مسقط – وجهات |
أصدرت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية الجزء الثاني من كتاب ” العلاقات العُمانية البريطانية من القرن السابع عشر إلى نهاية القرن التاسع عشر”، ضمن المجلد الثاني والعشرين من “سلسلة البحوث والدراسات في الوثائق الوطنية والدولية، الكتاب يقع في 454 صفحة ويتضمن 14 ورقة بحثية منها 11 ورقة بحثية باللغة العربية وثلاث أخرى باللغة الإنجليزية، لباحثين وعلماء ذوي وجهات نظر مختلفة ومتباينة نظراً لانتمائهم لمدارس فكرية متنوعة.
وتناول الباحثين نمو العلاقات بين البلدين وأثر ذلك وانعكاسه على رغبة الجانب الأوروبي والأمريكي للارتباط بعلاقات جيدة مع عُمان، ولهذه الغاية شهدت العلاقات تنافساً أوروبياً وأمريكياً مع الجانب البريطاني والذي حظي مع سلطنتي عُمان وزنجبار (مسقط وزنجبار) وبريطانيا، حيث أن جهود الباحثين والمهتمين بالتاريخ العُماني سعت لتقديم عرض متوازن للعلاقات العُمانية البريطانية من النواحي التاريخية السياسية والاقتصادية والعسكرية من القرن السابع عشر إلى نهاية القرن التاسع عشر وإبراز هذه الجوانب من وجهة نظر مجردة ومحايدة واستبعاد الأفكار والنظريات المسبقة لفهم الظروف والملابسات للأحداث المختلفة في سياقها فهماً مبنياً على البحث والدراسة دون اللجوء للتفسيرات الشائعة والتي تفتقر أحياناً إلى الموضوعية والحياد. ومن هذا المنطلق فقد تم الاستعانة برصيد هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية الثري بالاتفاقيات العُمانية البريطانية والمراسلات، فضلاً عن غيرها بين الأئمة والسلاطين مع الحكام والسفراء والمسؤولين البريطانيين والأوروبيين والأمريكيين، وغيرها من المراسلات ذات علاقة تتمحور حول العلاقات والتفاعلات العُمانية البريطانية.
وقال الدكتور حمد بن محمد الضوياني رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، يهدف الإصدار إلى استعراض وتحليل البحوث والدراسات وإلقاء الضوء على العلاقات العُمانية البريطانية، مع رصد وتحليل تفاعل العلاقات العُمانية البريطانية والتنافس الأوروبي والأمريكي، خلال الفترة من القرن السابع عشر إلى نهاية القرن التاسع عشر بتنوعها وحجمها ومجالاتها، حيث بدأت في إطار التبادل التجاري وإرساء علاقات اقتصادية نظمت الاتفاقيات وبروتوكولات التعاون والإعفاءات الجمركية ونوعية السلع التجارية وحركة الملاحة البحرية واستخدام الموانئ في عُمان والمناطق التابعة لها، وتوسعت العلاقات لتشمل المجال السياسي من خلال تبادل القناصل وعقد الاتفاقيات السياسية لتصل إلى أوج قوتها في القرن الثامن عشر إلى بعد منتصف القرن التاسع عشر، حيث هيمنت بريطانيا على البحار والمحيطات في إطار اتفاقيات تنوعت ما بين الحماية التي وقعت بين بريطانيا وعدد من الدول أو تلك التي فرضت بريطانيا بموجبها نموذجا مغايرا من الاتفاقيات لتحظى من خلالها بامتيازات خاصة في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وكرّست هذه الاتفاقيات والإجراءات وسدت كافة السبل والأبواب لضمان عدم منافسة الدول الأوروبية لها، لاسيما وأن المنطقة قد شهدت تنافسا بريطانيا فرنسيا أفضى في بعض الحالات إلى الصدام العسكري والخلاف السياسي.
وأضاف الضوياني لهذه إن تناول موضوع العلاقات العُمانية البريطانية في ظل التنافس الأوروبي والأمريكي يهدف إلى تحليل ومناقشة تاريخ العلاقات العُمانية البريطانية ودورها الحضاري والسياسي والتاريخي والاقتصادي والثقافي في مختلف المجالات خلال الفترة التاريخية من القرن السابع عشر إلى نهاية القرن التاسع عشر. ومن هذا المنطلق فإن الأوروبيون وعلى وجه الخصوص فرنسا يتطلعون إلى دول المنطقة والتي شهدت هذا التنافس الذي أفضى في حالات عدة إلى صدام مسلح، حيث أن الاتفاقيات التي تبرمها هذه الدول غالباً ما تتضمن تقيد الدولة الخاضعة لنفوذها بعدم تمكين تلك الدولة من إبرام اتفاقيات مع عُمان المرتبطة بعلاقات متينة معها.
