مسقط – وجهات |
أصدرت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية كتاب “مسندم في ذاكرة التاريخ العماني”، وذلك ضمن المجلد الثالث من السلسلة التاريخية والحضارية للمحافظات والمدن العُمانية يقع الكتاب في 350 صفحة متضمناً عشرة أبحاث حول ملامح من تاريخ وحضارة محافظة مسندم، تنوعت موضوعاتها بين تاريخية وجغرافية واقتصادية واجتماعية وثقافية، ويسلط الإصدار الضوء على الدور التاريخي الذي قامت به محافظة مسندم عبر تاريخها الطويل وانعكاس ذلك الدور على تاريخ المحافظة بوجه خاص وعلى التاريخ العُماني على وجه العموم، وإلقاء الضوء على الدور الكبير الذي قام به أبناء مسندم في التاريخ العُماني، وقيمة العطاء والجهد الذي بذله أهالي مسندم ويبذلونه من أجل رقي عُمان وازدهارها أسوة بأبناء عُمان الآخرين، وذلك من خلال استعراض ودراسة مجموعة من الوثائق والكتب والمخطوطات والروايات المتعلقة بتاريخ مسندم الحضاري، كما يضم الإصدار ملحقاً لبعض الوثائق والصور والخرائط المتعلقة بمحافظة مسندم منتقاة من الأرصدة الوثائقية التي تمتلكها هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية.جدير بالذكر بإن دار لبان للنشر ستتولى توزيع إصدارات الهيئة داخل السلطنة وخارجها من خلال منافذ البيع أو المعارض المحلية والدولية التي تشارك فيها الدار وذلك بموجب الاتفاقية الموقعة مع هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، وستتولى دار لبان عرض أكثر من 36 إصدارا لهيئة الوثائق في مكتبتها بمنطقة غلا الصناعية.
الضوياني: السلطنة إمبراطورية ممتدة
وفي مقدمة الكتاب يقول الدكتور حمد بن محمد الضوياني، رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية يأتي هذا الإصدار إيماناً من الهيئة بأهمية إبراز الجوانب الحضارية والتاريخية والثقافية والعلمية لسلطنة عُمان كإمبراطورية ممتدة بأقاليمها المختلفة أو من خلال محافظاتها ومدنها التي تحتضن جوانب عديدة ومتنوعة من حضارتها متمثلة في مواقعها الجغرافية وسواحلها المتميزة التي تعج بالقرى والمدن وأنماط الإبحار التجاري المتنوع والتواصل الحضاري مع الحواضر التجارية والاقتصادية شرقاً وغرباً جنوباً وشمالاً، ومدنها الداخلية الأخرى التي اكتستها أنماط مختلفة من ضروب المعيشة التي غالبها النشاط الزراعي والتعدين ليمتد ذلك إلى القرى والمدن التي تتربع في الصحراء عرفت من خلالها قوافل التواصل البري مع الدول المتاخمة لحدود سلطنة عُمان.
وأضاف الضوياني بأن الإصدار الثالث من السلسلة التاريخية والحضارية للمحافظات والمدن العُمانية يتناول محافظة مسندم بمدنها وقراها وسكانها وكل قبائلها وأهلها الذين أسهموا إسهاماً فاعلاً في الجوانب الحضارية والتاريخية لتاريخ وحضارة عُمان وشاركوا جميعاً في الدفاع عن عُمان ضد الغزوات المتعاقبة التي شهدتها عُمان في بعض الفترات الزمنية وظلت شواهد ومآثر تلك الإنجازات ماثلة إلى اليوم في قلاعها وأبراجها ومواقعها الأثرية الممتدة إلى خمسة آلاف سنة، كما أكد سعادته بأهمية تنظيم ندوات متخصصة أكثر عمقاً لمحافظة مسندم لما لدينا من تاريخ عميق الجذور مدعوماً بالوثائق والمقتنيات والشواهد الحضارية والدراسات الأثرية فكانت مسندم نقطة انطلاق العُمانيين في تواصلهم الحضاري إلى الدولة الفارسية منذ آلاف السنين.
