الاقتصاد العماني يواصل مستوى التعافي الكلي من تداعيات الازمات العالمية

الناتجُ المحلي الإجمالي الاسمي للاقتصاد العُماني يسجل نموا بنسبة 30 ‎%‎ في  2022

مسقط – وجهات – العُمانية|

 أصدر البنك المركزي العُماني تقريره السنوي، يستعرض فيه تقييما شاملا للاقتصاد الكلي لسلطنة عُمان خلال عام 2022م وتحليلا مفصلا للقطاعات الرئيسة للاقتصاد من خلال خمسة فصول تتمثل في: التقييم الحالي وتوقعات الاقتصاد الكلي والإنتاج والعمالة والأسعار والمالية العامة والنقود والبنوك والمؤسسات المالية وتطورات القطاع الخارجي.

ويتضمن التقرير أيضا البيانات المالية المدققة للبنك المركزي العُماني وأهم التعاميم التي أصدرها البنك خلال العام.

وأوضح التقرير أن الاقتصاد العُماني اتسم في الفترة الأخيرة بتقدمٍ ملحوظ على مستوى التعافي الكلي ويتضح ذلك جليًّا في مواصلة الجهود في سبيل التغلب على التداعيات الاقتصادية للأوضاع الصحية والتوترات الجيوسياسية العالمية. 

وسجل الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للاقتصاد العُماني نموًّا بنسبة 30 بالمائة في عام 2022م، مدفوعا بنموّ كل من القطاعين النفطي وغير النفطي، حيث سجل القطاعان ما نسبته 61.6 بالمائة و16.9 بالمائة على التوالي.ففي القطاع غير النفطي، كان التعافي الاقتصادي واسع النطاق، حيث أظهرت جميع القطاعات الرئيسة نموًّا إيجابيًّا خلال عام 2022م، وتوسعت الأنشطة الصناعية غير النفطية بنسبة 23.5 بالمائة. 

قطاع الصناعات التحويلية 

ويرجع ذلك بشكل رئيس إلى انتعاش الناتج الاسمي من قطاع الصناعات التحويلية بنسبة 49.6 بالمائة.ونما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (سنة الأساس 2018) لسلطنة عُمان بنسبة 4.3 بالمائة خلال عام 2022م مقارنة بنمو قدره 3.1 بالمائة في عام 2021م. ويُعزى هذا التحسن في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى جميع القطاعات الرئيسة حيث أظهر الناتج من الأنشطة البترولية نموًّا ملحوظا بنسبة 10.2 بالمائة مدعومًا بنمو قدره 5.9 بالمائة في إنتاج الغاز الطبيعي.

ومن بين الأنشطة الصناعية غير النفطية، شهد ناتج قطاع الصناعات التحويلية بالقيمة الحقيقية نموًّا بنسبة 17 في المائة، إذ سجل قطاع “التعدين واستغلال المحاجر” و”إمدادات الكهرباء والمياه” نموًّا بنسبة 10.5 بالمائة و4.5 بالمائة على التوالي. وفي قطاع الخدمات، أظهرت “خدمات الفندقة والأغذية”، و”النقل والتخزين”، و”تجارة الجملة والتجزئة”، نموًّا قويًّا في الناتج الحقيقي خلال عام 2022م مما يشير إلى انتعاش الخدمات القائمة على الاتصال المباشر، وهي القطاعات الأكثر تضررًا من الجائحة.

وفي المقابل، انخفض ناتج “قطاع الإنشاءات” و”الزراعة وصيد الأسماك” بالقيمة الحقيقية بنسبة 23.2 بالمائة و9.7 بالمائة في على التوالي.

معدل التضخم 

وظل معدل التضخم خلال عام 2022م منخفضا على الصعيد المحلي، أي أقل بكثير من المتوسط العالمي، مستفيدا من إطار السياسة النقدية ونظام سعر الصرف الثابت وتدابير المالية العامة، إذ بلغ متوسط تضخم أسعار المستهلك في سلطنة عُمان نحو 2.8 بالمائة في عام 2022م مقارنة بـ 1.6 بالمائة في عام 2021م. 

ونظرا لاعتماد سلطنة عُمان على الواردات لتلبية جزءٍ كبيرٍ من الطلب اليومي، كان لظروف التضخم العالمية تأثير بالغ على الأسعار المحلية.ومع ذلك، تم احتواء تأثير الضغوط التضخمية العالمية على التضخم المحلي إلى حدّ ما من خلال ارتفاع سعر الصرف الفعلي الاسمي للريال العُماني الذي سجل ارتفاعًا (على أساس سنوي) بنسبة 6.3 بالمائة في ديسمبر 2022م وسط ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي، علاوة على التدخلات الحكومية التي حافظت إلى حد كبير على مستويات معتدلة للتضخم المحلي مقارنة مع ارتفاع التضخم عالميا.

