المتحف الوطني يفتتح معرض “بهاء الفضة: مقتنيات من البلاط العُماني” في متاحف كرملين موسكو

موسكو – وجهات| 

 افتتح المتحف الوطني يوم الخميس الماضي، معرض وفعاليات يوم عُمان تحت عنوان ” بهاء الفضة: مقتنيات من البلاط العُماني” في متاحف كرملين موسكو في روسيا الاتحادية، تحت رعاية معالي/ أولغا ليوبيموفا، وزيرة الثقافة في روسيا الاتحادية، والذي يحتفي بتجليات الفضة العُمانية كصناعة رائدة تاريخيا مع إبراز مجموعة منتقاة من المقتنيات التي تعود لسلاطين عُمان في مسقط وزنجبار، ويستمر المعرض حتى 29 سبتمبر 2024.

حضر حفل الافتتاح صاحبة السمو السيدة الدكتورة/ منى بنت فهد آل سعيد، مساعدة رئيس جامعة السلطان قابوس للتعاون الدولي، نائبة رئيس مجلس أمناء المتحف الوطني الموقرة، وسعادة/ جمال بن حسن الموسوي، الأمين العام للمتحف الوطني، وسعادة/ حمود بن سالم آل تويه، سفير سلطنة عُمان المعتمد لدى روسيا الاتحادية، ومعالي/ سيرغي ايفانوف، ممثل خاص لرئيس روسيا الاتحادية المعني بالقضايا البيئية والإيكولوجيا والنقل، وسعادة فلاديمير أوسينتسيف، نائب وزيرة الثقافة في روسيا الاتحادية، والدكتورة إيلينا غاغارينا، المديرة العامة لمتاحف كرملين موسكو، وعدد من المسؤولين والمهتمين في المجال الثقافي والمتحفي. 

يضم المعرض عددا من القطع المتحفية التي تُبرز سحر الفضة في السياق الثقافي لعُمان، حيث تتجلى مظاهر الفخامة والأناقة. ويسلط المعرض الضوء على الأدوار المتنوعة للفضة، هذا المعدن الثمين الذي لم يقتصر استخدامه على بلاط السلاطين فحسب، بل امتد ليشمل تفاصيل الحياة اليومية، كما يُبرز المعرض براعة الحرفيين العُمانيين في المشغولات الفضية، ويمثل فرصة للزائر لسبر أغوار عالم حيث تصبح الفضة رمزًا للجمال والحماية وجوهر الحرفية العُمانية.

 ينقسم المعرض إلى خمسة أقسام رئيسية وهي: الخنجر العُماني، وثقافة الطيب، وفن صناعة الفضة، والأزياء التقليدية، وأزياء النخبة لشخصيات عمانية بارزة في شرق أفريقيا آنذاك. يسلط قسم الخنجر العُماني الضوء على شعار سلطنة عُمان والمتمثل في السيفين والخنجر، ويبين تطور الخنجر العُماني عبر التاريخ حيث تم استخدامه منذ الألف الثالثة قبل الميلاد، وتشير وثائق شركة الهند الشرقية الهولندية عام (1672م) إلى ارتداء الإمام سلطان بن سيف اليعربي خنجرا مشابها للخناجر التي تُلبس اليوم، إذ تقول: “جلالته…كان يوجد حزام حول خصره، ارتدى في وسطه خنجرًا مُغطى بخيوط حريرية” ، ويركز القسم أيضا على أبرز متعلقات الخنجر، بالإضافة إلى أنواع الخناجر العُمانية كالخنجر السعيدي حيث ينسب للأسرة الحاكمة آل سعيد والذي تم صنعه لأول مرة خصيصًا لها، والذي يمكن تمييزه عن بقية الخناجر، وهو عبارة عن مزيجِ من المقبض الرمَّاني المزيَّن وتخريمٍ زينيٍّ كثيف وتركيبة غمد تتألف من سبع حلقات، بالإضافة إلى الخنجر النزواني والصوري، وكما يشمل القسم جنبية مُهداة من علي عبدالله صالح، الرئيس السابق لجمهورية اليمن للسلطان قابوس بن سعيد (طيب الله ثراه).

