار التاريخية والجغرافية، وأبرزت دورها المحوري في التجارة الإقليمية وأحداث المنطقة، وقد ركزت الورقة العلمية على تحليل الجهود التنموية التي شهدتها صحار خلال خمسينيات القرن العشرين، مع التركيز على القطاعات الزراعية والبنية التحتية، كما استعرضت الورقة العلمية الدور الاستراتيجي الذي لعبته صحار في أزمة البريمي.

وباستخدام منهجية بحثية دقيقة، اعتمدت الورقة على تحليل مجموعة متنوعة من المصادر الأولية والثانوية، لتقديم رؤية شاملة عن التطورات التي شهدتها صحار خلال تلك الفترة.

واختتمت الجلسة الأولى بورقة علمية قدمها الباحث أحمد بن خلفان الشبلي تحت عنوان “العلاقات بين شمال الباطنة ومشيخة دبي قبل العقد السابع من القرن العشرين: العلاقات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية نموذجاً”.

تناولت هذه الورقة العلاقات التاريخية المتشابكة بين منطقة شمال الباطنة ومشيخة دبي قبل العقد السابع من القرن العشرين، مع التركيز على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقد أظهرت الورقة أن الموقع الجغرافي المتميز للباطنة، إلى جانب الكثافة السكانية، قد أسهم في نشوء علاقات وثيقة مع المناطق المجاورة، لا سيما دبي.

وقد اعتمدت الورقة على منهج تاريخي وصفي تحليلي، بالاستناد إلى مجموعة متنوعة من المصادر الوثائقية والمخطوطات والشهادات الشخصية، وقد توصلت الورقة إلى نتائج مهمة، حيث أبرزت دور صناعة اللؤلؤ في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، كما سلطت الضوء على ظاهرة “الحضار” أو “القيضه” كشكل من أشكال التبادل الاجتماعي والثقافي بين سكان الباطنة ودبي، بالإضافة إلى ذلك، كشفت الورقة عن وجود علاقات علمية وثقافية متبادلة بين المنطقتين.

الاهمية الاقتصادية 

الجلسة الثانية من جلسات الندوة بدأت بورقة للدكتور أحمد بن حميد التوبي حول الأهمية الاقتصادية لشمال الباطنة في الفترة من 1624م وحتى 1749م.

تناولت هذه الورقة أهمية محافظة شمال الباطنة في الاقتصاد العُماني خلال عصر دولة اليعاربة (1624-1749م). وقد أظهرت الورقة أن اهتمام حكام اليعاربة بتنمية الأنشطة الاقتصادية، لا سيما الزراعة والتجارة، قد أسهم بشكل كبير في ازدهار شمال الباطنة، وقد اعتمدت الورقة على منهج تاريخي ووصف تحليلي، بالاستناد إلى مجموعة متنوعة من المصادر الوثائقية والمخطوطات، مثل مخطوط لقط الآثار المؤلف في صحار للحضرمي ومنهج الطالبين وبلاغ الراغبين للشقصي.

وقد توصلت الورقة إلى نتائج مهمة، حيث أبرزت دور شمال الباطنة في الاقتصاد العُماني خلال تلك الفترة، وكيف أسهمت الأنشطة الاقتصادية المتنوعة في رفد خزينة الدولة، كما سلطت الورقة الضوء على أهمية الزراعة والتجارة والصيد في اقتصاد المنطقة، وتأثيرها على حياة السكان.

دور الموانىء تجاريا 

وشارك الدكتور شريف قوعيش من جامعة مستغانم بالجزائر بورقة علمية حملت عنوان “الموانئ ودورها التجاري في محافظة شمال الباطنة: دراسة تاريخية اقتصادية “.

تناولت دور الموانئ في محافظة شمال الباطنة كمحور أساسي في الاقتصاد العُماني عبر التاريخ، وقد ركزت الورقة على تحليل الظروف التاريخية والجغرافية التي أسهمت في نشوء وتطور هذه الموانئ، ودورها في حركة التجارة المحلية والإقليمية والدولية.

وقد توصلت الورقة إلى نتائج مهمة، حيث أبرزت الدور المحوري للموانئ في شمال الباطنة في الاقتصاد العُماني، وكيف أسهمت في ازدهار التجارة وتبادل السلع والبضائع، كما أكدت الورقة على أهمية الموقع الجغرافي للمحافظة في جذب التجارة البحرية، ودور الموانئ في ربط سلطنة عُمان بالحضارات المجاورة.

