القبيل.. أول فكرة لبناء السدود المائية في السلطنة  

ينقل – حمدان بن علي البادي | القبيل، مصطلح محلي، وهو أحد الحيل التي أتخذها الإنسان العماني منذ القدم، كحاجز موقت لأحتواء المياه وتوجيه مسارها نحو الفلج من مصاب الأودية الجبلية، باتجاه الواحات الزراعية التي تعتمد على مياه الأفلاج، وتلك التي لا تغذيها الأفلاج الداودية وفكرة القبيل أشبه بفكرة السدود المائية لبضعة أقدام وربما سدود اليوم هي تطور للقبيل.
تعتمد فلسفة القبيل على حب الخير للجميع وأن الماء نعمة من رب العالمين وسبيل عام لا يمكن أحتجازه، لهذا يأتي بناءه ليترجم هذه الفلسفة من حيث أنه مبني بحجر وطين غير ثابت وبارتفاع بسيط وذلك لعدة أسباب من أبرزها حتى لا يتحول الماء بأكمله إلى مجرى الفلج اثناء هطول الأودية وبالتالي قد يغرق الزرع ويردم مجرى الفلج بفعل الأتربة التي يحملها والسبب الثاني لتسهيل إنسيابيته وتغذيته لقرى وواحات زراعية أخرى تنمو على ضفاف الوادي وحتى لا يحجب تدفق المياه عنهم.

ارتحال
وحيث يوجد القبيل يشد الناس رحالهم وخاصة القريبين منه والذين يحرصون على أبقاءه هادئا بعيداَ عن الزوار وما يمكن أن يحدثوه في مياهه العذبة التي يعتمد عليها  أهل الواحة أو الحارة في السقي والغسيل والشرب لذا يكون القبيل شريان الحياة ومصدر الري الأول الذي تقوم عليه حياة الواحة الزراعية والحارة التي تمتد على أطرافها.

ويعد القبيل- الذي يكون بالعادة في الأودية الخصبة التي تجرى بها المياه طوال العام – نقطة جذب سياحية لأهالي المنطقة المحيطة حيث تحط رحالهم على ضفافه ويتركون أطفالهم يستمتعون بمياهه ويستريحون تحت الظلال القريبه منه.
“وجهات” قامت بزيارة قبيل بيحاء أو باحه كما يسميها أهل المنطقة قرية شمال ولاية ينقل بمحافظة الظاهرة بها واحة زراعية تعود لـ 200 سنة وتوجهنا مباشرة إلى القبيل في وقت صادف أن خرج جميع الأهالي لتنظيفه وإعادة بناءه من جديد نتيجة تأثره بالأمطار الأخيرة التي شهدتها السلطنة وهو فعل يتكرر مع كل واد يسيل في المكان.
ما يميز هذا القبيل أنه يقع على مصب وادي خصب غني بالمياه تقع على أطرافة الواحة الزراعية والتي تتوسطها الحارة القديمة قام علي بن حمد البادي في منتصف التسعينات بترميمها على نفقته الخاصة ضمن مشروع سياحي لم يكتب له النجاح لاستثمار تلك المباني في استقطاب السياح كنزل أيوائية في واحة من أجمل الواحات الزراعية التي تحيط بها الجبال وتنعم بالخدمات لعل أبرزها شبكة الاتصالات والطريق المعبد الذي يصل إلى قلب الحارة.

الحياة في هذه الواحة الزراعية تقوم على القبيل الذي  يعمل على توجيه مسار المياه نحو الفلج حتى يصب في بركة تتوسط الواحة الزراعية بعد ذلك يعاد توزيعه على المزروعات ليسقي أكثر من 500 ألف نخله وعدد من الضواحي وفي السابق كان يمد الحارة بالماء ويتم توزيعه بطريقة تعتمد على حسابات الليل والنهار.
وبالرغم من تطور تقنية حفر الآبار إلا أن الأهالي لا يزالون محافظين على القبيل واعتمادة كطريقة الري التقليدية التي أوضحها أحد الأهالي الذين ألتقينا بهم حيث قال: تمتد هذه الواحة الزراعية لأكثر من 200 عام ولم يذكر الأولون أنها جفت أو “محلت” فموقعها لم يأت مصادفة انما بتخطيط مدروس وهو الحال نفسه الذي ينطبق على الواحات الزراعية في المناطق الجبلية الأخرى وبما يؤكد حرفية الإنسان العماني منذ القدم في الاستفادة من مصادر المياه السطحية لتأسيس حياة متكاملة على أطرافها حيث الزراعة وتربية الماشية وحياة الإنسان.

موقع سياحي
والقبيل من الأماكن السياحية التي يتحفظ الأهالي في حضور السياح والزوار إليها ليبقوها بعيده عنهم لذا من النادر أن تجد الطرق المهيأة التي تصل إلى القبيل مباشرة عن طريق السيارة حيث يفضلون أن يذهبوا إليه سيرا بالاقدام عن طريق الواحة الزراعية.
تذكروا فقط أن زرتم أي قبيل أن تتأملوا جمالياته وفلسفة بناءة وحافظوا عليه واستمتعوا بقضاء وقت ممتع ولا تتركوا مخلفاتكم في محيطه.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*