 أما قسم ثقافة الطيب يركز على كيف تشكل الروائح الزكية جزء من تفاصيل الحياة اليومية للعُمانيين، والمناسبات السعيدة واستقبال وتوديع الضيوف، ومن المقتنيات التي يضمها القسم قنينات عطرية تعود لعام(1983) مصنوعة من البلور والذهب (عيار 24 قيراطا) والفضة وهي أولى الابتكارات العطرية لشركة أمواج للعطور تحمل مسمى (أمواج جولد)، حيث استوحي شكل قنينة العطر الرجالي من الخنجر العُماني التي كانت تُهدى من قبل السلطان قابوس بن سعيد (طيب الله ثراه) لضيوفه فلقبت بـ “هدية الملوك” وتضم القنينات العطرية ثلاثة كنوز طبيعية في عُمان – اللبان والورد والعنبر- إلى جانب مكونات أخرى نادرة، ويُعد اللبان جسرًا للتواصل الحضاري ويحضى بتقدير رفيع عالميًا. ويركز قسم صناعة الفضة على المشغولات الفضية من الحلي ويمكن ربط بين شكل وتصميم القطعة، وبين المنطقة، أو السوق، أو المعمل الذي شغلت فيه، وقد تبقى بعض التصاميم المميزة دون تغيير لمئات السنين، تستخدم الحلي للزينة أو الحماية، حيث تظهر على الحلي آيات من القرآن الكريم تُلبس للحفظ، كما تلبس الحلي الفضية المزينة بمواد طبيعية مثل المرجان والعقيق الأحمر لدرء الشر وجلب الحظ، بينما يستخدم الخرز الأحمر والبرتقالي للحماية، وكانت الحلي الفضية تُهدى المرأة ضمن مهرها؛ موفرة لها بذلك استقرارا ماليا. 

أما قسم الأزياء التقليدية يبين وظائف الأزياء العُمانية انطلاقًا من المعتقدات الدينية، وإثبات الهوية، وإلى الحاجة للحشمة والحماية والتزين، إذ لا يقتصر زي المرأة على اللبس بل يشمل طقم الرأس والجواهر والبراقع وأدوات التجميل، أما زي الرجل فهو عملي، ويشمل على إبزيم، وحزام، وعدة ملاقط، وأسلحة مزينة بالفضة ومنها الخنجر، ومن أبرز المقتنيات المعروضة في هذا القسم ترس وسلاح أبو فتيلة من المقتنيات الخاصة لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه. 

ويضم قسم أزياء النخبة مقتنيات عبارة عن زي للشيخ السير مبارك بن علي الهناوي الذي يعد من الشخصيات العُمانية البارزة في شرق أفريقيا وهو من مواليد مدينة ممباسا في (1896م) والذي عين واليا لها في عام (1937م)، كما تولى بعدها منصب ممثل لسلطان زنجبار على كامل ساحل شرق أفريقيا، وقد عُرف كونه مؤرخًا مرموقًا، وباحثًا في الثقافة السواحيلية، ومنح عدة أوسمة وألقاب خلال حياتها أبرزها وسام “الإمبراطورية البريطانية” في عام (1959م)، والذي حصل بموجبه على لقب “الفارس” أو “السير”، كما يضم القسم مجموعة حلي وبرقع للسيدة سالمة بن سعيد البوسعيدية تعود للقرن (19م)، وتتفرد السيدة سالمة بكونها كتبت السيرة الذاتية البارزة باللغة الألمانية، بعنوان ” مذكرات أميرة عربية من زنجبار”، كأول سيرة لامرأة عربية في التاريخ، حيث تقدم المذكرات لمحة مدهشة عن الحياة في البلاط السلطاني في القرن ( 13هـ/ 19م)، وتشهد كذلك على جودة، وتنوع الأزياء، والحلي التي كانت ترتديها نساء البلاط. 

