الأسواق التقليدية في ساحل الباطنة.. اندثرت في زمن النهضة.. !!

استطلاع – يوسف بن أحمد البلوشي | عاشت الأسواق التقليدية على ساحل الباطنة زمنا جميلا قبل عهد النهضة المباركة وازدات رونقا وحركة مع بدايات عصر النهضة الحديثة حتى منتصف الثمانينيات، واصبحت تدب فيها الحركة التجارية منذ الصباح الباكر وحتى وقت المساء.
أسواق بركاء والمصنعة والسويق وصحم والخابورة، هناك عاش إنسان عمان زمنا وحالة خاصة بينه وبين تلك الأسواق وكانت تسمى البندر وتفد اليها التجارة من داخل السلطنة وخارجها. محلات تجارية عامرة بوجود الإنسان العماني الذي يقف في دكانه يبيع القهوة والرز والتمر والبهارات والاسماك المجففة وغيرها من الاحتياجات المنزلية في ذلك الوقت. وفي أيام الأعياد تنتعش تلك الأسواق بأصوات الباعة منذ الفجر، كما أنها كانت أحد المراكز الرئيسية لبيع الأسماك الطازجة، هناك تأتي مراكب وسفن الصيد محملة بأنواع شتى من الأسماك العمانية.
اليوم تعيش هذه الأسواق حالة من الاندثار والهجرة من أصحاب المكان بعد هجرت وتركت قاعا صفصافا واندثرت بينما كانت جزء من التاريخ العماني الضارب في الأعماق. وفي وقت لا تزال الحكومة تحافظ وترمم الأسواق والقلاع والحصون تم تناسي تلك الأسواق لعدم وجود خطة واضحة لترميم هذه الأسواق حتى ماتت موتتها الأخيرة من دون حالة إنعاش واحدة حتى يومنا هذا.
“وجهات” تطرح هذا الموضوع للنقاش مع عدد من سكان تلك الولايات وكيف يرون تلك الأسواق وما هو المأمول في هذا الوقت بالذات من أجل احياء تلك الأسواق حتى تعود لها الحركة التجارية والسياحية التي تشكل املا جديدا في ظل جهود الحكومة لإعادة الماضي بتراثه وتاريخه الجميل.

٨٢

أسباب عديدة
يقول عبدالله بن محمد جمعة البلوشي ممثل ولاية المصنعة في مجلس الشورى، في الحقيقة الاسباب عديدة لوصول حال الأسواق في ولاياتنا الى ما آلت إليه اليوم، من بينها هجرة السكان واصحاب المحلات تلك الأسواق التي كانت يوما ما عامرة بالحركة التجارية بعد ان تكونت أسواق جديدة على شارع الباطنة فبدأ التراجع ينال الاسواق التي في الداخل، حتى هجرت تماما بعد زمن.
وأضاف:  لقد كان أصحاب تلك المحلات هم السبب الرئيس الذي جعل الهجرة تطال هذه الأمكنة التاريخية التي كانت مكانا تجاريا من الدرجة الأولى.  واليوم لا نزال نسعى لعودتها الى سابق عهدها ولكن نعيش حالة مرة اخرى وهي شارع الباطنة الساحلي الذي بات مساهما في عدم تشجيع الناس للعودة الى تلك الأسواق لانه يقسم الأسواق الى اجزاء خاصة القريبة من السوق وبالتالي سوف يسهم في هجرة اخرى للسكان من مواقعهم الاصلية. وبدأ كثيرون يفكرون في التعويض المالي وليس العودة للسوق ولا يفكر في إحياء السوق كموقع تاريخي للولاية.

