لوحات فايدة ماتوخ.. توثيق جمالي للتراث واحتفاء بالتفاصيل

عمّان – العُمانية|

تشتغل التشكيلية الأردنية فايدة ماتوخ على لوحاتها من منطقة الرغبة في التوثيق الجمالي لمختلف جوانب الحياة، وخاصة ما يتعلق منها بالتراث الشعبي، إلى جانب اهتمامها برسم جماليات الأمكنة الطبيعية والعمرانية، وحياة الناس وتفاعلهم مع المكان الذي يعيشون به.

تضمن المعرض التشكيلي الأول للفنانة ماتوخ (2008) رسومات من المنطقة التي تنتمي إليها (وادي السير؛ إحدى ضواحي العاصمة الأردنية)، وصورت فيها جماليات المكان حولها، فجاءت لوحاتها قريبة من الواقعية سواء في رسم الأشكال أم الألوان المستخدمة. 

وقدمت الفنانة في لوحاتها الأولى مشاهد ممتدة؛ يتجاور فيها الجبل والوادي وتتوزع في أرجائها بيوت تتراكب فوق بعضها البعض، وهو ما منح لوحاتها بعدًا رمزيًّا خاصة عند غياب التفاصيل الدقيقة التي يصعب تجسيدها في مشاهد تصور مساحة واسعة من الأرض.

ما تتسم به هذه التجربة أنّ خلفيات اللوحات رُسمت بعناية لدرجة أنها استطاعت تجاوز المشهد الذي يتقدم اللوحة لتصبح هي الواجهة وتحظى بالأهمية البصرية، ولتعبّر تلك المساحة الصغيرة من القماش وألوان الأكريليك عن فضاءات شاسعة من الطبيعة وحياة البيوت وساكنيها، والحقول التي ترعى فيها الأغنام ويرتادها الرجال والنساء، والتجمعات البشرية في الأفراح والمناسبات.

وكان لقدرة الفنانة على مزج الألوان والتحكم في الظل والضوء الدور الأكبر في إبراز جمال الخلفيات، سواء حين تُغرب الشمس وتتلون، أو حين يتخذ الأفقُ لونًا أبيض ما وراء الجبال.

وفي المعرض الذي أقيم في عام 2013 قدمت ماتوخ، التي درست الفنون التشكيلية في معهد الفنون الجميلة، لوحات ابتعدت فيها عن تصوير مشاهد طبيعية ممتدة لثيمةٍ جماليةٍ واحدة حرصت على إبراز تفاصيلها وخاصة الورود، كما ركزت على التراث الشركسي والقوقازي من ملابس وأزياء ورقصات. 

واتسمت هذه التجربة بمزج الألوان وتَحاورها على سطح اللوحة؛ حيث صُبغت اللوحات ببُعد شاعريّ نتيجةً للطبقات اللونية المتجاورة والمتراكبة، وبدت المشاهد كما لو أنها تتدفق من ذاكرة الفنانة معبّرةً عن تمسّكها بالجذور الأولى (الشركسية) التي تنحدر منها. كما أنها تشير إلى بساطة وعفوية أرادت منها استعادة تلك الطفلة القابعة في أعماقها. 

وقد يظهر لونٌ واحدٌ في اللوحة، غير أن الفنانة تتمكن من كسر سطوته من خلال ضربات ريشة تتوزع هنا وهناك. وفي أحيان أخرى تتنوع الألوان في اللوحة الوحدة وبتدرجات مختلفة كما لو أن الاحتفاء هنا هو بجماليات اللون لا بالمشهد، بما يجعلها تقترب من التجريد.

وفي المعرض الذي أقيم على جاليري جودار بعمّان (2022)، تركز ماتوخ على رسم أمكنة واقعية غير أنها منقولة مع بعض التحوير وبألوان متفردة، واعتنت في هذه التجربة بتوثيق التراث الشعبي الشركسي، كالملابس ذات النقوش الدقيقة والألوان المبهجة، والتصاميم الخاصة بشعب القوقاز. وإلى جانب ذلك حرصت على دمج الثقافتين اللتين تشكلان هويتها وثقافتها؛ القوقاز بلد أجدادها، والأردن مكان ولادتها وإقامتها، محاوِلةً أن تنسج عبر لوحاتها فكرة الاندماج والتعايش والانسجام بين المكونات المختلفة.

وتهتمّ ماتوخ في أعمالها الأخيرة بإبراز التفاصيل، وتوثيق الصور التي تعيش في ذاكرة الشركس ويتناقلونها جيلًا بعد جيل، فحضرت في لوحاتها مواسم الحصاد، والمرأة التي ترتدي الثوب الشركسي الطويل، ورقصات الرجال بلباسهم التقليدي ومشاركة النساء لهم بهذه الرقصات.

وفي عدد من لوحاتها، تتناول ماتوخ القضية الفلسطينية، وتعبّر عن المأساة الناتجة عن الاحتلال، وفي هذه اللوحات التي تتضمن مشاهد مؤلمة، تنأى الفنانة عن الواقعية والتفاصيل في الرسم، وتقترب من التجريد اللوني وضربات الفرشاة العريضة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*