وقالت صاحبة السمو السيدة الدكتورة/ منى بنت فهد آل سعيد، مساعدة رئيس جامعة السلطان قابوس للتعاون الدولي، نائبة رئيس مجلس أمناء المتحف الوطني في كلمة لها في حفل الافتتاح: “إن هذا اليوم مجيدٌ للغاية، حيث تزهر عُمان في وجدان كرملين موسكو، هذا الحضور العُماني المضمخ بالعبير، في توأمةٍ لطيفة حضارية وثقافية متميزة بدأت تتعمق وتتماهى روابطهما، عبر الشراكة الاستراتيجية الثقافية بين هذين البلدين العظيمين، فهي تجربة ملأى بالدهشة والجمال والإرث التاريخي العظيم، فكلا البلدين ضاربٌ في التاريخ، وكلاهما خرجا من رحم حضارات سامية، فعُمان هي وليدة إمبراطورية شاسعة تمكنت من جمع قارتين ببعضهما؛ أعني آسيا برقاعٍ من أفريقيا بجوار الهند والصومال وشمال أفريقيا وتخوم بلوشستان ومكران، وروسيا هي حاضنة الحضارة الأوروآسيوية التي لم تغب الشمس عنها.

 وأضافت: إن الروابط المتحفية بين البلدين جاءت كشريانٍ نابض لأوردة متدفقة بالجمال الإنساني الذي عزّ نظيره؛ فلا يخفى التعاون المثير العميق بين متاحف روسيا الاتحادية كمتاحف كرملين موسكو حاضنة حفلنا البهيج اليوم، ومتحف شيوسيف للعمارة، ومتحف الإرميتاج الحكومي بسانت بطرسبورغ، ومتحف ترتيكوف الحكومي بموسكو، بالمتحف الوطني في سلطنة عُمان، وستظل هذه الروابط المتحفية تنبض بذاكرة الإنسان في رحلة الحياة ومسيرة التعمير والوجود البشري على هذه البسيطة.

من جانبه قال سعادة/ جمال بن حسن الموسوي، الأمين العام للمتحف الوطني:” نحتفي اليوم بروائع من الفضة العُمانية ومقتنيات تعود للبلاط العُماني تجسد الثراء والأناقة في تاريخ عُمان، وتعبر عن لغة الفن العالمية التي تتجاوز الحدود، حيث تروي كل قطعة قصة تعزز الفهم والتعاون بين البلدين، ويُعد هذا المعرض المتحفي الأول من نوعه لسلطنة عُمان بمدينة موسكو على الإطلاق، ويأتي تنظيمه في إطار الدبلوماسية الثقافية التي ينتهجها المتحف الوطني وامتدادا للتعاون الوثيق بين المتحف الوطني والمتاحف في روسيا الاتحادية.

وأشار سعادة الأمين العام للمتحف الوطني إلى أن المقتنيات تقدم استكشافًا للثقافة العُمانية، محورها الخنجر العُماني، من الأسلحة القديمة، إلى قناني العطور الحديثة المعروفة بـ “هدية الملوك”، المستوحاة من الخنجر، وتسلط المقتنيات الضوء على الأهمية المستمرة للحرفية والرمزية الثقافية في المجتمع العُماني، مما يعكس التقاء الملكية والفن، ويُرمز إلى التبادل الدبلوماسي والفخر الثقافي، وتعكس الحُلي الفضية المعروضة في جميع أنحاء المعرض كل من التقليد والابتكار، وتشهد على براعة الصناعة العُمانية ويضيف المعنى الميتافيزيقي (فلسفة ما وراء الطبيعة) للفضة كالتميمة الواقية عمقًا للمعرض، مؤكدًا على الارتباط الروحي بين الأشياء المادية والمعتقدات الثقافية. 

