إسطنبول – وكالة أنباء تركيا|
تحظى زيارة المعالم الدينية والتاريخية في تركيا عموما وإسطنبول خصوصا، بمكانة هامة لدى السياح الوافدين من مختلف دول العالم العربية والغربية، سواء كانت تلك المعالم مساجد أوكنائس وحتى متاحف.
وتتوجه الأنظار إلى المعلم التاريخي والأثري الهام، آيا صوفيا، الذي صدر قرار إعادته مسجدا، اليوم الجمعة، كما كان عند فتح مدينة القسطنطينية (إسطنبول حاليا) على يد السلطان العثماني محمد الفاتح.
وعلى الرغم من أن تركيا لم ولن تمنع أحد من زيارة المساجد التاريخية والتمتع بتصاميمها العمرانية الفريدة، إلا أن بعض المعارضين لمسألة إعادة آيا صوفيا مسجدا، يحاولون الترويج بأن تركيا وعند تحويل آيا صوفيا للعبادة فإنه لن يكون متاحا أمام السياح بعد اليوم، الأمر الذي استبعدته الرئاسة التركية بشكل نهائي.
وحول ذلك قال المحلل السياسي، مهند حافظ أوغلو لـ “وكالة أنباء تركيا”، إن “آيا صوفيا صرح عالمي أضيفت له الروح الإسلامية، ولن يتغير في كونه أحد أهم المعالم على وجه الأرض إذا ما قرر إعادته لمسجد، على العكس، سيبعث فيه عبق التاريخ، وسوف يتمكن السياح من دخوله ومجاناً كذلك فهو ملك لكل البشرية”.
وأضاف حافظ أوغلو أن “اعتباره مسجدا لا ينقص من قيمته التاريخية بل يزيده بعداً، ولا أوضح من أن يستذكر الواحد منا كيف تعامل السلطان محمد الفاتح مع أهل القسطنطينية آنذاك ليؤكد على التسامح الإسلامي، وأنه دين انفتاح على كل الناس وليس منغلقاً على المسلمين وحسب، فآيا صوفيا معلم حضاري، ومن أراد دخوله للتجول في التاريخ فله ذلك، ومن أراد دخوله للصلاة فله ذلك أيضا”.
وتولي تركيا اهتماما متزايد بالجماعات غير المسلمة سواء مسيحية أو يهودية على الأراضي التركية، خاصة في ظل وجود أكثر من 400 كنيسة مفتوحة للعبادة في تركيا، حسب الرئاسة التركية، والتي أكدت على حرص تركيا على الرموز المسيحية وغيرها من الرموز الأخرى، والسماح بزيارتها دون وضع حواجز وعوائق أماممن يريد ذلك.
من جهته الكاتب والمحلل السياسي، محمد علي صابوني قال لـ “وكالة أنباء تركيا”، إن “عملية إعادة آيا صوفيا إلى مسجد هو شأن تركي بامتياز، خاصة وأن السلطان محمد الفاتح رحمه الله وبعد فتحه للقسطنطينية قام بشراء هذا المعلم قبل أن يحوله إلى مسجد، وقد آثر حينها إلا أن يثبت عملية الشراء تلك بعقد رسمي ولا زال العقد موجود في دائرة السجل العقاري الرسمية في أنقرة”.
وأضاف صابوني “أما عن إدعاء بعض الجهات خشيتهم من أن يُمنع السياح من زيارة هذا المعلم التاريخي، فهي خشية غير مبررة على الإطلاق، ومن المعروف أن تركيا لم تمنع أحداً من زيارة مساجدها ومعالمها الأثرية لا سابقاً ولا في الوقت الحالي، بل إن كل من زار تركيا يدرك بأنها دولة مضيافة ومفتوحة على العالم أجمع”.
وتابع صابوني أن “ما تلك الادعاءات سوى من باب التصيّد السياسي الأعمى استكمالاً للحملة الشعواء التي شنتها وتشنّها بعض القوى العالمية على تركيا، بغية إشغالها عن هدفها الأساسي الذي رسمته لنفسها، وهو قيادة البلاد بثقة وقوة واستقرارٍ اقتصادي وسياسي وعسكري لتجاوز العام 2023، والانعتاق من نير الاتفاقيات المجحفة التي كبلت تركيا طيلة تلك السنوات”.
أما الدكتور في قسم اللغة العربية وبلاغتها في جامعة إسطنبول، معاذ البوريني فقال لـ “وكالة أنباء تركيا”، إن “الجدل كثُر هذه الأيام حول قرار تحويل متحف آياصوفيا إلى جامع مرة أخرى، والحقيقة أن المتابع للأمر، يعرف حقيقة أنّه مناكفة سياسية للنظام الحاكم في تركيا، ومعاداة عنصرية بغيضة لكل من يختلف عن الآخر في التفكير، فأكثر المعارضة جاءت بدافع عنصري ديني من الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا، والكثير يعلم ما يحدث من شدّ وجذب في العلاقة بين روسيا وتركيا، والمعترض الآخر هو اليونان، ولسنا بحاجة لذكر العداء التاريخي بين اليونان والأتراك”.
وأضاف البوريني أن “الأمر هو محاولة سافرة للتدخل بشأن تركي بحت بدعوى غلافها الطابع الإنساني، وباطنها البغض للترك والتدخل في شؤونها ومحاولة استعراض للقوة من قبل روسيا بالذات”.
وتابع البوريني أن “هذه الإنسانية المفرطة لا تظهر عندما يحدث أمر يعجبهم، فهدم مئات المساجد في أحد البلاد المسلمة العربية لا يدعو للاعتراض أو الشجب وقتل المسلمين في دولة ما أمر لا يعنيهم، ولكن تحويل متحف لمسجد استمر لخمسة قرون مسجدا منذ فتح إسطنبول أمر يهمهم”.
وأشار البوريني إلى أن “هناك نقطة أخرى، ألا وهي أنّ الاقتصاد التركي قائم في جزء كبير منه على السياحة، وهناك الكثير من المساجد المفتوحة أمام السيّاح والزوّار من مختلف الأجناس والأديان ترحّب بهم الدولة وتسمح لهم بزيارتها بكل ترحاب وسرور إوستبقى كذلك، كما يزور السياح الأجانب مسجد السلطان أحمد أو كما يطلقون عليه the blue mosque المسجد الأزرق أو مسجد السليمانية وغيرها الكثير، فالحكومة لا تمنع أحدا من الزيارة وسيستمر السياح بالدخول إلى المكان، وقد يكون هذا مجانا بعد أن كان عن طريق شراء تذكرة دخول، يعني ما سيزيد فقط أن الصلاة ستقام في هذا المسجد من جديد”.
ووسط ترقب الملايين، ألغى القضاء التركي، اليوم الجمعة، قرار مجلس الوزراء الصادر عام 1934، والذي كان يقضي بتحويل آيا صوفيا من “مسجد” إلى “متحف”، ما يعني أن آيا صوفيا عاد مسجدا، كما كان منذ فتح مدينة القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح.