ممباسا – العمانية |
افتتحت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية المعرض المتحفي الدائم في قلعة ممباسا بكينيا بعد مشروع تطوير وتحسين وترميم الأماكن والشواهد التاريخية والمقتنيات الأثرية والوثائقية في البيت العماني وقاعة المزروعي والمتحف بالقلعة.
رعى حفل الافتتاح الذي أقيم الليلة الماضية، الدكتور حسن واريو وزير الرياضة والثقافة والفنون الكينية، وبحضور معالي نجيب بلالا وزير السياحة الكيني، والدكتور حمد بن محمد الضوياني رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية والسفير صالح بن سليمان الحارثي سفير السلطنة المعتمد لدى كينيا وعدد من كبار المسؤولين والشخصيات العمانية في ممباسا ولامو وماليندي.
جاء هذا الافتتاح بإشراف ومتابعة من هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية بالتنسيق مع سفارة السلطنة في كينيا، وبالتعاون مع وزارة الرياضة والثقافة والفنون الكينية في إطار جهود هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية في التعريف بالجوانب الحضارية والتاريخية للعمانيين ودورهم في المنطقة وما خلفه الأجداد من مآثر علمية وأثرية ووثائقية ايمانا من الهيئة لتثبيت الشواهد والمواقع الاثرية.
وقال الدكتور حسن واريو وزير الرياضة والثقافة والفنون الكينية في كلمته إن الحضارة في ممباسا والمجتمع السواحلي ترتبط بين الحضارة الإفريقية والعربية، مؤكدًا أن السلطنة استطاعت تقريب هذه العلاقة.
وأضاف أن المعرض يجسد حقيقة الثقافة العمانية والدور الكبير الذي قام به العمانيون في دول شرق إفريقيا وبالتحديد في ممباسا، عندما استجابوا لطلب الأهالي في مساندتهم لتخلص من المحتل البرتغالي، فكان انتصارهم وتحريرهم لممباسا هو انتصارا للشعب الكيني ولأهالي ممباسا العريقة.
من جانبه قال الدكتور حمد بن محمد الضوياني رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية في كلمة الافتتاح إن هذا الحفل يجسد معاني المحبة والمودة ورقي التعامل الحضاري لمجتمع ممباسا الذين أسهموا في جعل مدينتهم مدينة حضارية وتاريخية أكدوا من خلالها على نمط العيش الذي جمعهم على التسامح.
وأضاف الدكتور أن الشعوب والأمم تمضي فرادى وجماعات تهاجر من بقاع واصقاع مختلفة وتحط رحالها من حيث تطمئن نفوسها وتستقر لتتخذ تلك الأماكن اوطانا بمرور أقوام وتأتي أقوام أخرى تهجر أماكن وتتزاحم في بقاع أخرى وتتصاهر وتتعايش وتتواصل وتتصل بالحضارات والثقافات فتكٌون ثقافة ولغة وعادات وتقاليد تكتسبها بمرور الزمن تتشكل هويتها وكيانها السياسي والاجتماعي والثقافي.
وأوضح أن القارة الإفريقية شهدت هجرات لقبائل من قارات أخرى ومن مدن في القارة نفسها الى مدن أخرى منذ ما قبل الميلاد فكان التواصل العماني منذ الألف الثالثة قبل الميلاد حركة تجارية وتواصل عبر البحار والمحيطات في سلسلة من القبائل والجماعات المختلفة فضلا عن هجرات من شتى القارة الافريقية الى مدن الساحل وتواصل هجرات عربية أخرى لتقيم معا إمارات في مدن مختلفة.
وبين أن مع تعرضهم الى الغزوات المختلفة كان لهم المقاومة المشتركة للذود عن مدنهم وكياناتهم التي أسسوها معا وتشكل طلب الدعم والمساندة للامتداد العماني في ملاحقة البرتغاليين لتحرير المدن والمواني من عُمان الى الخليج والمحيط الهندي وصولا الى تمكين إخوانهم في هذه البقعة في التخلص من البرتغاليين ويعيدون لمدينتهم ومجتمعهم كيانهم الاجتماعي والثقافي ونظامه وهيكلته الإدارية التنظيمية لتكون ممباسا ولاية على رأس ادارتها والذي يرعى شؤونهم ويجمع لحمتهم الاجتماعية في إطار من المشاركة الاجتماعية التي أبرزتها الوثائق والأدلة التاريخية حول اختيار الولاة والمعنيين بالنظام الإداري من حيث تنظيم الحياة الاجتماعية والشؤون الدينية والثقافية والاقتصادية وأعمال البر والإحسان، وانه مجتمع نشهد اليوم جانبا من تاريخه الممتد منذ قبل الميلاد للوجود العماني.
وأكد الدكتور حمد بن محمد الضوياني أن في قلعة ممباسا الشامخة التي تحكي عبر الزمن مرور أحداث وتاريخ وحضارة منذ تشييدها وصمودها الى اليوم لتعلن للجميع أن التاريخ يشكل عبر مسيرته بأحداثه المختلفة سلسلة متواصلة لأي مجتمع لا يمكن فصل حقبة دون الأخرى، وهكذا فإن تاريخ سلطنة عمان متواصل بمختلف حقَبه وأحداثه وحضارته.
وأضاف الضوياني بأن الغايات المنشودة والأهداف المرجوة تبرز بوضوح العلاقات المتينة التي جمعتنا وروابط الأخوة والدم والعلاقات الأسرية التي تتجسد فيما يربط السلطنة من وشائج و تعزيز متواصل لهذه العلاقات مع كينيا وحكومتها وشعبها.
من جانبه عبر نجيب بلالا وزير السياحة الكيني عن انبهاره من مشروع تطوير وتحسين وترميم الأماكن والشواهد التاريخية والمقتنيات الأثرية والوثائقية في البيت العماني وقاعة المزروعي والمتحف في قلعة ممباسا، وبما يقدمه المعرض المتحفي وما يزخر به من معلومات ذات أهمية كبيرة لتعريف الأجيال بتاريخ المنطقة والدور العماني في ممباسا خاصة.
وقال صالح بن سليمان الحارثي سفير السلطنة في كينيا في كلمة له إن إعادة افتتاح البيت العماني وقاعة المزروعي وأجزاء أخرى من قاعات العرض داخل القلعة بعد الانتهاء في فترة قياسية وجيزة من أعمال التأهيل والتطوير وتزويدها بالمقتنيات الاثرية القيمة لفترة التاريخ العُماني وارثه الحضاري والانساني النبيل وبما يتناسب ومكانة هذه القلعة العريقة كأحد المعالم التاريخية والثقافية والسياحية المهمة في كينيا وكواحدة من أبرز المواقع الأثرية العالمية ليشكل البيت العُماني بمحتواه التاريخي الثري جسر محبة وصداقة بين السلطنة وجمهورية كينيا.
وأضاف السفير؛ أن السلطنة وجمهورية كينيا تزخران بثراء واسع في التاريخ والفنون من خلال مواقعها الأثرية الكثيرة ومتاحفها الكبيرة وفنونها الشعبية المتنوعة.
وأكد على وجود قرى وحارات سكنية كينية عمانية مثل طيوي في ممباسا وجعلان في ماليندي ومدينة سلطان حمود في الطريق ما بين العاصمة الكينية نيروبي ومدينة ممباسا نسبة الى السلطان علي بن حمود حاكم زنجبار آنذاك وهذا دليل على استمرار الروابط الكبيرة التي تدعم تنمية مسيرة العلاقات الطيبة بين البلدين بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم “حفظه الله ورعاه” وفخامة الرئيس اوهورو كينياتا رئيس جمهورية كينيا الصديقة.