مساع حثيثة
ويوضح عبدالله البلوشي قائلا : نسعى اليوم بالتعاون مع الجهات المعنية في الحكومة لإعطاء دفعة جديدة لهذه الأسواق خاصة بعد ان تم ترميم القلعة بقرب السوق وتواجد موظف في القلعة مما اسهم شيئا  ما في عودة الحركة السياحية الى الولاية. ونحن اليوم نطالب الحكومة بوضع خطة عمل لهذه الأسواق حتى يتم إحيائها مرة اخرى لتكون مقصدا سياحيا وتجاريا في الولاية.
وقال؛ تم الاجتماع منذ فترة مع الشركة التي تنفذ ميناء الصيد في الولاية وطلبنا منهم ان يخصصوا مظلات للصيادين لبيع الأسماك والحمد لله تم عمل ذلك واليوم اصبح بيع الاسماك داخل الولاية مرة أخرى.
ويؤكد عبدالله البلوشي ان سوق المصنعة القديم به اكثر من 40 محلا تجاريا لذلك ان ترميم هذا السوق اصبح مهما للحفاظ على تاريخ مهم يشكل جزء لا يتجزأ من الولاية.

نلوم من..!
اما احمد بن عبدالكريم الهوتي من ولاية بركاء فيقول، ضياع الأسواق القديمة في ولايات ساحل الباطنة له شقين الاول يتمثل في هجرة السكان انفسهم لهذه الأسواق بعد قيام أسواق جديدة على الشارع العام لخط الباطنة، والشق الثاني يتمثل في غياب خطة من الحكومة للحفاظ على هذه الأسواق.
ويؤكد قائلا؛ لا نعرف اليوم من نلوم ونضع عليه السبب الحقيقي لما وصل اليه الحال في هذه الأسواق ولكننا نؤكد الطرفين مسؤولين في الامر. وقد جاءت في فترة ما الحكومة وقالت ان تطوير الأسواق من شأن الحكومة وجلست الناس تنتظر حتى يومنا لم نر شيئا. كما لم تسمح البلديات للمواطنين بترميم محلاتهم التجارية على اعتبار وجود خطة للتطوير.
ويضيف؛ الرعيل الأول من التجار وجدوا الناس تتجه نحو الأسواق الحديثة وتركوا المحلات التجارية القديمة وبالتالي هجرت حتى من المستهلكين الذين ساهموا في الاندثار ايضا للأسواق.

غياب الرؤية
واكد الهوتي على أن غياب الرؤية من قبل الحكومة تجاه هذه الأسواق ساهم باندثارها وإيصال الحال لما وصلت اليه اليوم. وناشد الجهات المعنية بوضع خطة لاعادة الحياة للأسواق على ساحل الباطنة من خلال العمل غلى إنشاء شركات أهلية خاصة من قبل الأهالي لإدارة هذه الأسواق والعمل على عودتها إلى الزمن الجميل. مشيرا الى انه حتى في الوقت الحالي حيث ينشأ ميناء في الولاية لا توجد رؤية لتطوير هذه الأسواق. لذلك نأمل بخطة واضحة تعمل على وضع رؤية لهذه الأسواق.

تحولات كبيرة
ويقول قيس بن سالم المعمري أحد أبناء ولاية صحم:
يعزو سبب اندثار الأسواق التقليدية في الباطنة إلى التحولات الكبيرة التي شهدتها المنطقة وشملت تحولات اقتصادية واجتماعية وثقافية واستهلاكية. وهذا التحول انعكس على هذه الأسواق من جانب مرتاديها او القائمين عليها وحتى بالنسبة للمعروض بها فالسلع التي كانت مهمة اصبحت أقل أهمية والبدائل اصبحت كثيرة ومتاحة بشكل تسويقي أفضل والمرتادين اختلفت اهتماماتهم بشكل أكبر والتجار شملهم التحول فمنهم من غير نشاطه او اعتزل او اتجه اتجاه اخر .
وأضاف المعمري؛ عليه فإن تلك الأسواق وبحكم اهمالها وقلة مرتاديها باتت عبئا على صناع القرار الراغبين في الحداثة والتجديد واتجهوا لازالتها واستحداث اسواق احدث بمواقع تتناسب مع تحولات هذه المجتمعات وهو تصرف طبيعي اهمل فيه قيمتها المعنوية والتاريخية وكان يمكن تجديدها للحفاظ عليها بخسائر اقل مع  الحفاظ عليها.