أداء مالي ايجابي 

وحققت المالية العامة في سلطنة عُمان أداءً ماليًّا إيجابيًّا ملحوظا خلال عام 2022م، متجاوزا أداء الأعوام الماضية، ومدفوعًا بارتفاع أسعار النفط والإجراءات التصحيحية التي اتخذتها الحكومة. إذ تجاوزت أسعار النفط الخام في عام 2022م المستويات المسجلة في العام السابق، حيث بلغ متوسط سعر النفط العُماني في عام 2022م نحو 95.4 دولار أمريكي للبرميل، مرتفعًا بنسبة 48.4 بالمائة عما كان عليه قبل عام.كما ارتفع إنتاج النفط خلال العام بنسبة 9.6 بالمائة مقارنة بـ 1.9 بالمائة في عام 2021م. 

ولقد أوجدت هذه التطورات حيزا ماليا للحكومة لتوجيهه نحو الإنفاق الإنتاجي مع البقاء على مسار ضبط الأوضاع المالية المنصوص عليه في خطة التوزان المالي متوسطة المدى.

ايرادات حكومية 

وشهدت الإيرادات الحكومية خلال عام 2022م زيادة ملحوظة بنسبة 29.3 بالمائة مقارنة بالعام السابق. ويُعزى هذا الأمر في المقام الأول إلى ارتفاع إيرادات النفط والغاز بالإضافة إلى الإيرادات الجارية الأخرى. كما ارتفع الإنفاق الحكومي بنسبة 7.3 بالمائة في عام 2022م مقارنة بالمستوى الذي شهده العام السابق.

ولقد جاءت هذه الزيادة في عائدات النفط لتوفر نوعًا من التيسير للاقتصاد الوطني، مما أفضى إلى إعلان سلطنة عُمان عن أول فائض لها منذ عام 2014م.ومن جانب آخر، حققت الحكومة تقدما ملحوظا فيما يتعلق بالاستدامة المالية من خلال تعزيز الإيرادات غير النفطية، وزيادة كفاءة الإنفاق، وإدارة عجز الموازنة العامة، الأمر الذي أدى إلى تحقيق فائض مالي بنسبة 2.6 بالمائة في عام 2022م من عجز قدره 3.6 بالمائة في عام 2021م.وقد تمكنت الحكومة من خلال هذه التدابير الفاعلة من خفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بنجاح ليصل إلى 40.2 بالمائة في عام 2022م من 61.7 بالمائة في عام 2021م. 

ومع استمرار الجهود المبذولة لخفض الدين العام وتحسين النتائج المالية، شهدت سلطنة عُمان تحسنًا إيجابيًّا ومستقرًّا في توقعات تصنيفها الائتماني خلال عام 2022م، وفقًا لما أقرته وكالات التصنيف الائتماني.

وواصل البنك المركزي العُماني جهوده لضمان تعزيز دور القطاع المالي ليكون أحد مصادر القوة للاقتصاد العُماني. وعليه، أظهر القطاع المصرفي في سلطنة عُمان تحسنا في الأداء حيث ارتفع إجمالي أصول القطاع المصرفي بنسبة 0.8 بالمائة ليصل إلى 38.8 مليار ريال عُماني في نهاية عام 2022م. وارتفع إجمالي الائتمان إلى 29.2 مليار ريال عُماني في عام 2022م بنموٍّ قدره 4.8 بالمائة عن عام 2021م.

ودائع

في حين أظهر إجمالي الودائع نموًّا بنسبة 1.1 بالمائة مع نهاية العام.وظل القطاع المصرفي يتمتع بالمتانة والمرونة ومستوى جيد من رأس المال على خلفية تفعيل إطار إشرافي فعال ونشر أدوات السياسة النقدية المناسبة، وعليه، ظل إجمالي القروض المتعثرة منخفضًا إلى حد معقول، حيث بلغ 4.36 بالمائة حتى ديسمبر 2022م.وبالإضافة إلى ذلك، بلغت نسبة كفاية رأس المال 19.7 بالمائة في نهاية عام 2022م بعد أن كانت 19.4 بالمائة قبل عام. كما ظل مستوى السيولة لدى البنوك جيدًا الأمر الذي تعكسه نسب السيولة المقررة علاوة على ذلك، أظهرت المجاميع النقدية نموا هامشيا خلال عام 2022م.

