الدوحة – العمانية -فانا |
إيمانا بأهمية الحضارة الإسلامية وتأثيرها في شتى المجالات الحياتية ليس على العرب فقط ولكن على العالم أجمع ، حرصت دولة قطر على أن تقوم بدورها إلى جانب البلدان الإسلامية في رعاية وصيانة تراث هذه الحضارة ومن ثم أنشأت متحف الفن الإسلامي ليعكس ويُجسد الحضارة الإسلامية ويحافظ على العديد من المقتنيات الاسلامية الموجودة فى بعض الدول ويكون ذلك نقلة فى تاريخ قطر بل العالم الإسلامي كله.
وجاء تصميم متحف الفن الإسلامي بالعاصمة القطرية الدوحة كواحد من أكبر المتاحف الإسلامية على مستوى العالم الإسلامى ، وقد تم تصميمه على الناحية الجنوبية لخليج الدوحة ، على جزيرة صناعية تم تصميمها خصيصا لهذا الغرض متأثرا بالعمارة الإسلامية القديمة ، ويعتبر المتحف المبنى الأكثر تفردا وتميزا في العالم من ناحية تصميمه الهندسي و أنجزه المهندس المعمارى الأمريكى الجنسية ذو الأصول الصينية ” أى إم بى ” ، والذي يتمتع بخبرة طويلة في تصميم المتاحف ، حيث قام بدراسة فن العمارة في الاسلام لمدة 6 أشهر قبل أن يباشر تنفيذ فكرة تصميم مبنى المتحف.
وقد استلهم التصميم الأساسى للمتحف من نافورة الوضوء الموجودة بمسجد أحمد بن طولون بالقاهرة ، حيث كان هذا المكان مكونا في شكل مكعبات بعضها فوق بعض. وتوقف المصمم كثيرا عند انعكاس الضوء على زوايا المكعبات، لذلك راعى في تصميمه مسألة الظل وحركة الشمس، حتى تسهم أشعة الشمس فى رسم المتحف وإظهار جماله، وفي الليل تعمل أنوار الكهرباء الموزعة بدقة وعناية فى اظهار جماله ليلاً، مع إضافة لمحات معمارية من العصور الأموية والعباسية.
أما حديقة المتحف فقد صُممت على شكل هلال وذلك إعتماداً على رمزية المتحف الاسلامية التي تدل على الحضارة الإسلامية، فيحتضن الهلال الأخضر للحديقة المتحف من ناحية ويترك خلفية زرقاء تصنعها مياة الخليج والسماء من جهه أخرى، وتعبر بوابة المتحف فاتحة ومعبرة عن رحلة حقيقية فى تاريخ الفن الاسلامى ، ومن المثير في المبنى أن جزءا منه يقع تحت الماء والجزء الآخر فوق الأرض، وبالتالي، يتطلب الوصول اليه المشي على جسر مبني فوق الماء. وعلى الرغم من كون المتحف تحفة معمارية حضارية فهو يجمع ما بين الماضي والحاضر، و في نفس الوقت تم تزويده بوسائل التكنولوجيا الحديثة ليصبح مركزا للمعلومات والبحث والإبداع أيضا .وقد افتتحه صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى الأمير الوالد لدولة قطر فى أواخر عام2006، واستمرت الإنشاءات والتطويرات في البنية التحتية والداخلية للمتحف ليتم الانتهاء منه وافتتاحه رسميا فى أواخر شهر نوفمبر لعام 2008. ويتكون المتحف من سبعة طوابق ، خمسة منها فوق الأرض، واثنان عبارة عن قبو تحت الماء، ويحتوي القبو على جميع الخدمات الكهربائية والميكانيكية التي تخدم المتحف.
