عمّان – قنا|
يجمع الأردن، بين جماليات الطبيعة وعبق التاريخ، حيث يحمل كل موقع تاريخي فيه قصة تنتظر من يكتشفها، ما يجعل السياحة إليه ليست مجرد رحلة، بل غوص في أعماق الذات، حيث يلتقي الزائر بالجمال في أبسط صوره، ليكتشف أن السحر الحقيقي يكمن في التفاصيل الصغيرة التي تلمس القلب.
ويعتبر الأردن أحد أهم مناطق الجذب السياحي في الشرق الأوسط، ووجهة سياحية مميزة ومقصدا للسياح والزوار من مختلف أنحاء العالم طوال السنة، وذلك لتمتعه بمنتج سياحي متنوع وفريد.
مقصد جاذب
من هنا، أصبح الأردن مقصدا جاذبا لمحبي السياحة والسفر والاكتشاف، خصوصا الجيل الجديد من زواره، بفضل ما يجمعه من مزيج بين المعاصرة والعراقة، والتنوع في التضاريس والمناخ، والتاريخ والتراث الغني، وفوق ذلك حسن الضيافة عند شعبه وكرمه. ويعد القطاع السياحي من أهم القطاعات الرافدة لاقتصاد هذا البلد ، حيث بلغ الدخل السياحي بحسب بيانات البنك المركزي الأردني 7.2 مليار دولار أمريكي ، مسجلا ارتفاعا في عام 2024، وبنسبة انخفاض 2.3 بالمئة عما حققه في عام 2023.
وشهد هذا القطاع انخفاضا في أعداد الزوار خلال العام الماضي بنسبة 3.9 بالمئة، ليصل الى 6.1 مليون زائر، وفي عام 2023 حققت السياحة أعلى مستويات نجاحها وأدائها، حيث وصل عدد الزوار 6.353 مليون زائر. ويمتاز الأردن بتنوع المجالات السياحية، منها السياحة الثقافية والدينية، والترفيهية، والعلاجية “الاستشفائية”، والمغامرات، والسياحة البيئية، وسياحة المؤتمرات والمعارض، وكذلك المواقع الأثرية الشهيرة، والمحميات الطبيعية. ويزخر الأردن بعشرات المواقع السياحية والأثرية، أشهرها مدينة البتراء، التي تم اختيارها من عجائب الدنيا السبع، ويزورها نحو مليون سائح سنويا، والبحر الميت، الذي يعد أخفض نقطة في العالم عن سطح البحر، وجرش التي تتلاقى فيها حضارات الرومان واليونان والشرق، ووادي رم المعروف بوادي القمر لتشابه تضاريسه بتضاريس سطح القمر.
السياحة العلاجية
وفيما يخص السياحة الصحية والاستشفائية “العلاجية”، تعد البلاد من الدول الرائدة في مجال الاستشفاء العلاجي، وتشتهر بمواردها الطبيعية العلاجية من المياه المشبعة بالمعادن وشلالات المياه الساخنة والطين البركاني في البحر الميت، والحمامات المعدنية الحارة في ماعين، والحمة الأردنية شمالا ، وحمامات عفرا. ولخدمة الزوار القادمين للسياحة الصحية والاستشفائية “العلاجية”، افتتح الأردن مكتبا للسياحة الصحية والتعافي في مطار الملكة علياء الدولي، وذلك لتسهيل اجراءات قدوم المرضى الراغبين بالعلاج فيها.
وفيما يخص السياحة الدينية، عرف الأردن هذا النوع من السياحة منذ القدم، عندما كان يفد إليه الكثير من الزائرين لزيارة المعالم الدينية، رغبة منهم في توسيع دائرة الثقافة الدينية لديهم. وتزخر البلاد بالعديد من الآثار الإسلامية، حيث يوجد على ترابها مساجد ومقامات لأنبياء عاشوا أو مروا على ترابها، مثل مقام النبي شعيب والنبي نوح والنبي هارون، ومقام النبي أيوب، وكهف أهل الكهف، بالإضافة إلى مقامات صحابة الرسول محمد “صلى الله عليه وسلم”.
كما تمثل أرض الأردن بالنسبة للمسيحيين الموجودين في المنطقة، والقادمين إليها، المكان المثالي لإحياء المراحل والحقب المختلفة في الكتاب المقدس، كما تقع على أرضها الكثير من الأماكن المقدسة كالمغطس، وجبل نيبو، ومكاور، وكنيسة سيدة الجبل في عنجرة، وكنائس مار الياس. وتسعى الحكومة الأردنية إلى تقديم خطط متكاملة ومدروسة لتطوير المنتج السياحي في البلاد، ووضع التشريعات ورسم السياسات العامة، وإقرار الخطط والبرامج اللازمة لتنفيذها، وتطوير المواقع السياحية، وكل ما هو من شأنه تطوير السياحة فيها، كما تعمل على وضع سياسات التعليم والتدريب والتأهيل السياحي، والتوصية بتحديد تلك المواقع، واقتراح مشاريع القوانين والأنظمة المتعلقة بالسياحة، ووضع أسس ترخيص وتصنيف المهن السياحية، بالإضافة الى وضع أسس تحديد أسعار الخدمات السياحية.