الجهورية: ثراء علمي
من جانبها، قالت الدكتورة أحلام بنت حمود الجهورية، المديرة المساعدة لدائرة البحوث والدراسات بهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية: يعد الإصدار ترجمة لرؤية هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية المتمثلة في حفظ التاريخ العُماني العريق، وانسجاماً مع أهدافها الاستراتيجية في تشجيع البحث العلمي في المجالات الحضارية المختلفة. واضافت بأن الإصدار يبرز الجوانب الحضارية والتاريخية للمحافظات والمدن العُمانية، ويركز على محافظة مسندم بولاياتها الأربع: خصب ودبا وبخا ومدحاء. وقد تنوعت مواضيع الأبحاث العشرة التي ضمتها دفتي الكتاب بين مواضيع تاريخية وجغرافية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وهذا التنوع من حيث الموضوعات والمصادر والمناهج البحثية يُعطي ثراءً علمياً للكتاب، كما أن هذه الجهود تأتي في محاولة إبراز التاريخ المحلي وهو مصطلح يُعنى بدراسة التاريخ في سياق محلي جغرافي، حيث يكتسي التاريخ المحلي أهمية قصوى لأنه يعيد كتابة التاريخ الوطني نظراً للبحث المعمق الذي يقدمه في الجانبين الزماني والمكاني من خلال دراسة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإبراز دور الأفراد والجماعات.
قضايا الكتاب
تحظى محافظة مسندم بأهمية في التاريخ العُماني، فهي تطل على مضيق هرمز الشريان الحيوي الذي يعد من أكثر الممرات المائية الدولية أهمية في العالم، كما تعد محافظة مسندم البوابة الشرقية لحركة التجارة والملاحة من وإلى الدول المطلة على الخليج العربي، وتنفرد محافظة مسندم بمقومات جغرافية ومناخية مختلفة، إلى جانب المقومات البشرية التي تضفي للمكان أهميته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فمن هذا المنطلق استعرض الإصدار أهم الأحداث التي شهدتها محافظة مسندم عبر التاريخ، وتنوعت موضوعات أوراق العمل المقدمة في الندوة في الجوانب الجغرافية والتاريخية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. حيث تناول الإصدار “البعد الجغرافي والسياسي لإقليم مسندم”، هدفت الدراسة من خلاله إلى تسليط ِالضَّوءِ على الموقع الجغرافي لمسندم وأثر ذلك على جوانب السياسية والاقتصادية، كما أبرزت الدراسة مقومات الموقع الجغرافي وما يتمتع به إقليم مسندم من إمكانيات تعمل مجتمعة على جعله من أهم المواقع العالمية في حركة التجارة مما انعكس على العلاقات الدولية. فيما عنونة الورقة الثانية بـ “مسندم رأس ماكيتا (ماكا/ مجان) والشحوح في المصادر القديمة: (الكتابات المسمارية، التوراة، المصادر اليونانية والرومانية، النقوش الفارسية والمسند اليمني)”، سلطت الدراسة الضوء على أقدم ذكر لشبه جزيرة مسندم في الكتابات المسمارية واليونانية والرومانية والنقوش اليمنية، حيث ساعدت المعطيات العلمية مجتمعة في رسم صورة تقريبية للدور التاريخي والحضاري لشبه جزيرة مسندم كجزء جوهري من تاريخ وحضارة عُمان في العصور التاريخية القديمة.كما أستهدف الإصدار “تاريخ مسندم في العهد النبوي والخلافة الراشدة”، ركزت الدراسة على تاريخ مسندم قبل الإسلام والمزايا التي تنفرد بها، كما ناقشت تاريخ مسندم في عهد الخلفاء الراشدين، من خلال توضيح المشاركة الفاعلة في الأحداث التي جرت في هذا العهد المبارك من التاريخ الإسلامي، ومشاركة أبناء مسندم في الفتوحات الإسلامية التي انطلقت من أرض عُمان الخير والعطاء. كما سلط الإصدار الأضواء على “سُكان وأسواق دَبَا فُرضة عُمان والعرب المشهورة في عصري الجاهلية وصدر الإسلام”، للتأكيد على أصالة سكانها وعروبتهم وعُمانيتهم، ودورهم في الفتوحات الإسلامية، ولإبراز أهمية دَبَا الاقتصادية كحلقة مهمة من حلقات التبادل التجاري بين شعوب العالم آنذاك.