ويتميز الطابق الأول بمدخل ذي زخارف المعمارية الفريدة ، إلى جانب بعض المعارض المؤقتة والنشاطات المتنوعة التى قد تعقد تحت إشراف الهيئات الثقافية ويتضمن هذا الطابق أيضا مطعما وكافيه يطلان على بحر الدوحة بخلفية زجاجية تبهر الناظر إليها وتُمتع من يجلس بجوارها برؤية غروب الشمس. ويصلك بالطابق الثاني والثالث درج رخامي منحني يعلوه أسطوانة نحاسية ضخمة معلقة بشكل دائري ومزخرفة بطريقة تراثية مبتكرة.
أما المعارض الدائمة التى تضم مقتنيات المتحف الأساسية والنادرة والثمينة فتوجد بالطابقين الثانى والثالث ، فبعضها لم يظهر إلى عين أحد قبل أن توضع في كنف ” المتحف الإسلامي في قطر”، ويبلغ عددها نحو 800 قطعة نادرة من ثلاث قارات مختلفة (أوروبا وآسيا وإفريقيا) من الأندلس إلى الهند، والتي جمعتها قطر على مدار 15 عاماً لترصد تاريخ الحضارة الإسلامية ولتجعل من متحف قطر الإسلامي منارة للحوار والتبادل الثقافي من خلال استقطاب الزائرين من كل أنحاء العالم بمختلف ثقافاتهم وأفكارهم وأديانهم.
ويحتوى الطابق الرابع على قاعة للمحاضرات والمؤتمرات التى قد تعقد إلى جانب قاعة عرض بالفيديو كونفرنس ، بينما يحتوى الطابق الخامس على بعض المكاتب الإدراية ، بالاضافة إلى مطعم فاخر يُعرف بأسم ” إدام ” ، بالإضافة إلى قاعة المحاضرات والتي تتسع لـ 200 شخص في الطابق الأول من المتحف ، والقاعة مجهزة بأحدث المعدات السمعية والبصرية.
وتعود روائع متحف الفن الإسلامي إلى مجتمعات مختلفة، منها العلمانيّة والروحيّة، وعلى الرغم من أن القطع الموجودة ضمن مقتنيات المتحف مرتبطة قبل كل شيء بالإسلام. ويحتوى المتحف على مقتنيات فريدة لاتوجد بأى مكان آخر ، إذ يحتوى على الكثير من الكتب والمخطوطات النادرة ، علاوة على الأحجار القديمة والعملات المعدنية المصنوعه من المعادن النفيسة كالذهب والفضة والنحاس ، والتى يرجع بعضها إلى عصور ماقبل الإسلام . وتشمل المقتنيات أيضاً مجموعة كبيرة من العاج والحرير يعود عمر بعضها الى أكثر من 600 عام حافظت في جزء كبير منها على أشكالها وألوانها.
ومن التفاصيل التي تميز مقتنيات “المتحف الإسلامي” توجد بجانب كل قطعة بطاقة تعريفية بزمان ومكان تواجد القطعة، وإلى أي العصور تعود، ومن صنعها ومن استخدمها وإلى من انتقلت، ومن طورها وكيف وصلت إلى عصرنا هذا. ويعرض المتحف أكبر مجموعة مخطوطات تندرج ضمن المخطوطات القرآنية، ويبلغ عددها “800” مخطوط، وتعود إلى القرن السابع الهجري، وأهمها صفحتان من أصل خمس صفحات من المصحف العباسي الأزرق الكبير المعروف بأنه من أجمل وأندر المخطوطات الإسلامية.