تجدر الإشارة إلى أن مشروع تطوير وتحسين وترميم الأماكن والشواهد التاريخية يعد أحد المعالم الأثرية والمعمارية التي ينتظر أن تقوم بأدوار ثقافية متنوعة يهدف من خلالها إلى تأكيد التواجد العماني بكينيا إلى جانب تأكيد عمق العلاقات التاريخية بين السلطنة وكينيا وترسيخ القيم العمانية النبيلة بما يعكس تاريخ عمان وتراثها وثقافتها.
وتوصلت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية إلى صيغة تفاهم مع الجانب الكيني بالتنسيق مع سفارة السلطنة في نيروبي من أجل قيام الهيئة بتنفيذ المشروع وفق المواصفات والتصور الذي تم اعتماده من الجانب الكيني وشمل تحسين وترميم البيت العماني وقاعة المزروعي وقاعة التحف، كما يشمل الجوانب الترميمية والإنشائية للأسقف والجدران والأرضيات والديكور والبلاط وأعمال الجبس والأبواب التاريخية العمانية والنوافذ وصناديق العرض والانارة وشاشات العرض والتكيف وتصنيع سفينة عمانية تعود لعمليات الإبحار والتواصل التجاري العماني منذ القرن الثامن عشر والتاسع شعر لتحاكي السفن العمانية التي تجوب البحار والمحيطات.
وتجسدت أعمال المعرض المتحفي لتكون حكاية للتاريخ العماني من خلال قاعات المعرض الأربع، تتمثل القاعة الأولى في البيت العماني الذي تتناول الهجرات العمانية للجلندانيين والنباهنة وغيرها من القبائل ومراحل التحرير ضد الغزو البرتغالي من خلال الاستجابة العمانية لطلب النجدة من أهالي ممباسا من العمانيين وغيرهم والى عهد الدولة البوسعيدية، حيث يتناول الحقب الزمنية منذ القرن الأول الميلادي والى آخر سلاطين زنجبار مدعوما بالوثائق والاتفاقيات والمقتنيات الأثرية والأوسمة والمنتجات التجارية والمحاصيل الزراعية التي أدخلها العمانيون أو تبادلوا السلع المختلفة ووصفت الوثائق التاريخية باللغات الثلاث العربية والسواحلية والإنجليزية.
وتتثمل القاعة الثانية بقاعة عمان وتتناول الجانب الحضاري والتاريخي لعمان عبر العصور الزمنية قبل الميلاد وإلى عهد حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، حفظه الله ورعاه، وعرض الوثائق والمخطوطات والمقتنيات من الخناجر والسيوف والملابس والإنتاج الزراعي والتبادل التجاري.
واطلق على القاعة الثالثة عمان الحديثة وتتناول المعالم التنموية في السلطنة من مشاريع التعليم والصحة والمعالم السياحية وصور عن الجولات السامية لجلالة السلطان المعظم، حفظه الله ورعاه، وعن مجلس عمان ودور المرأة في التنمية كما زودت بشاشات عرض تبث أفلام عن عمان باللغة العربية والانجليزية، أما قاعة المزروعي فهي تتناول سلسلة تاريخية للولاة من المزارعة وغيرهم ممن تعاقبوا على ممباسا وعرض وثائق تتناول الحياة العامة لمجتمع ممباسا من الصكوك والاتفاقيات والأملاك والبيوع وأعمال الوقف والوصايا والمبادلات التجارية وأعمال البيع والشراء والنشاط التجاري وغيرها للعمانيين وغيرهم في ممباسا وعرض المقتنيات الأثرية من السوف والخناجر والأعمال الفضية وعرض لوحة متكاملة عن نظام الولاة في عمليات التقاضي بحضور الوالي والقاضي وشخصيات أخرى وفرشت التكيات بقطع ووسائد النسيج العماني.
كما يشل العمل تحسينات وصناديق عرض لمتحف القلعة لمقتنيات الجانب الكيني وأعمال الترجمة لجميع المقتنيات، ويؤكد هذا المشروع عمق العلاقات العمانية مع مجتمع ممباسا وعلى حسن التعامل والصداقة التي تربط سلطنة عمان بجمهورية كينيا.