السياحة الداخلية
وبهدف تنشيط السياحة الداخلية وتمكين المجتمعات المحلية وتوفير فرص العمل للأردنيين، أطلقت وزارة السياحة والآثار الأردنية برنامج “أردننا جنة” المدعوم من الوزارة بنسبة 40 بالمئة من تكاليف الطعام والشراب والإقامة، والنقل المجاني عبر حافلات سياحية حديثة. ويوفر البرنامج، الذي بلغ عدد المستفيدين منه العام الماضي نحو 400 ألف مواطن، أنماطا سياحية متنوعة ومختلفة، وتجربة سياحية فريدة، ويتضمن زيارات لحوالي 45 وجهة سياحية وأثرية في البلاد، فضلا عن إمكانية المبيت في مجموعة من الفنادق البيئية والمخيمات السياحية.
وأطلقت الوزارة نظاما إلكترونيا يسمى بـ”التذكرة الموحدة”، وهو عبارة عن موقع إلكتروني متطور ومتخصص، تتاح فيه عملية شراء تذكرة الدخول إلى الأردن بيسر وسهولة من قبل الزوار من جميع أنحاء العالم، لتسهيل حركة دخول الزوار الى المواقع السياحية، وتوفير المال والوقت والجهد، ويتيح نظام التذكرة الموحدة زيارة العديد من المواقع الأثرية والتاريخية والمتاحف في الأردن ضمن تذكرة شاملة.
وبحسب رؤية التحديث الاقتصادي التي أطلقها الأردن في عام 2023، يوجه محرك “الأردن وجهة عالمية” عملية تحويل البلاد إلى مقصد رئيسي للسياح الدوليين المتخصصين، لاسيما في مجال السياحة الثقافية والطبيعية والسياحة العلاجية والاستشفائية والدينية وسياحة المؤتمرات، وكذلك لمنتجي الأفلام من خلال تطوير نظام متكامل متخصص على المستوى العالمي.
ويتضمن قطاع السياحة 16 مبادرة، تشمل تطوير تجارب قابلة للتسويق مع التركيز على الباحثين عن تجارب فريدة وعلى مستوى عالمي في مجالات السياحة التراثية والطبيعية والدينية، والعلاجية والاستشفائية والمغامرات.
أما قطاع إنتاج الأفلام وتصويرها، فيتضمن تسع مبادرات، تشمل إنشاء أستوديوهات ومواقع خلفيات حديثة وتمكين جامعة أفلام دولية من إنشاء حرم جامعي في البلاد، والاستثمار في إنتاج محلي عالي المستوى والترويج له عالميا.
تطوير
وعلى صلة بالموضوع، دعا الدكتور إبراهيم الكردي عميد كلية السياحة والفندقة في الجامعة الأردنية – فرع العقبة، إلى ضرورة تحقيق التطوير في قطاعات السياحة التراثية والعلاجية والدينية وغيرها في بلاده ، وذلك من خلال دعم السياحة وتوفير التمويل اللازم لتطوير البنية الأساسية بالمواقع السياحية والأثرية والعمل على تعزيز الترويج السياحي عبر وسائل الإعلام والإنترنت وتطوير التعاون الدولي لجذب السياح وتدريب القوى العاملة في قطاع السياحة، الذي يعد خطوة أساسية لضمان تقديم خدمات متميزة للسياح.
وقال الدكتور إبراهيم الكردي: إنه يمكن استغلال الموارد الطبيعية التي يتمتع بها الأردن مثل المياه المعدنية والرمال الساخنة لتعزيز السياحة العلاجية من خلال إنشاء مراكز علاجية متطورة تضم أطباء متخصصين وتقنيات حديثة وتعزيز الشراكات مع المستشفيات والمراكز الطبية لتقديم خدمات علاجية متكاملة.
وبين أن الأردن يمتلك المواقع الثقافية والتاريخية المتعددة مثل مدينة البتراء وجرش والمدرج الروماني، حيث يمكن تطوير هذا النوع من السياحة من خلال تحسين البنية التحتية لهذه المواقع وتنظيم فعاليات وتعزيز البرامج الثقافية والمراكز الثقافية التي تحتوي على المعارض الفنية والمتاحف التي تبرز التراث الأردني، بالإضافة إلى زيادة المهرجانات الثقافية الدولية لجذب السياح من مختلف أنحاء العالم.
