عُمان منذ الأزل.. مسيرة أمة ضربت جذورها في أعماق التاريخ

كتاب يحكي بالصور قصة الإنسان العُماني وتكيفيه مع هذا الأرض عبر سبعة آلاف عامٍ وأكثر

****

 4 مجلدات ضخمة و1,792 صفحة و5,188 صورة تعيد توثيق تاريخ الأمة العُمانية منذ فجر الكون

مسقط – وجهات |

رعى وزير التراث والسياحة سالم بن محمد المحروقي، رئيس مجلس أمناء المتحف الوطني، حفل تدشين الموسوعة التاريخية العُمانية المصورة “عُمان منذ الأزل.. سجل تأريخي مصور”، والذي اقيم اليوم في المتحف الوطني، وبحضور عدد من الوزراء والوكلاء والمدعوين.

تضم الموسوعة أربعة مجلدات من القطع الكبير تُعيد توثيق التاريخ العُماني منذ أكثر من 7 آلاف عام. الموسوعة جاءت بتوجيهات سامية من لدن المغفور له بإذن الله، السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور، طيب الله ثراه، وأشرف عليها المستشار المتقاعد لجلالة السلطان لشؤون التخطيط الاقتصادي، ويُعد المتحف الوطني أحد الداعمين والمساهمين الرئيسين بالإضافة إلى الجهات الأخرى في تنفيذ المشروع.

جاءت الموسوعة في 1,792 صفحة، تضم 5,188 صورة تم اختيارها وتوثيقها من بين أكثر من 150,000 صورة تم جمعها من مختلف المصادر، في محاولة لإعادة كتابة التاريخ العُماني بموضوعية بحتة بعيداً عن التهويل وقريباً قدر الإمكان من الواقع المثبت، ليكون الكتاب بمثابة مرجع دقيق للدارسين والباحثين في هذا المجال. حيث استلهم القائمون على الكتاب، توجيهات جلالته، رحمه الله، لأبنائه الطلبة في زيارته التاريخية لجامعة السلطان قابوس في مايو 2000م، حين فند بكثير من التفصيل التحريف الذي وقع على التاريخ على امتداد العصور الماضية، بحيث أصبح بعضوقائعه خارجاً عن المعقول. حينها دعا جلالته الدارسين والباحثين في التاريخ إلى ألا يأخذوا كل ما كُتب على أنه أمر واقع، ولكن عليهم أن يفكروا في الأمر ويبحثوه ويناقشوه، ويرون ما هو معقول وما هو غير ذلك وبالتالي يمكن تصحيح بعض هذا التأريخ. 

ويقول محمد بن الزبير عن رحلة تأليف هذه الموسوعة المصورة: في أكثر من لقاء جمعني بالمغفور له بإذن الله، كان جلالته يتحدث عن موضوع التاريخ العُماني وضرورة تنقيته من الشوائب، كان يحثنا دائماً على أن نبدأ في هذا المسار. حينها بدأت هذه الرحلة عبر وضع دراسة شاملة لإمكانية تأليف هذه الموسوعة، حيث جاءت نتائج هذه الدراسة لتشير إلى ضرورة وضع سجل مصور لهذا التاريخ بحيث تقطع الشك باليقين وتنقل الحقيقة بواقعية وصدق. التحدي الأول كان الحصول على الصور المناسبة التي تغطي هذه المرحلة الزمنية الهائلة، ولذلك اعتمدنا على الآثار واللقى والنقوش القديمة التي تم العثور عليها في مختلف أرجاء السلطنة، إلى جانب المعالم التاريخية التي عملنا على دراستها وتوثيقها بالصورة. كما قامت اللجنة العلمية المساعدة بوضع قائمة دقيقة بكتابات المؤرخين الثقاة وزوار عُمان الذين تركوا رواياتهم عن تاريخ هذه المنطقة، حيث تم جمع هذه الكتابات وتدقيقها وتوثيقها والأخذ منها ما يمكن اعتباره واقعاً بعيداً عن الخيال أو التهويل، ليتم وضع تلك المعلومات في صيغة رسوم بيانية بتقنية “الإنفوجرافك” بحيث يسهل على القارئ الوصول إلى المعلومة بأقل عدد من الكلمات. 

