قونية “تركيا” – الأناضول|
رغم مرور قرون على رحيله، ما يزال الملايين حول أنحاء العالم يلبون دعوة المعلم الروحي جلال الدين الرومي، ويتوافدون سنويًا لزيارة قبره في متحف “مولانا” بولاية قونية وسط تركيا.
وفي ذكرى وفاة الرومي، التي تصادف 17 ديسمبر، يجتمع الناس من مختلف الأعراق والأديان في المتحف كل عام وكأنهم يلبون دعوة مولانا الرومي التي قال فيها: “تعالَ .. تعالَ، لا يهم من أنتَ، ولا إلى أي طريقِ تنتهي، تعالَ .. لا يهم من تكون”.
ويشهد المتحف إقبالا واسعا أيضا لهذا العام خلال الفترة بين يومي 7 – 17 من الشهر الجاري، لحضور الفعاليات الدولية لإحياء الذكرى 745 لرحيل مولانا جلال الدين الرومي الذي صدر رسائل المحبة، والسلام، والتسامح والأخوّة إلى العالم.
وتُسمّى هذه الفعاليات بـ “شبي عروس” بالفارسية أو ليلة العرس، والتي كان ينتظرها الرومي ليعود إلى الذات الإلهية وفق منظور تصوفي.
وتمتد الاحتفالات التركية لعشرة أيام تقام خلالها حفلات المولوية ويشارك فيها الجمهور بدعوى صفاء الروح.
وفي عام 2016، نال المتحف لقب أكثر المتاحف زيارة على صعيد تركيا بمجموع زوار بلغ مليونين و429 ألفًا و573 شخصًا، ليرتفع هذا الرقم العام 2017 إلى مليونين و480 ألفًا و433 زائرًا.
وشهدت الأشهر الـ 11 الأولى من العام الحالي، زيارة المتحف من قبل مليونين و613 ألف شخص، وسط توقعات بتحقيقه رقم قياسي جديد بحلول نهاية العام، لا سيما وأن فعاليات “شبي عروس” وحدها تشهد إقبال آلاف الزوار الأجانب.
وزار المتحف خلال فعاليات “شبي عروس” فقط للعام الماضي، 9 آلاف و500 زائر أجنبي.
ويتصدر الصينيون والإيرانيون، الزوار الأجانب للمتحف، يليهم سياح إندونيسيا، وماليزيا وباقي الدول الآسيوية.
تاريخ المتحف
وقال مدير الثقافة والسياحة بقونية، عبد الستار يارار، إن مكان المتحف كان من قبل عبارة عن حديقة زهور خاصة بالسلطان السلجوقي علاء الدين كيكوبات.
وأضاف، في حديثه للأناضول، أن بهاء الدين ولد، والد الرومي، كان يدرس في إحدى المدارس الدينية السلجوقية آنذاك، وكان يقصد حديقة الزهور برفقة طلابه، إلى أن وهبها السلطان علاء الدين له بعد أن شعر بإعجابه بها.
وتابع: بعد وفاته دُفن بهاء الدين ولد في تلك الحديقة، ومن بعده ابنه جلال الدين الرومي أيضا. ليتحول مكان الضريحين لاحقا إلى مزار نتيجة جهود السلطان ولد، نجل الرومي.
وكان المتحف يُسمى سابقا، بـ”متحف الأعصار العتيقة بقونية”، وتم تعديل اسمه سنة 1954 ليصبح “متحف مولانا”.
ومع إعلان منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، سنة 2007 “عام مولانا”، انتشرت فلسفة التسامح الرومي بشكل كبير حول العالم، وشهد ذلك العام العديد من الفعاليات حول الرومي.
ويشهد المتحف حاليا، أكبر وأوسع عملية ترميم منذ عهد السلطان العثماني محمود الثاني.
وأشار “يارار” إلى وجود حوالي 170 مقر مولويٍ حول العالم، ومركزها مولوية جلال الدين الرومي بولاية قونية التركية.
وأكد أن الرومي كان صورة للإسلام المتسامح والداعي للسلام، حيث دعا طيلة أيام عمره، إلى الأخوة الإنسانية، والوحدة، والتسامح والمحبة.
وللمتحف 4 أبواب في جهات مختلفة، وتحمل أسماء “درويشان”، و”هاموشان”، و”تشلبيان” وهو الباب المخصص للسياح وباب “كوستاهان”.
وتضم باحة المتحف نافورة أمر بصنعها السلطان العثماني سليم الأول سنة 1512، إضافة إلى بئر “شبي عروس”.
كما يضم المتحف في داخله مقتنيات تعود لمولويين من العهدين السلجوقي والعثماني، ومخطوطات، وآلات موسيقية استخدمها فيما مضى أصحاب الطرق المولوية، فضلا عن 9 صفحات من القرآن الكريم، يُعتقد أنها كتبت في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه.
كما تضم باحة المتحف، غرفا وأقساما تروي كل واحدة منها، جانبا معينا من جوانب الحياة والفترة الزمنية التي عاش فيها الرومي.
ومولانا جلال الدين الرومي، من أهم المتصوفين في التاريخ الإسلامي، حيث أنشأ طريقة صوفية عرفت بالمولوية، وكتب كثيرًا من الأشعار، وأسس للمذهب المثنوي في الشعر، وكتب آلاف أبيات الشعر عن العشق والفلسفة.
ولد الرومي في مدينة بلخ بخراسان، في 30 سبتمبر 1207، ولقب بسلطان العارفين لما له من سعة في المعرفة والعلم، استقر في قونية حتى وفاته في 17 ديسمبر 1273، بعد أن تنقل طالبا للعلم في عدة مدن أهمها دمشق.