تحديث
وقال: هنا لا يمكن بأي حال من الاحوال إعادة هذه الأسواق بشكلها القديم ونكهتها السابقة ولكن يمكن تشييد أسواق حديثة ذات طراز قريب من الأسواق القديمة مع الحفاظ على الهوية ومحاولة استقطاب رواد هذه الأسواق عبر عرض السلع القديمة مع تطويرها واقامة فعاليات منتظمة في هذه الاسواق لتنشيطها ودعم التجار والمؤسسات الصغيرة لجذبهم لتلك الأسواق وعرض المنتجات الاصيلة التي كانت تميز كل سوق في كل ولاية ومحاولة جعل هذه الاسواق مزار سياحي يسقطب السكان وقاطني المحافظات الاخرى والسياح والاهم من ذلك شراء منتجات هذه الأسواق لتحقيق الدورة الاقتصادية والانتعاش لاحياء هذه الأسواق بشكل دائم.

سلبت الأسواق
ويقول سلطان بن حميد الحوسني من أبناء ولاية الخابورة؛ الأسواق التقليدية على ساحل الباطنة لم تندثر، بل سلبت نتيجة سوء التخطيط وسوء التقدير. وررغم قيمتها التاريخية والتراثية والاقتصادية، الا ان كل ذلك لم يكن محل اهتمام وتقدير عندما بدأ المخططون وضع الخطط لما يقال عنه تطوير المناطق الساحلية.
ويضيف؛ لم تكن هذه الأسواق بما تضم من قيمة كبيرة للسلطنة وللسكان من النواحي المختلفة محل تقدير من ممن يعنيهم الامر، بل لم تكن في وضع الحسابات للحفاظ عليها إطلاقا وكانت القرارات المتخذة عبارة عن حكم الإعدام لهذه الأسواق وكأنها نسيا منسيا.

نظرة قاصرة
ويقول الحوسني: لم تشفع لتلك الأسواق قيمتها التاريخية ولا بناءها التراثي وعمرانها العُماني لتكون محل رعاية للاهتمام بها والحفاظ عليها لتكون دلالة على تاريخ عمان التجاري وتواصلها مع بقية أقطار العالم، حيث ان النظرة القاصرة وغياب الرعاية بالتاريخ تقرر معه هدم هذه الأسواق وتهجير أصحابها إلى مواقع أخرى.
علماً بان ما قيل من مسببات لهدم هذه الأسواق وأبرزها التطوير لم يحدث منه شيئا منذ سنوات وحتى الآن.
في كل دول العالم تكون للاسواق التقليدية مكانة تاريخية وهذا يعزز من الجوانب السياحية للدول حيث يتم الاهتمام والعناية بها والحفاظ عليها بنفس هويتها السابقة وبالتالي، ينبغي علينا ألا ننظر لها بأنها أسواق فقط بل يجب ان تتشارك مختلف الجهات للاهتمام والرعاية بهذه الأسواق واعتبارها إرث تاريخي ينبغي الحفاظ عليه ولتكون علامة بارزة لكل ولاية.
ويؤكد الحوسني على اهمية تضمين هذه الأسواق مساحة صغيرة بها لتوثيق تاريخها كما يجب الاهتمام بها لتكون مرجعا لمرتاديها من متسوقين وسياح سواء من داخل السلطنة او خارجها.
كما يجب علينا ان ندرك بان عمان دولة لها تاريخ عريق والأسواق التقليدية أحد أهم معالم هذا التاريخ وبالتالي الاهتمام بها يعني الاهتمام بالتاريخ العُماني وإذا ما تم استغلالها بشكل جيد هي أيضاً بمثابة احد عوامل الجذب السياحي.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*