شذرات من مسندم
وتطرق الإصدار إلى “شذرات من تاريخ مسندم خلال فترة اليعاربة (1034هـ/1624م-1162هـ/1749م)”، تناولت فيها الأحداث التي شهدتها مسندم خلال فترة حكم دولة اليعاربة ووضعها الإداري والاقتصادي آنذاك. مركزاً على الدور الذي قدمته مسندم في مواجهة البرتغاليين، وكذلك أشهر الولاة الذين تم تعيينهم من قبل حكام اليعاربة على هذه المنطقة الواقعة في شمال عُمان، مع توضيح أهمية سوق دبا في فترة اليعاربة كنموذج للوضع الاقتصادي آنذاك. ويرصد الكتاب ايضاً “علاقة مسندم السياسية بساحل عُمان الشمالي ومنطقة الشميلية”، وفيها يكشف صمود أهل محافظة مسندم اتجاه جيرانهم القواسم، وحفاظهم على ولائهم وطاعتهم لحكام عُمان، وتمسكهم باستقلالهم تارة أخرى دون أن يفقدوا تبعيتهم لحكام عُمان؛ مركزة على علاقة مسندم بساحل عُمان الشمالي ومنطقة الشميلية حيث القرى المتداخلة بين القوى السياسية في المنطقة، قبل قيام اتحاد إمارات ساحل عُمان السبع عام 1970م. ويرصد الكتاب ايضاً “صورة مسندم في كتابات الرحّالة الغربيين خلال القرنين 19 و20 الميلاديين”، تم من خلاله التعريف بأبرز الرحّالة الأجانب الذي زاروا محافظة مسندم خلال القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين، إلى جانب تحليل مضامين كتاباتهم، واستخلاص أبرز الإشارات حول الجوانب الطبيعيّة والجغرافية للمنطقة، والنشاط الاقتصادي، إضافة إلى الجوانب السياسيّة والثقافية والاجتماعيّة في مسندم.اما عن “النشاط التجاري البحري في محافظة مسندم، (التجارة البينية)”، ألقت الورقة الضوء على جهود أبناء محافظة مسندم في النشاط البحري. حيث تناولت صناعة السفن وأنواعها وصنّاعها وأهم الموانئ، ونواخذة السفن في المحافظة، كما أوضحت الأنشطة التجارية البحرية، كالتجارة البحرية، والتجارة البينية مع الموانئ العُمانية الأخرى، والنقل والغوص وصيد الأسماك. وفيما يتعلق بـ “مفردات من الماضي حول الحياة العُمانية في محافظة مسندم”، وادي مدحاء نموذجاً، قدمت الدراسة صور من الحياة الاجتماعية في مجتمع مسندم بشكل عام، ومجتمع وادي مدحاء بشكل خاص، من خلال التركيز على أوجه التعاون بين أفراد المجتمع في المواقف التالية: بناء المنازل (أماكن العيش)، والمناسبات الاجتماعية: الزواج، الختان، الأعياد، وغيرها. والتجارة والسفر، والزراعة والرعي، والتعليم، والصحة، والعزاء، والتجمع اليومي، ودور المرأة.
وفي “الخصائص الاجتماعية والاقتصادية ومستويات التنمية البشرية لسكان محافظة مسندم”، قدم الإصدار وصفاً وتحليلاً علمياً للخصائص الاجتماعية والاقتصادية لسكان محافظة مسندم، حيث تشمل دراسة السكان حسب الجنسية (عُمانيون ووافدون)، التركيب العمري والنوعي للسكان، الحالة التعليمية والحالة الاجتماعية. كما ناقش الخصائص الاقتصادية للسكان مثل توزيع السكان حسب الحالة العملية، ووفق أقسام النشاط الاقتصادي، وأقسام المهن الرئيسية، كما ناقش مشكلة الباحثين عن عمل وآفاق المستقبل، مع تقديم دراسة مقارنة بين ولايات المحافظة في هذه الخصائص. وركز الإصدار على فهم وتحليل تأثير الموقع الجغرافي المميز للمحافظة على هذه الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية.