النمسا.. وكأنها خارجة من قصة خيالية

سالزبورج – وجهات | 

لن يحتاج الأمر منك أكثر من نظرة من نافذة طائرتك التي توشك على الهبوط على أحد مدرجات مطارات النمسا حتى تحظى بمتعة مشاهدة لوحات طبيعية جميلة مناظر بانورامية خضراء تخطف الأبصار. وسيرافقك هذا الجمال الطبيعي الخلاب عند ركوبك أحد قطارات السكك الحديدية النمساوية التي تضمن متعة السفر وسهولته من خلال ما توفره من دقة وسرعة وخدمات متكاملة، ناهيك عن ربطها الرائع بين المدن والقرى النمساوية بطريقة تتيح للسائح زيارة أماكن مختلفة والتمتع بإجازة مريحة، كما ستواصل المناظر الطبيعية الآسرة مغازلة عينيك في كل خطوة تخطوها صعوداً أو نزولاً، وما أروعها عند ركوب التلفريك.

فإذا كنت من عشاق الإطلالات البانورامية المهيبة والراغبين في التواجد على مقربة تامة من الطبيعة والتعرف على قرى كتلك التي تقرأ عنها في كتب الحكايات الخيالية، فسوف تجد مبتغاك في النمسا التي ستعمل على تحويل عطلتك في أرجائها إلى لحظات محفورة على جدران الذاكرة. وعلى الرغم من وفرة هذه الأماكن، إلا أن هناك وجهات لا ينبغي على عشاق المساحات الطبيعية الخضراء والإطلالات البانورامية المتفردة تفويت مشاهدتها، وعلى رأسها طريق أعالي جبال الألب “غروسغلوكنر” الذي يمر من أمام أعلى جبل في النمسا إلى قلب حديقة هوه تاورن الوطنية، حيث يمكن مشاهدة نباتات وحيوانات نادرة. فعبر نحو 36 منعطفاً، يقودك هذا الطريق ذو المناظر الطبيعة الساحرة إلى ارتفاع يبلغ 2,571 متراً تقريباً، لينتهي بك المطاف عند أطول منحدر جليدي في جبال الألب الشرقية، ألا وهو “باستيرز”. يوفر هذا المنحدر الجليدي الأطول في جبال الألب الشرقية نقاطاً تتيح فرصة اختبار الجليد.

ويمكننا القول أنها رحلة لا تُنسى في أكبر حديقة وطنية من نوعها، حيث تنتظر المرء سمات لا تجتمع إلا في مكان رائع كهذا، بدءاً من مياه الشلالات المتساقطة بسرعة، مروراً بنظرات عيون حيوان المرموط الفضولية، ووصولاً إلى الثلوج في فصل الصيف. وعلى طول طريق أعالي جبال الألب “غروسغلوكنر” هناك قمم جبلية ومناظر مذهلة. وعند الوصول إلى قمة “إيدل فايس شبيتسه” يمكن مشاهدة أكثر من 30 قمة تتربع على ارتفاع 3000 متر، علماً أن قمة “إيدل فايس شبيتسه” هي أعلى نقطة في النمسا يمكن الوصول إليها بواسطة السيارة.

ومن الوجهات السياحية الأخرى التي تقع وسط جبال الألب أيضاً، تبرز مدينة إنسبروك، عاصمة ولاية تيرول، التي يستغرق الوصول إليها بالسيارة مدة ساعة ونصف فقط من ميونيخ الألمانية. وهي المكان الوحيد في العالم، الذي يتيح لك التسوق في مركز مدينة تاريخي يعود للقرون الوسطى، والانتقال منه في غضون عشرين دقيقة فقط إلى مطعم جبلي يقع على ارتفاع 2000 متر! وبإمكانك هناك الاستمتاع باحتساء فنجان من القهوة بينما تتأمل مناظر جبال الألب الخلابة. وبالطبع، فغن كل ما تحتاج فعله هو ركوب التلفريك الذي يُطلق عليه اسم “نوردكيتينبان” الذي صممته المهندسة المعمارية الراحلة زها حديد. ولكون إنسبروك هي المكان الوحيد في العالم الذي استضاف الألعاب الأولمبية الشتوية مرتين، فبإمكانك أن تتوقع مشاهدةَ مناظر مذهلة حقاً هناك في الأعالي.

أما أولئك الذين لديهم الجرأة على السير فوق الجسر المعلق المدهش والذي يصل طوله إلى 140 متراً فبإمكانهم الوصول إلى قمة “شتوبنر كوغل” في وادي غاشتاين ومنصة المشاهدة البانورامية “غلوكنربليك” ذات المظهر الراقي، فهي مصنوعة من الفولاذ والخشب، ومثبتة على الجانبين بسور من السلاسل الحديدية لضمان عدم وجود أي حاجز يعيق الرؤية، بينما يتمتع الزوار من خلال الفتحات الزجاجية في الأرضية بمدى رؤية واضح لمشاهدة الأعماق في الأسفل.

