مسقط – العمانية|
تزخر السلطنة على طول سواحلها بالعديد من الكائنات البحرية اللافقارية كالقشريات والرخويات والمحاريات التي تعد من الأنواع ذات القيمة الاقتصادية العالية، ومن المؤمل أن تساعد الدراسات والبحوث القائمة حولها في توفير المعلومات والبيانات المهمة اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة لمصائد تلك الأنواع وتعزيز الأمن الغذائي والتنويع الاقتصادي.
ومن بين أهم الكائنات البحرية اللافقارية المستغلة تجاريا في بحار السلطنة أذن البحر (الصفيلح)، وجراد البحر (الشارخة)، والروبيان والحبار وخيار البحر وسرطان البحر (القبقب)، ولكن هناك العديد من المحاريات التي لا تزال غير مستغلة تجاريا وغير مستكشفة، وقد ركزت الدراسات والبحوث والمسوحات السابقة التي أجرتها وزارة الزراعة والثروة السمكية على تقييم المخازين السمكية للأنواع عالية القيمة مثل أذن البحر (الصفيلح)، وجراد البحر الشوكي (الشارخة)، والروبيان والحبار وخيار البحر.
وتعتبر المحاريات ذات قيمة غذائية واقتصادية عالية تنتشر بشكل كبير في محافظات السلطنة الساحلية وهي كائنات بحرية تنتمي لمجموعة اللافقاريات الرخوية الصالحة للأكل ومصدرا مهما للبروتين في كثير من المناطق الأستوائية والمعتدلة والدافئة وشبه الأستوائية، وأجسامها تحتوي على أصداف تتميز بألوان وأشكال وأحجام متنوعة وهي تتواجد أيضا في بيئات مختلفة منها الطينية والصخرية والرملية. وتنقسم المحاريات حسب عدد أصدافها إلى ثلاثة أقسام ، فهناك محاريات أحادية الصدفة مثل القواقع والحلزونيات ومحاريات ثنائية الصدفة وهي التي تحتوي على صدفتين متصلتين ببعضهما البعض مثل محار اللؤلؤ، ومحاريات متعددة الأصداف والتي يحتوي جسمها على أصداف مجزأة كالكايتون (العط أو حرشيف)، وللمحاريات أهمية كبيرة للبيئة البحرية فهي تعمل على تحسين جودة الماء ونقاوته ولها قيمة غذائية عالية أيضا فهي مصدر غذائي مهم لاحتوائها على أنواع من البروتينات العالية الطاقة وتوفير بعض الأحماض الأمينية الأساسية لغرض النمو وأنشطة الجسم الحيوية، ولهذه البروتينات أهمية خاصة منها أنها تقوم بدور في الحد من الأمراض المزمنة كأمراض القلب والسرطان وغيرهما، وتحتوي المحاريات أيضا على كميات قليلة من الدهون المشبعة وبروتين عالي النوعية. وتعد المحاريات أحد روافد التنويع الاقتصادي ودخولها في المجالات الصناعية والتقنيات الحيوية، ومن هذا المنطلق نفذت وزارة الزراعة والثروة السمكية ممثلة في المديرية العامة للبحوث السمكية خلال الفترة بين عامي 2014 و 2016 مشروعا للمسح الميداني الاستكشافي لموارد المحار في المياه الساحلية ليشمل المسح 30 موقعا ضمن 6 محافظات ساحلية من محافظات السلطنة، وذلك في سواحل محافظة مسندم وحتى محافظة ظفار.
ومر تنفيذ المشروع بعدد من المراحل المتتابعة وهي : تحديد المناطق المراد دراستها والأوقات المناسبة لبدء عملية المسح واختيار الطرق المناسبة لمسح الشواطئ المختارة وتنفيذ الزيارات الميدانية للمواقع وتجميع العينات وحفظ العينات وتخزينها للعمل في مختبرات مركز العلوم البحرية والسمكية وتصنيف المحاريات بواسطة التصنيف العلمي الدقيق وأخذ القياسات المورفولوجية والبيولوجية وتدوينها وإعداد التقرير النهائي للمشروع وإصدار الدليل الحقلي لتوزيع المحار.
