كويكول.. مدينة متكاملة تروي قصص الرومان في الجزائر

الجزائر – العمانية|

على بعد 50 كيلومتراً من محافظة سطيف الواقعة شرق العاصمة، تشد نظرك مدينة رومانية بأكملها توسطت سلسلة من الجبال في شمال السهول العالية، وكلما تقدمت نحوها أكثر، يسيطر عليك شعور غريب بأنك ولجت نهاية القرن الأول الميلادي من أوسع أبوابه، ونظرا لخصوصيتها المتمثلة في كونها مدينة متكاملة تقع على هضبة بارتفاع يفوق 900 متر، مما نجم عنه نمط عمراني يختلف عن باقي المدن الرومانية، تم تصنيفها ضمن قائمة التراث العالمي منذ عام 1982.

إنها مدينة كويكول (الاسم الروماني)، أو جميلة (الاسم العربي)، التي تتربع على مساحة قدرها 42 هكتارا، وقد بنيت في عهد الإمبراطور الروماني نيرفا من طرف قدماء المحاربين لتكون مستقرا لهم، وشهدت المدينة مراحل كبيرة في بنائها وتطورها، ففي عهد الأباطرة الانطونيين، تم إنشاء الساحة العامة والسوق والمسرح، وفي عهد السيفيريين، تم تشييد المعبد وقوس النصر والساحة التي تحولت في ما بعد إلى ساحة عامة جديدة بالنسبة للمدينة، ثم شيًد الحي المسيحي في القرنين الرابع والخامس الميلاديين، قبل أن تسقط المدينة في يد الوندال سنة 431 م، ويغشاها النسيان.

ومن بين معالم هذه المدينة التاريخية، التي تلفت انتباه الزائر، الحائط الحامي أو ما بات يعرف بالحائط البدائي الذي يتكون من جدارين، داخلي وخارجي، ويمتد من الشمال حتى الجنوب الغربي على مساحة تقدر بـ 8 هكتارات مرتفعا إلى نحو ثلاثة أمتار. 

وفي قلب المدينة الأصلي، تبرز الساحة العامة، والتي تمتد بطول 48 مترا وعرض 44 مترا، ولديها مدخلان جانبيان؛ مدخل من الناحية الجنوبية يتم الوصول إليه عن طريق قوس مبني لم تتبقَّ منه إلا القاعدة، وضم بين جوانبه مجموعة من الكتابات لأباطرة من القرن الثاني إلى القرن الرابع الميلادي.

وأكثر ما يميًز مدينة جميلة، الحمامات التي تتربع على مساحة 2600 متر مربع، ويمكن الوصول إلى الحمام عبر طريق مكوّن من ستة عشر درجا، ويضم الحمام ثلاث قاعات إحداها باردة، وأخرى دافئة، وثالثة ساخنة، وذلك مراعاة لمبدأ التدرُّج الحراري. 

ويُعد قوس النصر، الذي أقيم سنة 216 م، تحفة معمارية بنيت على شرف الإمبراطور كركلا، حيث يتكون هذا المعْلم من قوس واحد وطابقين، ويتميز بأنه يحدد الجهة الغربية للمدينة وبداية الطريق نحو مقاطعة موريتانيا، ويُقدّر علوه بنحو 12 مترا، وعرضه بـ 10 أمتار.

أما المسرح، فيُعتبر من أهم المعالم الأثرية التي تركها الرومان، حيث بني على هضبة تستند إلى مقاعد المدرجات التي تتسع لـ 3000 متفرج، وتتوزع المدرجات على سلسلتين، وما يزال هذا المسرح يحتفظ بالجدران المواجهة للخشبة والمزين بكوات مستديرة ومربعة بهدف الحصول على صدى جيد للصوت.

وإلى جانب كل هذه الآثار المنترة في الهواء الطلق، تحتوي المدينة على متحف أقيم بالموازاة مع الحفريات، ويشمل ثلاث قاعات، وقاعة رابعة مفتوحة على القاعة الأولى. ويحتوي هذا المتحف الذي استُغل كمتحف موقع، سنة 1937، على لقى أثرية، وهو مشهور بالفسيفساء، حيث يضم عددا هائلا منها تعود إلى الحقبتين الوثنية والمسيحية، تزين أرضية وجدران المتحف، وكل فسيفساء تروي قصة، من بينها فسيفساء اختطاف أوروبا في القاعة الثانية، وفسيفساء أسطورة باخوس في القاعة الثالثة، بالإضافة إلى تماثيل ومعدات كان الرومان يستعملونها في حياتهم اليومية. 

ورغم أن كل ما يوجد في كويكول يدل على وجود الرومان في هذه المنطقة، إلا أن هناك مواقع أخرى تعود لما قبل التاريخ، مثل موقع الحلزونات الذي يقع على بعد 5 كلم، أو ما يعرف بـمنطقة “الجباس” التابعة لمدينة جميلة، بحسب المرشد السياحي للموقع عقبة بومنجح، الذي قال في حديثه لـوكالة الأنباء العمانية إن الاستعمار الفرنسي أثناء الحفريات، وجد بقايا تعود للفترة الإسلامية، لكنه طمسها بهدف البحث عن حضارة أوروبا. 

ورغم أن الزائر لهذه التحفة الأثرية يحظى بمشاهدة نحو 42 معلما تاريخيا، تضمها مدينة متكاملة الأضلاع، إلا أنه لا يزال هناك نحو 33 هكتارا من المدينة مطمورا تحت الأرض، ولكن الحفريات بها توقفت منذ عام 1957، بحسب بومنجح، الذي أرجع ذلك إلى اشتداد ثورة التحرير الجزائرية التي أجبرت الاستعمار الفرنسي على توقيف الحفريات وتعزيز صفوفه العسكرية.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*