ولا ينتهي سحر الإطلالات الجبلية الخلابة هنا، بل يمتد إلى مناطق أخرى في ربوع النمسا الجميلة، كمنطقة كوفشتاينرلاند التي تحتوي على مدينة واحدة وثماني قرى، تجمع بين سحر الريف والنمط الحضري، لاسيما من خلال بلدة كوفشتاين التي تقع بالقرب من الطبيعة وتُعرف بأنها لؤلؤة تيرول. فهي كبيرة بما يكفي لتكون ثاني أكبر مدينة في ولاية تيرول ولتثير الإعجاب بما تقدمه من مجموعة واسعة من العروض الثقافية، وبالرغم من ذلك فهي صغيرة بما يكفي لإتاحة فرصة زيارة جميع معالمها السياحية سيراً على الأقدام أو بواسطة وسائل النقل العام ولتشع بسحر تيرول المفعم بالود.

وبإمكان الراغبين في استكشاف الطبيعة عن قرب في كوفشتاين الانطلاق في رحلاتهم خلال دقائق معدودة فقط. ففي الجوار توفر “تجربة طبيعة جبال القيصر” الواقعة على ارتفاع 1200 متر فوق مستوى سطح البحر، ممرات رائعة للسير على الأقدام ومراكز للاستراحة ومناظر خلابة لجبال الألب. ويقوم “مصعد القيصر” بنقل الزوار إلى هذه التجربة الطبيعية خلال عشرين دقيقة فقط. أما أفضل مكان للاستمتاع بالاسترخاء التام فهو قرب بحيرات السباحة النقية السبع في المنطقة، حيث تعمل درجات الحرارة اللطيفة على جذب الزوار إلى القفز في الماء بعد نزهة أو جولة بالدراجات الهوائية.

وستحظى عند زيارتك ولاية فورأرلبيرغ بوقت أطول ومساحة أوسع للاستمتاع بصيف جبال الألب، حيث تقع تقع “ليخ آم أرلبيرغ” في الجبال غربي النمسا، وذلك على مستوى 1.450 متراً، وصولاً إلى ارتفاع 2.811 متراً. هنا، ستجد نفسك في قرية أصيلة جميلة تحيط بها المناظر الطبيعية الجذابة وتُعرف بفنادقها الراقية، التي تتمتع بطابع ألبي نموذجي والعديد من مطاعم الذواقة الحاصلة على جوائز وذات الأجواء المريحة. فعندما تكتسي المروج باللون الأخضر وتكشف عن ثوبها الصيفي، تشهد “ليخ آم أرلبيرغ” توافد المتجولين وعشاق السيارات القديمة ولاعبي الغولف ومحبي الموسيقى الكلاسيكية وعشاق الموسيقى التقليدية.

وتعتبر “ليخ” الواقعة في وادي “أرلبيرغ” وجهة محبوبة لدى المصطافين، حيث تقدم لهم مجموعة متكاملة من الأحداث المختلفة بين نهاية يونيو وبداية أكتوبر.

وبالنسبة للنشاطات التي يمكن ممارستها في الجبال فهي كثيرة. وقد يكون الصعود بواسطة التلفريك إلى روفيكوبف، على ارتفاع 2362 متراً، من الأمور التي يُنصح القيام بها، حيث يتيح ذلك للمرء مشاهدة منظر بانورامي لجبال الألب بزاوية 360 درجة، ويتيح في نفس الوقت فرصة الاستمتاع بتناول فطيرة التفاح النمساوية”آبفل شترودل”. كما يمكن في غضون عشرين دقيقة الوصول سيراً على الأقدام إلى بحيرة “مونزابون”.

ولكن جاذبية “ليخ آم أرلبيرغ” لا تقتصر فقط على فصل الصيف. فهنا، يجد المرء أيضاً أمامه وقتاً أطول ومساحة أرحب ليستمتع بشتاء جبال الألب، لاسيما إذا عرفنا أن نشاطات التزلج بدأت هنا قبل 120 سنة. وتعتبر “ليخ زورس” قرية جبلية جميلة وعصرية تغطيها الثلوج كما في القصص الخيالية. وتُعرف القرية بفنادقها الراقية، التي تتمتع بطابع ألبي نموذجي والعديد من مطاعم الذواقة الحاصلة على جوائز وذات الأجواء الودودة. ومع تلفريك “فليكسنبان” أصبحت منطقة “أرلبيرغ” أكبر منطقة تزلج متصلة في النمسا مع 305 كم من المنحدرات. وبركوب التلفريك الجديد من”زورس”  إلى “راوز” يشعر المرء وكأنه يطير فوق المناظر الطبيعية. وتعتبر “الحلقة البيضاء” مسار تزلج ألبي تاريخي، يمتد من”ليخ” إلى “زورس”، ويعد الدرب من “مادلوخ” إلى “تسوغ” واحداً من أطول الأشواط. وبالإجمال، يبلغ طول الحلقة البيضاء 22 كم، بارتفاع 5500 متر، حيث يمكن لمتزلج ذي مهارة متوسطة قطعها في حوالي ثلاث إلى أربع ساعات.

كما تتوافر مسارات مجهزة للمشي تتيح فرصة التمتع بالمناظر الطبيعية الشتوية الرومانسية، حيث يمكن للمرء التنزه سيراً على الأقدام نحو كوخ ساحر مفعم بالدفء والتمتع بتناول وجبة نمساوية لطيفة أو غداء، أو الاستمتاع بأشعة الشمس اللامعة والسماء الزرقاء الشتوية الصافية على إحدى الشرفات المشمسة. ويمكن إكمال ذلك بالتوجه إلى منطقة السبا في واحد من الفنادق الفاخرة الكثيرة المنتشرة هناك.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*