وقال خلفان بن محمد الراشدي باحث في الشؤون الفنية بالمديرية العامة للبحوث السمكية بوزارة الزراعة والثروة السمكية والمتخصص في المحاريات لوكالة الأنباء العمانية إن المسح الميداني لموارد المحار استهدف توفير بيانات أساسية عن أنواع المحاريات وبيئاتها في المياه الساحلية العمانية وتوزيع السائد منها في كل منطقة، ومعرفة التوزيع الجغرافي للأنواع التجارية المهمة من المحار، وإصدار دليل حقلي يشمل جميع الأنواع المصنفة في السلطنة، وليكون مصدرا مرجعيا للباحثين والمهتمين بالمحاريات ، إضافة إلى إنشاء مجموعة مرجعية للعينات المختلفة من المحار وحفظها وتخزينها.
وأوضح أن “نتائج المسح صنفت 252 نوعا من المحاريات في مواقع المسح في بحار السلطنة الثلاثة (الخليج العربي، وبحر عمان، وبحر العرب)، وكانت القواقع البحرية هي الأكثر شيوعا وتواجدا بعدد 156 نوعا وهناك 92 نوعا من المحاريات ثنائية الصدفة و4 أنواع من المحاريات متعددة الأصداف، ومن نتائج هذا المشروع التحديد الجغرافي لهذه المحاريات والبيئة التي تعيش عليها، ومن مخرجات المشروع إصدار الدليل الحقلي للمسح الميداني الاستكشافي لموارد المحار في المياه الساحلية وهو في المراحل الأخيرة من الطباعة ليشكل مصدرا علميا للباحثين والمختصين وسيتم إصداره خلال النصف الأول من العام الحالي تحت عنوان “المحاريات في سلطنة عمان” باللغة الإنجليزية وبه بعض التعريفات والخلاصة باللغة العربية”.
وأشار إلى أن “المحاريات التي تم مسحها كانت في المياه الضحلة، فمنها من تتغذى عن تصفية مياه البحر ومنها من تتغذى على الطحالب البحرية، أما في المياه العميقة فهناك كنوز لا يعلمها الا الله ، مؤكدا أن “بحر العرب أكثر إنتاجية للمحاريات مقارنة ببحر عمان حيث إنه يتميز بوجود الرياح الموسمية الجنوبية الغربية (فترة الخريف) والتي تنتج عنها ظاهرة انبثاق المياه العميقة التي تأتي إلى الأعلى والمياه السطحية تذهب إلى الأسفل وفي حالة دورانها فينتج عن ذلك ما يسمى بتسميد البحر ويجعله بيئة شبه خصبة لتكاثر الكائنات البحرية ونموها وتغذيتها بصفة عامة وهذه الحالة مميزة جدا في بحر العرب”.
واضاف الراشدي إن “من المحاريات المنتشرة في السواحل الرملية في السلطنة ويتم استغلالها محليا محاريات الدوك ثنائية الصدفة ويتم صيدها وجمعها على شواطئ محافظتي الباطنة ومسقط وتعرف عملية الصيد بجني الدوك، وتوجد لها بعض الأكلات الشعبية كمعصورة الدوك ومن المحاريات ثنائية الصدفة والتي تتواجد ملتصقة على الصخور “جمع الزوكة” ويتم جمعها بشكل منتظم في محافظة ظفار خاصة في حاسك وحدبين وسدح وتعرف عالميا بالأويستر، وتميزت محافظة الوسطى بصيد محارات “الرحس” والرحس هي عبارة عن عدة أنواع من القواقع بحرية تنتشر بين الصخور والرمال ولها قيمة عالية جدا، كما يستخرج منها ما يعرف محليا بالظفران وهي في الأصل غطاء يحتمي الحيوان بداخله، ويجفف الظفران ليمزج مع اللبان ويستخدم في التبخير ليعطي رائحة معطرة، ومن المحاريات ثنائية الصدفة ايضا بلح البحر وهو ما يعرف محليا بـ “فذك في ظفار وفاذك بمحافظة الشرقية”، وايضا محاريات “ام عوينة” في محافظة الباطنة، مشيرا إلى أن المحاريات المتعددة الأصداف تتواجد على الصخور وتسمى في مسقط (العط) وفي محافظة ظفار (حرشيف) وباللغة الانجليزية (كايتون) وصدفاته المتعددة على شكل حراشف على ظهره وهي حوالي 8 صفائح على شكل خطوط ولحمه لذيذ وقيمته الاقتصادية عالية والسلطنة من الدول القليلة على مستوى العالم التي يأكل سكانها هذه النوع من المحاريات”.
وحذر الراشدي في ختام حديثه من أكل المحاريات اثناء المد الاحمر او التلوث “لأن بعض الانواع مثل المحار الصخري يتغذى من تصفية الماء، الذي يحمل خلال المد الاحمر بعض انواع البكتيريا الضارة فتدخل الى جسم المحار مما يؤثر على الانسان عند اكله”.