وحول موضوع الموانئ أيضًا قدم الدكتور عبد العزيز بن هلال الخروصي ورقة حول موانئ شمال الباطنة في روزنامات النواخذة الكويتيين في القرن العشرين الميلادي.

تناولت العلاقات البحرية والتجارية بين الكويت وسلطنة عُمان، وركزت على دور موانئ شمال الباطنة في هذه العلاقات، وقد اعتمدت الورقة على روزنامات النواخذة الكويتيين كمرجع أساسي، حيث توفر هذه المصادر معلومات قيّمة حول الرحلات البحرية، والموانئ، والحركة التجارية بين البلدين.

وقد أظهرت الورقة أهمية الموانئ العُمانية في شمال الباطنة كمحطات رئيسة للسفن الكويتية، حيث كانت تستخدم لإصلاح السفن، وتزويدها بالمياه والمؤن، والتبادل التجاري، كما سلطت الورقة الضوء على دور النواخذة والبحارة العُمانيين في تسهيل هذه الرحلات وتطوير الملاحة البحرية في المنطقة.

نواخذة شمال الباطنة 

وفي الإطار نفسه قدم حمود بن حمد الغيلاني ورقة علمية حول نواخذة محافظة شمال الباطنة في القرن العشرين الميلادي، تناول تاريخ النشاط البحري التجاري في محافظة شمال الباطنة، مع التركيز على دور النواخذة والسفن في هذا النشاط، وقد أظهرت الورقة أن محافظة شمال الباطنة تمتلك تاريخا عريقا في مجال الملاحة البحرية والتجارة، حيث مارس أبناؤها هذا النشاط لقرون عديدة.

وقد توصلت الورقة إلى نتائج مهمة، حيث أبرزت الدور المحوري للموانئ في شمال الباطنة في التجارة الإقليمية والدولية، وكيف أسهمت السفن والنواخذة في تعزيز هذا الدور، كما سلطت الورقة الضوء على تنوع السفن المصنعة في المحافظة، وكيف كانت تلبي احتياجات التجارة البحرية.

المرأة في الموروث البحري

كما قدمت ورقة علمية حول حضور المرأة العُمانية في الموروث البحري لمحافظة شمال الباطنة قدمها الباحث سعيد بن عبد الله الفارسي، وقد أظهرت الورقة أن للمرأة العُمانية دورًا بارزًا ومتميزًا في هذا الموروث، على الرغم من الطبيعة الجسدية للمهام البحرية، وقد اعتمدت الورقة على منهجية بحثية شاملة لدراسة مختلف عناصر الموروث الشعبي المرتبطة بالمرأة.

وقد توصلت الورقة إلى نتائج مهمة، حيث أبرزت أن المرأة العُمانية كانت حاضرة بقوة في مختلف جوانب الحياة البحرية، سواء من خلال المعتقدات الشعبية والأساطير، أو من خلال المشاركة في الأنشطة اليومية المرتبطة بالبحر، كما سلطت الورقة الضوء على دور المرأة في الحفاظ على التراث الشعبي البحري ونقله للأجيال القادمة.

وانتقلت الجلسة الثانية من الندوة من البحر إلى العمران لتختتم اليوم الثاني من المناقشات بورقة علمية حول الهندسة المعمارية للتحصينات الدفاعية في محافظة شمال الباطنة قدمها الدكتور زكريا طعمه قضاه وأظهرت الورقة أن العمارة العُمانية تتميز بطابعها المحلي، حيث استخدم البناه المواد المتاحة محليًّا لبناء تحصينات دفاعية قوية ومتكاملة، وقد اعتمدت الورقة على منهجية بحثية ميدانية شاملة لدراسة هذه التحصينات.

تحصينات دفاعية 

وقد توصلت الورقة إلى نتائج مهمة، حيث أبرزت التنوع في أنماط وأشكال التحصينات الدفاعية في شمال الباطنة، وكيف استخدمت مواد البناء المختلفة في بنائها، كما سلطت الورقة الضوء على أهمية هذه التحصينات في الحفاظ على التراث المعماري العُماني، وحماية المجتمعات المحلية.

ومن المقرر أن تستكمل الندوة جلساتها غدًا لتختتم أعمالها بعدد من التوصيات حول المحاور التي تم بحثها خلال الأيام الماضية، فيما يستمر المعرض الوثائقي المصاحب للندوة لغاية 26 أكتوبر الجاري.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*