السلطنة الأولى عالميا في السياحة البيئة عام 2010

كتب: داود البلوشي

شكلت الرؤية الحكيمة لجلالة السلطان المعظم – حفظه الله ورعاه – دعائم وأبعاد للعمل البيئي في السلطنة، وحققت ارتباطا بين مسيرة التنمية وأهداف اصحاح البيئة بإدخال الاعتبارات البيئية في جميع مراحل التخطيط والتنفيذ للمشاريع التنموية كافة.
وتفردت السلطنة بانجازات هامة في مجال العمل البيئي باعتباره أحد المقومات الأساسية للتنمية الإقتصادية والإجتماعية التي تشهدها البلاد منذ انطلاق فجر النهضة المباركة وبتجاوب كبير ومشهود مع الصحوة البيئية على الصعيدين الإقليمي والعالمي .

   وعلى امتداد أكثر من أربعة عقود مثلت مسيرة العمل البيئي أحد أهم معالم النهضة العمانية وغدت احدى المرتكزات الأساسية لخدمة أهداف التنمية المستدامة في جميع جوانبها، وتجاوز هذا العمل بعطائه حدود السلطنة ليشمل مد جسور التعاون مع سائر دول وشعوب العالم ومشاركتها جهودها من أجل حماية بيئة الأرض وتأمين احتياجات الأجيال الحاضرة ومستقبل الأجيال القادمة.
وتحرص الجهات الحكومية المسؤولة عن البيئة في السلطنة استجابة لتوجيهات جلالته السامية على تحقيق مفهوم  التنمية المستدامة للموارد الطبيعية، حيث تعمل على مواصلة تنفيذ مشاريعها الهادفة إلى حماية وصون البيئة العمانية من خلال استراتيجيات وطنية تقوم بتنفيذها بالتعاون مع مختلف الجهات الحكومية ذات العلاقة لترسيخ مبادئ المنظومة التشريعية للبيئة العمانية التي تركز على حماية الإنسان والبيئة من التلوث بكافة أنواعه ومصادره وأثاره، وأهمية صون موارد البلاد الطبيعية وحمايتها من التدهور والاستنزاف، وحماية الحياة البرية والفطرية والحفاظ على مفردات الطبيعة العمانية، وترسيخ الوعي البيئي لدى جميع شرائح المجتمع، وتعزيز التعاون والتضامن الإقليمي والدولي في المجال البيئي والالتزام بتنفيذ الاتفاقيات الدولية في المجال ذاته.

الاهتمام السامي بالبيئة

 مكّن الاهتمام السامي لجلالة السلطان المفدى المتواصل بالبيئة من وضع المرتكزات التشريعية والمؤسساتية التي كرّست بصفة بارزة مدى حرص الحكومة الرشيدة على توفير كافة مقومات النجاح لتحقيق الأهداف النبيلة للتنمية وضمان حق كافة الأجيال من الاستفادة من الموارد الطبيعية المتنوعة بطريقة متوازنة وعادلة.
مثل ” المرسوم السلطاني السامي رقم 34/74 الصادر في عام 1974 الخاص ” بالتحكم في التلوث البحري ” النواة الأولى للبناء التشريعي في المجال البيئي . وتبع ذلك صدور ” المرسوم السلطاني السامي رقم 68/79 بانشاء ” مجلس حماية البيئة ومكافحة التلوث ” الذي تشرف  برئاسة جلالته، ويعتبر إنشاء هذا المجلس بمثابة وضع حجر الزاوية للانطلاق في البناء المؤسسي البيئي بالسلطنة . كما وضع ” المرسوم السلطاني رقم 10/82 الخاص بقانون حماية البيئة ومكافح التلوث ” الأسس العلمية والعملية للممارسات العامة والخاصة في المجالات البيئية ضمن إطارها التشريعي الصحيح، وأكد القانون على ضرورة توفير أكبر قدر من الرعاية الصحية والاجتماعية للمواطنين وحماية ثروات الوطن الطبيعية وموارده الاقتصادية والحفاظ على تراثه التاريخي والحضاري وتجنب أية أضرار أو أثار جانبية يحتمل ظهورها نتيجة للبرامج والمشاريع التنموية المختلفة التي يتم تنفيذها في كافة مناطق السلطنة .
ولا شك أن الاهتمام السامي بالبيئة العمانية جعلها في مصافي دول العالم التي يشار إليها بالبنان ويقتدى بها، والشواهد التاريخية دالة على ذلك حيث تشرف صاحب الجلالة شخصياً برئاسة مجلس حماية البيئة ومكافحة التلوث في عام 1979م، كما أن السلطنة هي أول دولة عربية تنشئ وزارة للبيئة في عام 1984م، وجاء تخصيص جلالته في عام 1991م جائزة تحمل اسمه تحت مسمى “جائزة السلطان قابوس لحماية البيئة” كأول جائزة عربية في مجال البيئة على مستوى العالم تمنح كل سنتين عن طريق منظمة اليونسكو لتشكل أيضا رافدا من روافد عطاءات جلالته للبيئة العالمية واهتمامه بها، إلى جانب تخصيص عامي 2001- 2002م للبيئة العمانية لتتحد كافة قطاعات ومؤسسات المجتمع المدني مع خطط التنمية لخدمة البيئة العمانية، ومنح جلالته جائزة لقطاع شؤون الإنسان والبيئة بالأمانة العامة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية خلال الدورة التاسعة والعشرين للمجلس الاعلى “مسقط ديسمبر 2008م” ، وإصدار العديد من المراسيم السلطانية بتأطير القوانين والتشريعات التي تكفل حماية الإنسان والبيئة المحيطة به، والإعلان بمراسيم سلطانية عن انشاء المحميات الطبيعية في السلطنة حيث بلغت حتى الان الاعلان عن اقامة 18 محمية طبيعية، والانضمام إلى العديد من الاتفاقيات والمعاهدات والبروتوكولات البيئية العالمية التي ساهمت في مد جسور التعاون بين السلطنة ودول العالم بما فيه الخير والرخاء للإنسانية جمعاء .

