بيروت جوهرة تشع تاريخًا وحضارة على البحر الأبيض المتوسط

 

بيروت – العمانية | 

بيروت عاصمة لبنان كانت ولا تزال تتباهى بما فيها من حيوية وروح إبداع رائعة تشعّ ليس لأنها عاصمة لبنان فقط، بل لأنها تقع على رأس بحري يمتد في البحر كلسان سلسلة جبال مهيبة تحيط به المياه، ويبلغ عدد سكانها أكثر من مليوني نسمة، وهي مركز نشاط اقتصادي وثقافي يتجاوز نفوذه وتأثيره حدود أرض لبنان.

وحسب المؤرخ كمال الصليبي، “فإن اسمها في اللغات السامية بيروت (جمع كلمة بير) أي “آبار المياه “، وكانت تسمى قديمًا “غرغش” (نسبة إلى قبيلة كنعانية قديمة) ولا تزال تسمية “خليج مار جرجس” تراثًا محفوظًا لهذه القبيلة في بيروت.

وتعد بيروت مدينة ذات ماضٍ تليد يزيد عمرها على (4000) سنة، ازدهرت منذ القدم بمينائها على الشاطئ الكنعاني – الفينيقي للبحر المتوسط، وكانت محطة تجارة والتقاء بين الشرق والغرب، وتردد اسمها في رسائل تل العمارنة (في مصر) الشهيرة (في القرن الرابع عشر قبل الميلاد) وكانت مدينة عامرة يحكمها ملك يدعى “عمونيرا”.

واختارها الرومان لتكون مقرًا لمدرسة الحقوق (مدرسة الحقوق في بيروت) أو (مدرسة الحقوق الرومانية)، التي أنشئت في أواخر القرن الثاني الميلادي، وازدهرت منذ أوائل القرن الثالث حتى منتصف القرن السادس الميلادي، وأسس هذه المدرسة سبتيموس سفيروس 193-211م، وخلّد ذكره في مدينة بيروت بمعبد وتمثال، ويقصد المدرسة طلاب من مختلف أنحاء العالم لدراسة التشريع.

وقام الرومان بإنشاء مدارس فقهية أخرى في رومية الإسكندرية وقيصرية فلسطين وأثينا والقسطنطينية، إلا أن شهرة مدرسة بيروت تفوقت على تلك المدارس جميعًا، وقد تعرضت هذه المدرسة للانهيار واندثرت تماما عام 551 ميلادي، واختار الأمبراطور البيزنطي جوستينيان مجموعة من أساتذتها لوضع شرائع دولته التي بقيت طوال قرون مصدراً لشرائع العالم الغربي.

وبحسب المؤرخ لويس شيخو، فإن المتجول في بيروت اليوم يلتقي بتراث الكنعانيين والإغريق والرومان والبيزنطيين والعرب والعثمانيين والفرنسيين، ويكتشف مزيجًا من الثقافات، ويتفاعل مع شعب تتنازعه الميول المعاصرة والحنين إلى التجديد المبدع في اللغات والحضارات والنهضات.

وخلال الحرب العالمية الأولى كانت بيروت مدينة شرقية جديدة بسحر البحر المتوسط، وتنفرد بتنظيم مدني أوروبي، وتتميز بحجارتها وشرفاتها الصغيرة، وتعود معظم الأبنية القديمة فيها إلى الحقبة العثمانية أو زمن الانتداب الفرنسي.

وتضم بيروت عددًا من المؤسسات الرسمية وأهم المتاحف والجامعات والمطار الدولي الرسمي، وقد انطلق مشروع ترميم وسط بيروت وإعادة إعماره، بفضل جهود رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري الذي أسس مشروع سوليدير على امتداد 180 هكتاراً، وجعل منه مساحة حيوية تميزت بوجود الفنادق والمكاتب والعمارات السكنية، وقد أتاح ردم نصف مليون متر مربع من البحر من إقامة مرفأين للسّياحة والنزهات على شاطئ البحر وحديقة عامة.

ومنذ العام 1994، كشفت بيروت عن صدرها عبر حقبات مختلفة من تاريخها العريق من خلال عمليات إعادة البناء؛ وعمل بعثات تنقيب أثرية في حفريات أثرية أبرزت الكثير من الآثار والكنوز الرائعة، وقد تمّ تصنيف عدد من الأبنية والأماكن المقدّسة والعامّة في وسط بيروت كآثار تراثيّة، واحتفظت المدينة بطرقاتها الرئيسية مع تحسين وتحوير في المناطق المستحدثة، وإتخذت الأسواق حلّة جديـدة وأزيل غبار السنين عن الأبنية الرسمية فأكسبها التّجديد مسحة معمارية حديثة.

وبحسب المديرية العامة للآثار فقد كشف وسط المدينة عن كنوز تاريخية وأثرية تعود إلى الحقبات العثمانية والصليبية والعباسية والأموية والبيزنطية والرومانية والهللينستية والفارسية والكنعانية، وبرزت هذه الكنوز والمواقع الأثرية في حدائق عامة مفتوحة للزائرين، كما تمّ العثور على امتداد لمدافن بيروت الرومانية، ولأول مرة عثر في جنوب العاصمة على منشآت رومانية، وأدوات تعود إلى عصور ما قبل التاريخ.

وكان يُطلق على بيروت اسم “باريس الشرق” في أيام ازدهارها الأولى بعد الاستقلال، ولا يزال البعض يلقبها بهذا اللقب الى اليوم، ويعود ذلك إلى النمط العمراني، المعالم الأثرية، الأسواق، المطبخ البلدي، والحياة الليلية، التي يشبهها البعض بتلك الموجودة في فرنسا، والتي من شأنها إبقاء السائح مهتما بالمدينة أثناء زيارته للبنان.

جدير بالذكر أن بيروت قد حصلت على المركز التاسع في قائمة أفضل المدن لمجلة السياحة والترفيه (بالإنجليزية: Travel and Leisure) لسنة 2006، حيث أتت في مرتبة متأخرة عن مدينة نيويورك ومتقدمة عن سان فرانسيسكو.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*