دور القطاع الخاص
وأكد الكردي أن القطاع الخاص شريك في الترويج للأردن عبر المعارض السياحية الدولية ووسائل الإعلام المختلفة وتنظيم الفعاليات الثقافية والتراثية لجذب السياح وتطوير منتجات سياحية مبتكرة مثل السياحتين البيئية والعلاجية. وأشار إلى أن المستثمرين يعتبرون عنصرا أساسيا في دعم قطاع السياحة من خلال بناء مشاريع سياحية كبرى مثل المدن المائية والمراكز الترفيهية والاستثمار في التكنولوجيا لتحسين جودة الخدمات السياحية والترويج للاستثمار في هذا القطاع، ما يجذب المزيد من هذا النوع من المشاريع، مؤكدا ضرورة تشجيع الاستثمار في القطاع السياحي، من خلال تقديم حوافز متنوعة.
وفيما يتعلق بقطاع إنتاج الأفلام، أوضح الكردي، أن تصوير الأفلام العالمية بالأردن يعد خطوة مهمة لترويج المواقع السياحية والأثرية فيها، لافتا إلى أن دعم إنتاج الأفلام الأردنية سيساهم في تعزيز الصناعة السينمائية المحلية ومشاركتها في المهرجانات الدولية، ما يسلط الضوء على الثقافة والتراث الأردني، مشددا على أهمية دعم المهرجانات السينمائية والفعاليات الثقافية لترويج الأردن كوجهة عالمية.
استدامة
ومن جهته، أكد الدكتور نضال ملو العين الخبير السياحي، على ضرورة التركيز على استدامة الموارد الطبيعية والثقافية وتطوير القطاع السياحي ليكون الأردن على خريطة السياحة العالمية، لافتا إلى ضرورة تحسين شبكات النقل والمواصلات وتأهيل المطارات لاستقبال عدد أكبر من السياح وتقديم خدمات متميزة في الفنادق والمنتجعات السياحية وتسليط الضوء على المزايا الفريدة التي يتمتع بها الأردن، لجذب السياح من مختلف دول العالم والترويج للسياحة الثقافية عبر إبراز مواقع مثل “البترا” والسياحة الاستشفائية من خلال تسويق مناطق مثل البحر الميت وحمامات ماعين والسياحة العلاجية عبر تطوير المستشفيات والمراكز الصحية، وتسهيل الإجراءات السياحية وإصدار التأشيرات وتبسيط الإجراءات الجمركية للسياح، وتوفير الحجز الإلكتروني والخرائط التفاعلية، ما يساعد على تحسين تجربتهم.
وبين أن إشراك المجتمعات المحلية في صناعة السياحة يعد جزءا أساسيا من إنجاح الرؤية، حيث يمكن تدريب السكان المحليين ليكونوا جزءا من القطاع السياحي من خلال تقديم خدمات الإرشاد السياحي والمنتجات الحرفية التقليدية.
وأردف الخبير ملو العين قائلا : إن تعزيز مكانة الأردن كوجهة عالمية تتطلب استراتيجية تسويقية قوية، تشمل حملات إعلانية دولية والمشاركة في المعارض السياحية العالمية، مشيرا إلى أنه لتشجيع إنتاج الأفلام العالمية في الأردن، يجب العمل على تطوير نظام متكامل لدعم صناعة الأفلام.
وأكد أن إنتاج الأفلام العالمية في الأردن سيعزز من الترويج السياحي للمواقع السياحية والأثرية من خلال الأفلام التي تعرض جماليات الطبيعة والتراث الأردني.
السياحة الثقافية
وبدوره، قال الدكتور عبد القادر عبابنة الأستاذ في قسم السياحة والسفر بجامعة اليرموك، إن السياحة الثقافية تحتل مكانة بارزة في الأردن، حيث تركزت جهود التطوير منذ البداية على هذا النمط من السياحة، وحظيت باهتمام كبير ما جعلها من أهم عوامل الجذب السياحي في البلاد. وتابع: أن الأردن يعتبر من الدول الرائدة في السياحة العلاجية على المستوى الإقليمي والعالمي، ويجذب الأردن المرضى من مختلف الدول لإجراء العمليات في مستشفياته ومراكزه الطبية، مبينا أن السياحة الاستشفائية التي تعتمد على الموارد الطبيعية مثل البحر الميت والينابيع الحارة ما زالت بحاجة إلى تطوير رغم الإمكانيات الكبيرة التي توفرها هذه الموارد.
وأكد الدكتور عبابنة أن السياحة الدينية تمثل فرصة كبيرة للنمو، فالمواقع المسيحية مثل المغطس وجبل نيبو ومكاور شهدت تطورا ملحوظا، علاوة على المزارات الإسلامية، والخاصة بمزارات الصحابة ومنطقة أهل الكهف وبعض المقامات، داعيا إلى اهتمام أكثر بهذه المواقع، بهدف زيادة تطويرها وتحسينها.
ودعا إلى تطوير مراكز المؤتمرات في الأردن لتشمل مناطق أخرى غير البحر الميت وعمان، وتحسين الخبرات المتعلقة بتنظيم الفعاليات والمؤتمرات بما يتناسب مع المنافسة القوية من دول الجوار. وشدد على ضرورة استغلال المواقع الأثرية الأردنية مثل البترا ووادي رم بشكل أكبر لتعزيز حضور الأردن على خارطة إنتاج الأفلام العالمية.