أما المقتنيات المعدنية فهي كثيرة ومن أهمها مفتاح نادر للكعبة المشرفة يعود للقرن الرابع عشر الميلادي ، كما توجد لوازم قصور الخلفاء والملوك من الأواني الثمينة المصنوعة من البرونز والفولاذ والنحاس والمزخرفة بالذهب والفضة. ويشمل المتحف في صالاته الدائرية الكبيرة مصابيح مساجد ملونة وضعت على مر التاريخ في باحات أهم الجوامع الإسلامية، بالإضافة إلى أقداح ومزهريات تعود للعصور الوسطى، والعصور الذهبية للمصنوعات الخزفية والزجاجية الإسلامية، فضلا عن الأدوات العلمية التي كان يستخدمها علماء المسلمين مثل الميزان والمسبار والاستطراب بمختلف أشكاله وأحجامه، بالإضافة إلى الأسلحة والدروع التي شهدت معارك طاحنة في ذلك الوقت، وهي تحاكي عصر القوة والنفوذ والتمدد الإسلامي في كل أرجاء الأرض. ويوجد في “متحف قطر الإسلامي” عدد كبير من مقتنيات السيراميك والعاج والأنسجة والخشب والأحجار الكريمة القيمة، والقطع النقدية المصنوعة من الفضة والنحاس والبرونز التي يرجع تاريخ بعضها إلى ما قبل الإسلام والعهد الصفوي مروراً بالعصر الأموي والعباسي. ويضم المتحف أيضاً قاعات للمعارض والورش الفنية والتعليمية، ويوجد جناح خاص بتعليم الفن الإسلامي تاريخياً وتنفيذياً بالإضافة لوجود مكتبة للقراء فضلا عن وجود مركز تعليمي مكمل لأنشطته تقدم الدعم للمدارس ويوفر التسهيلات للأبحاث والدراسات بداخل قطر وخارجها .
ولايقتصر نشاط المتحف على عرض المقتنيات النادرة فحسب ، بل يتضمن بعض الأنشطة التعليمية ، مثل المحاضرات التى تعقد فى قاعات المؤتمرات ، والتى تدور حول التاريخ الإسلامى القديم ، كما توجد مكتبة مجهزة بالكتب والعديد من الوسائل التعليمية التي من خلالها يمكنك الإطلاع على الكثير من المواد الوثائقية التى تدور حول العصور الإسلامية القديمة. ويهتم متحف الفن الإسلامي بإقامة العديد من المعارض والفعاليات والأنشطة الفنية المتعددة ومن أهمها : مهرجان قطر العالمى للتغذية، حيث يسلط الضوء على التغذية الصحية مع وجود منطقة صحية كبيرة تقدم فيها الاغذية العضوية ويتم فيها مشاركة بعض دول المنطقة ، الاحتفال باليوم الوطنى للدولة ،حيث تضم حديقة المتحف مجموعة من الفعاليات والانشطة الخاصة بالمهرجان كالاعلام والفنون التراثية وفنون التشكيل ، احتفاليات السنوات الثقافية مع الدول الأخرى ، حيث تقام الاحتفالية فى البهو الرئيسي للمتحف وقد اقيمت اخر احتفالية مع تركيا فى مارس 2016 للتأكيد على مدى أهمية الفن والثقافة كجسر يربط بين الامم وتشهد قطر فى اطار هذا الحفل عروضا من عروض المتحف العربي للفن الحديث الذى يسلط الضوء على الفن القطرى والعربى المعاصر . ووضعت متاحف قطر بقيادة سعادة الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني رئيس مجلس أمناء متاحف قطر مجموعة من الأهداف لمتحف الفن الإسلامي كمؤسسة تابعة للمتاحف ومنها أن يكون محفزاً ثقافياً لجيل جديد من المبدعين ، وهذا يُمثل طموحاً كبيراً سيحققه كمجموعة من المتاحف والمواقع الأثريّة للمساعدة في تحقيق الأهداف الثقافية لرؤية قطر الوطنية 2030 ، كما يتماشى هذا الهدف أيضاً مع رؤية قطر الخاصة وهي تطوير وتعزيز ودعم القطاع الثقافي على أعلى المستويات.
كما يسعى المتحف إلى دعم الجيل القادم من الجماهير الثقافيّة ، بالإضافة إلى تعزيز روح المشاركة الوطنية ويعتبر مصدر إلهام للجماهير والمبدعين المستقبليين وان يكون متحف الفن الإسلامي مركزا للمعلومات والبحث والإبداع، ومنارة للحوار والتبادل الثقافي من خلال استقطاب جمهور عالمي، حيث يعتبر المتحف انعكاسا لرؤية الدولة بأن تكون دولة قطر عاصمة للثقافة في الشرق الأوسط .