وفي الوقت الذي تقلصت فيه الاحتياطات (القاعدة النقدية) بنسبة 18.3 بالمائة في عام 2022م، نما النقد بمعناه الواسع بنسبة 0.6 بالمائة، ومن بين مصادر المعروض النقدي، كان التوسع الطفيف في النقد بمعناه الواسع مدعومًا بالنمو في أصول النظام المصرفي.

نمو المركز الخارجي 

ومن جهة أخرى، سجل المركز الخارجي نموا ملحوظا في عام 2022م، مدفوعا بارتفاع الصادرات النفطية والتدابير المالية. وأسهمت هذه العوامل في تحقيق فائض كبير في الحساب الجاري. وبناءً على ذلك، أظهر رصيد الحساب الجاري تحسنا ملحوظا في عام 2022م، حيث سجلت الصادرات السلعية (النفطية وغير النفطية) نموًّا قويًّا.في حين ظلت أنشطة إعادة التصدير دون تغيير خلال العام. 

وارتفعت الواردات السلعية خلال عام 2022م ولكن بوتيرةٍ أبطأ من الصادرات، مما أدى إلى زيادةٍ كبيرة في الفائض التجاري. وارتفع عجز حساب الخدمات بشكل معتدل خلال العام بسبب ارتفاع المدفوعات الخارجية نحو النقل مع تخفيف قيود السفر، فضلًا عن زيادة تكاليف الشحن.

ونتيجة لهذه التطورات، حقق رصيد الحساب الجاري فائضا قدره 2,212 مليون ريال عُماني في عام 2022م من عجز قدره 1,839 مليون ريال عُماني في عام 2021م. وتحول الحساب المالي إلى صافي تدفقات خارجة بقيمة 2,519 مليون ريال عُماني في عام 2022م مقارنة بصافي تدفقات داخلة قدرها 2,284 مليون ريال عُماني في 2021م، مما يعكس أداءً إيجابيًّا على الاستثمار الأجنبي المباشر واستثمارات المحافظ والاستثمارات الأخرى. 

انخفاض الأصول الاحتياطية 

ومع ذلك، انخفضت الأصول الاحتياطية في عام 2022م بمبلغ قدره 580 مليون ريال عُماني، ويُعزى ذلك بشكل رئيس إلى السداد الجزئي لالتزامات سلطنة عُمان من الدين العام.وتحسنت آفاق الاقتصاد الكلي للاقتصاد العُماني بشكل ملحوظ، إذ نجحت السلطنة في التغلب على التحديات التي فرضتها جائحة كوفيد-19 والتوترات الجيوسياسية العالمية المستمرة. 

كما أن التنفيذ المتواصل والثابت لأجندة الإصلاحات الهيكلية في ظل التوجه الاستراتيجي لرؤية عُمان 2040، إلى جانب أسعار النفط المواتية، يسهمان في تعزيز نظرةٍ مستقبليةٍ إيجابية للاقتصاد الكلي العُماني لعام 2023م.

وتشهد الأنشطة الاقتصادية في السلطنة انتعاشا ملحوظًا في ظل نمو الناتج الحقيقي واحتواء الظروف التضخمية ضمن المستويات المستهدفة. 

ومن المتوقع أن تظل أسعار النفط عند مستوى جيد مما يوفر الدعم للأنشطة النفطية.ومن المتوقع أيضًا أن تسجل الأنشطة غير النفطية نموا معتدلا بالقيمة الحقيقية في عام 2023م مع الزيادة المتوقعة في الطلب على الصادرات العُمانية، ومن المرجح أن تتحسن آفاق المالية العامة لعام 2023م نتيجة للمكاسب غير المتوقعة لإيرادات النفط وإجراءات ضبط أوضاع المالية العامة، والتي كان لها تأثيرٌ إيجابي على أوضاع المالية العامة والمركز الخارجي للسلطنة.

نمو 

ومن المرجح أن يسهم الاستمرار المتوقع لنمو الأنشطة غير النفطية في تحسين النتائج المالية، مؤديا إلى تحقيق فوائض مالية. ويأتي ذلك تماشيا مع التزام الحكومة بضبط أوضاع المالية العامة وفتح الفرص للإنفاق الإنتاجي ودعم الأنشطة الاقتصادية. وعلاوة على ذلك، يتوقع أن يستفيد القطاع الخارجي من الطلب المرتفع على الصادرات العُمانية غير النفطية خلال عام 2023م. وعموما، تشير التوقعات لعام 2023م إلى انتعاش مستدام في الأنشطة الاقتصادية في سلطنة عُمان.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*