الشكل الذي أتى عليه الكتاب في النهاية، يمكن اعتباره أسلوباً محدثاً في عرض المحتوى، يمزج ما بين السردية القصصية والتسلسل الزمني، وما بين الصورة والشعر والألوان، معتمداً على الصور الضوئية والأشكال الفنية التوضيحية المستندة إلى الأدلة العلمية واللُقى الأثرية، مع أقل قدر ممكن من النصوص أو التعليقات، لتفادي أية أحكام مسبقة أو جمل إيحائية، وبما يتيح المجال لخيال القارئ أن يحلّق في فضاءات لربما لم يعرفها أو يدركها من قبل عن الإنسان في عُمان، وليستطيع من خلالها أن يتصور عظمة التاريخ العُماني وتفرد التجربة العُمانية، وأن يسبر أغوار الممكن والمستحيل ليحافظ على هذه العظمة وهذا التفرد، بأشكال وأنماط من التفاعل والوجدان التي تتناسب مع المستقبل.

4 أجزاء تسرد حكاية 7 آلاف عام

تأتي أجزاء الموسوعة الأربعة لتسرد الحكاية العُمانية وفق تسلسل زمني دقيق، حيث يتضمن الـجــزء الأول صوراً تحكي قصة عُمان منذ الزمن السحيق إلى ما قبل دخول أهل عُمان في الإسلام. فمنذ أكثر من 700 مليون عام تشكلت أرض عُمان مكونة تركيبة جيولوجية فريدة، وفي الوقت ذاته عملت عوامل التعرية المختلفة على تشكيل هذا السطح مكونة ظواهر طبيعية متنوعة أثْرت في تنوع المناخ والثروات الطبيعية والأنشطة الإنسانية البدائية، لِتَتْبعها الأنشطة الصناعية والتجارية والملاحية، التي تطورت عبر الحقب التاريخية، بما صاحبها من تطور فكري وثقافي وعمراني، تولد من المكان والعلاقات المتبادلة السلمية والحربية.

أما الـجـــزء الثاني من الموسوعة فيغطي الفترة الزمنية الممتدة من دخول أهل عُمان في الإسلام حوالي 629 – 630 م إلى ما قبل تولي السلطان قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه، مقاليد الحكم في العام 1970، حيث تحكي المخطوطات والصور إسهامات الإنسان العُماني الحضارية والتاريخية في مجالات شتى، كالأدب واللغة والفقه، والطب، والمعمار، والعلوم، والفنون، والملاحة، والتجارة وغيرها. لتنتهي بمجال الحكم والسياسة؛ حيث تظهر الأُسر التي حكمت عُمان عبر العصور الإسلامية والحديثة، وصولاً إلى سلاطين دولة البوسعيد وما تركوه من بصمات واضحة في التاريخ العُماني الحديث.

أما الـجــزءان الثالث والرابــع فيتناولان عصر النهضة الحديثة إلى حيـن انتقــال السلطــان قابــوس بن سعيد، طيب الله ثراه، إلــى الرفـيــق الأعـلــى في 10 يناير 2020، وتولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد مقاليد الحكم في 11 يناير 2020 حـيــث ينـطـلــق الـجــزءان من 23 يوليو 1970 لحظة بزوغ فجر النهضة الحديثة، في تسلسل موضوعي يتناول التنمية الإنسانية كامتداد للتطور الإنساني والحضاري على هذه الأرض. فتحكي قصص الإنجازات العُمانية على جميع المستويات التنموية، والثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والعلاقات الدولية المتميزة، كما تعكس النقلة النوعية التي تحققت لعُمان خلال العقود الخمسة الماضية.

ويختتم محمد بن الزبير المقدمة التي وضعها لهذه الموسوعة بالقول:  إنه لشرف كبير أن يترجم هذا العمل ما عبر عنه المغفور له بإذن الله السلطان قابوس في خطابه في جامعة السلطان قابوس عام 2000م بالدعوة إلى البحث والتدقيق لكتابة تاريخ عُمان بالاعتماد على الحقائق المصورة، ولعل هذا العمل يكون بداية لأعمال أخرى مماثلة لكتابة التاريخ العُماني بشيء من الواقعية والابتعاد عن التهويل والتحريف. أرجو أن يتاح للشباب العُماني من خلال هذا الكتاب الاطلاع على لمحات من تاريخهم التليد، والكثير من تاريخهم المعاصر برصد خالٍ من الشوائب، وفي قالب عصري مشوق.