وقال سعادة/ حمود بن سالم آل تويه- سفير سلطنة عُمان المعتمد لدى روسيا الاتحادية: تشهد علاقات التعاون والصداقة بين سلطنة عُمان وروسيا الاتحادية تطورا إيجابيا في مختلف الصعد، وانطلاقا من أن الثقافة هي مفتاح التقارب بين الشعوب، يأتي معرض وفعاليات “يوم عُمان” في متاحف كرملين موسكو ليحاكي صور التاريخ العُماني العريق ويعزز المعرفة لدى المواطن الروسي عن الدور الحضاري المتميز لسلطنة عُمان ، وهذا من شأنه أن ينعكس على العلاقات بين البلدين، لأن جسور الصداقة بين الشعوب تبدأ من معرفة تاريخ وحضارة الشعوب لبعضها البعض والشعب العُماني كما الشعب الروسي لهما حضارة عريقة ومتجذرة في التاريخ. 

وأضاف سعادته: إن هذه المناسبة التاريخية ليست مجرد فعالية ثقافية عابرة، بل هي جسر حضاري متين يربط بين سلطنة عُمان وروسيا الاتحادية ويعكس تقدير الجانبين العُماني والروسي لتراث وثقافة البلدين.

من جانبها، قالت الدكتورة إيلينا غاغارينا، المديرة العامة لمتاحف كرملين موسكو: نفتتح اليوم صفحة جديدة في تاريخ التعاون الدولي لمتاحف كرملين موسكو حيث سيحظى زوار معرض “بهاء الفضة: مقتنيات من البلاط العُماني” بفرصة التعرف على العالم المدهش والغامض للثقافة التقليدية للدولة الشرقية البعيدة. تم اختيار أبرز وأهم القطع من مجموعة المتحف الوطني في سلطنة عُمان، بالإضافة إلى مقتنيات التي كانت جزءًا من المجموعات الشخصية للسلاطين العُمانيين، كما يعرض المعرض أعمالًا تقليدية للحرفيين العُمانيين من أدوات فضية رائعة وقطع مزينة بالفضة والأسلحة، والأزياء التقليدية الوطنية وإكسسوارات استثنائية، ومجموعة من المقتنيات لشخصيات بارزة في تاريخ عُمان.

وأضافت: في عام 2025، سيفتتح المتحف الوطني في سلطنة عُمان معرض “روسيا والشرق: العلاقات الدولية والتأثيرات الثقافية” من مجموعة متحف الكرملين ونأمل أن تجذب هذه الفعاليات اهتمام الجمهور الروسي والعُماني وتساهم في توسيع الحوار الثقافي.

 نبذة عن متاحف كرملين موسكو 

تضم متاحف الكرملين مجموعة من المباني التاريخية التي تعبر عن النمط المعماري الروسي الأصيل، بما في ذلك القصور التاريخية التي كانت مقرًّا لحكّام روسيا في الماضي، بالإضافة إلى مستودع الكرملين الذي يعد الأقدم في روسيا حيث تعود فترة تأسيسه إلى عام (1806) في عصر الإمبراطور ألكسندر الأول، وقد تم إدراج المجموعة المعمارية للكرملين في موسكو والساحة الحمراء في قائمة التراث الثقافي والطبيعي العالمي من قبل (اليونسكو) عام (1990م). 

وتضم متاحف كرملين موسكو بين جنباتها مقتنيات تعود إلى نهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد، وينتمي الجزء الرئيسي من مقتنيات المتاحف إلى فترة العصور الوسطى والتاريخ الحديث، فهناك رموز الدولة القديمة وأزياء الأباطرة والقياصرة والفساتين التي تم ارتداؤها في حفلات التتويج، وأزياء القساوسة في الكنيسة الروسية الأرثوذكسية، وأكبر مجموعة من قطع الذهب والفضة التي تفنن فيها صائغون من روسيا وغرب أوروبا، بما في ذلك أكبر مجموعة في العالم من بيض عيد الفصح، وأسلحة روسية وشرقية، ومجموعة فريدة من عربات الملوك. 

تستقبل متاحف كرملين موسكو حوالي مليوني زائر كل عام، وتضم أكثر من (160) ألف قطعة فنية مخزنة وأكثر من (4) آلاف قطعة فنية معروضة بشكل دائم في مستودع الأسلحة، وهي تشكل جزءا من تاريخ الدولة الروسية أبان عهد القياصرة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*