كما قال رئيس الهيئة، إن الأمر يقودنا إلى البحث والتعمق في كافة الجوانب التي بدأت بها العلاقات بين البلدين في مراحلها المختلفة، حيث تكشف البحوث والدراسات اختلاف مسار هذه العلاقات التي اتسمت في بدايتها بالتوازن والتكافؤ في الجوانب التجارية والاقتصادية وصولا إلى القرن العشرين الذي شهد مرحلة تقييد حركة النشاط التجاري والاقتصادي وفرض شروط تلزم ضرورة إخطار الجانب البريطاني في حالة إبرام اتفاقيات أو بناء علاقات مع الأطراف الأخرى. فالتاريخ هو مستودع التجارب وكاشف الحقائق، ولا بد من الانتفاع به، ويأتي ذلك من خلال الرجوع إلى المصادر الأصلية والوثائق والاتفاقيات والمراسلات سعيا إلى كتابة تاريخ شامل يقوم على منهج علمي دقيق ومؤصل، فضلاً عن افتقار المكتبات العربية والأجنبية وعدم معرفتها واطلاعها بوضوح وشمولية لهذا العمق العُماني في هذه المناطق، وخشية تغييب هذا الإنجاز الحضاري والتاريخي العُماني، فإن هذا العمل يلقي الضوء من خلال استعراض البحوث المتنوعة والمحاور ليكشف جانباً من الجوانب الحضارية لعُمان ودورها وإسهامها الإنساني في الحضارة الإنسانية في هذه المناطق، كما سيكون رصيداً هاماً مدوناً يبرز حقائق هذا التاريخ المشرق لعُمان، وذلك بأقلام مختلفة لباحثين من دول عديدة.
أبرز موضوعات
ومن هذا المنطلق فقد تطرقت الدراسات والبحوث في المجلد رقم 22 إلى عدة موضوعات وقضايا بحثية منها 11 باللغة العربية “كدراسة وتحليل البحوث والدراسـات عن العلاقات العُمانية البريطانية والتنافس الأوروبي والأمريكي”، و”المعاهدات العمانية البريطانية صداقة أم تبعية؟ قراءة في نصوص معاهدات النصف الأول من القرن التاسع عشر”، إضافة إلى “الموقف البريطاني من النشاط الفرنسي في عُمان (1759-1814)”، و”مقاومة بريطانيا للنشاط الفرنسي في عُمان في عهد السلطان سلطان بن أحمد (1798-1804)” حيث يبرز حرص بريطانيا منذ تدشين علاقتها بشكل رسمي مع عمان على توقيع معاهدة 1798 مع السلطان سلطان بن أحمد وعلى مقاومة النشاط الفرنسي في منطقة الخليج بصفة عامة، وفي عمان بصفة خاصة، إلى جانب “أثر مراسلات القنصل الفرنسي “لاكو” مع وزارة الخارجية وأثرها على العلاقات العُمانية-البريطانية” يبرز كيف لعب القنصل الفرنسي لاكو دوراً متميزاً في تعقب العلاقات العمانية البريطانية من خلال مراسلاته مع وزارة بلاده للخارجية، كما تناول الإصدار “الإنجليز والأوضاع السياسية بعُمان نهاية القرن 19 في ضوء الأرشيف الدبلوماسي الفرنسي” فإنها تعتمد بالدرجة الأولى على الوثائق الأرشيفية الفرنسية المحفوظة بمركز الأرشيف الدبلوماسي الفرنسي “لاكورناف” بباريس، ومن ناحية أخرى فإن البحث بعنوان “الموقف الإيطالي من معاهدة 1891 بين عمان وبريطانيا” والذي يعتمد على وثائق إيطالية كمصادر أساسية لهذه الدراسة، إلى جانب “رؤية روسية للعلاقات العُمانية البريطانية من خلال الوثائق والسرديات الروسية (1885-1895)” و “موقف بريطانيا من العلاقات العُمانية الأمريكية (1833-1861): دراسة وثائقية” حيث كانت بريطانية تخشى من تأثير هذه العلاقات على نشاطها الاقتصادي في مواني عمان ونفوذها السياسي في المنطقة، كما يشير البحث عنوان “المصالح البريطانية في عُمان خلال القرن التاسع عشر: قراءة من خلال التنافس الدولي والتنافس الأمريكي البريطاني” إلى أنه من المؤكد أن بريطانيا سبقت الولايات المتحدة في الخليج العربي عموما وعمان على وجه الخصوص. وفي “علاقة الإمبراطورية العُمانية بالقوى الاستعمارية الكبرى في عهد السلطان سعيد بن سلطان (1804-1856)” تؤكد بأن عصر السيد أحمد بن سعيد مؤسس الدولة البوسعيدية قد شهد تزايد التنافس البريطاني الفرنسي على منطقة الخليج العربي خاصة خلال فترة ما يعرف بحرب السنوات السبع (1756-1763) حيث آثر البقاء على الحياد حفاظا على استقلال عمان.
أما عن الأبحاث والدراسات باللغة الإنجليزية فقد شملت ثلاثة دراسات، الأولى بعنوان “عُمان وبريطانيا وفرنسا في عهد السلطان فيصل بن تركي (1888-1913م)” يشير إلى أن السلطان فيصل بن تركي كان سيء الحظ لتوليه السلطة خلال فترة التراجع الاقتصادي في مسقط وعمان، فوجد نفسه ضحية لتجدد المنافسة الحادة بين فرنسا وبريطانيا، والتي أثرت بشدة على مسقط وعمان خلال تسعينيات القرن التاسع عشر، وكان نهج السلطان فيصل الموروث عن والده هو السعي لتقليل الاعتماد على البريطانيين. إضافة إلى دراسة بعنوان “تطور العلاقات العُمانية البريطانية في ظل التنافس الأوروبي الأمريكي” وثالثة بعنوان “فرق تسد: الدور البريطاني في تقسيم سلطنة عمان وزنجبار، الأسباب والتبعات (1871-1798)”