مراكز أولى عالمية
كما حصلت السلطنة في عام 2010م على المركز الأول عالمياً في السياحة البيئية التي تمنحها صحيفة برلينا تاج زاوتون الالكترونية الالمانية المتخصصة وذلك على هامش مشاركة السلطنة في فعاليات الدورة الرابعة والأربعين لمعرض بورصة السفر العالمية “أي تي بي برلين”، لأنها من الدول الرائدة والمميزة عالمياً في هذا المجال، فهذه الجائزة تعتبر مؤشراً إيجابياً على سلامة النهج الذي تنتهجه السلطنة في مجال حماية وصون البيئة والذي يرتكز بشكل أساس على مبدأ تحقيق التوازن بين متطلبات التنمية الشاملة وحماية وصون الموارد الطبيعية .
جاءت هذه الجائزة لتعبر عن تقدير عالمي للمستوى الذي وصلت إليه السلطنة في مجال السياحة البيئية وتثميناً  للجهود التي تبذلها الحكومة في مجال خدمة قضايا البيئة والتي تدين بالفضل لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – وإسهاماته الخيرة في مجال حماية وصون البيئة العالمية.
وجاء صدور المرسوم السلطاني الخاص بإنشاء هيئة تحت مسمى ” المركز الوطني الميداني في مجال حفظ البيئة ” في عام 2009م  ليشكل بعدا أخر من أبعاد ملحمة العطاء التي يوليها قائد البلاد المفدى للبيئة العمانية، واهتمامه المباشر بها وذلك إيمانا من جلالته بأهمية البحث العلمي ودوره الفاعل والايجابي في دعم مسيرة العمل البيئي في السلطنة بما يكفل الصحة والسلامة للإنسان العماني والمقيم على أرض هذا الوطن الغالي.

حماية البيئة

 سعت السلطنة إلى تكريس مبدأ التعاون والعمل الجماعي بين الجهات الحكومية والخاصة بالتعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية لإبراز البعد البيئي كإحدى الأولويات الوطنية في منظومة العمل التنموي بالسلطنة وذلك عبر إيجاد الآلية المناسبة للالتزام بالنظم والمعايير البيئية وتثبيت التوازن بين متطلبات التنمية والمحافظة  على سلامة البيئة .
تواصل الجهات الحكومية المسؤولة عن البيئة في السلطنة جهودها في حماية البيئة العمانية وصون مواردها الطبيعية، حيث تبذل وزارة البيئة والشؤون المناخية جهودا متواصلة في عمليات الرصد والتفتيش والتقييم البيئي، والإدارة السليمة للمواد الكيميائية والمخلفات الخطرة وغير الخطرة في السلطنة، وإدارة المناطق الساحلية، إلى جانب تنفيذ عدد من المشاريع  الحيوية المهمة منها مشروع إنشاء محطات للإنذار المبكر لرصد الإشعاع ،ومشروع إنشاء محطات الشبكة الوطنية لرصد تلوث الهواء، ومشروع الأنشطة التمكينية لوضع خطة التطبيق الوطني لاتفاقية استوكهولم حول الملوثات العضوية الثابتة، ومشروع إعداد خطة إدارة التخلص التدريجي من المواد المستنفدة لطبقة الأوزون، ومشروع الدعم المؤسسي لتعزيز القدرات الوطنية لتحقيق متطلبات بروتوكول مونتريال للحد من استخدام المواد المستنفذة لطبقة الأوزون، إضافة إلى أن الوزارة تقوم باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة والضرورية للتحكم في التلوث بالضوضاء ورصد مستوياتها بمختلف مناطق السلطنة وتطبيق اللوائح الوطنية الخاصة بذلك سواء في بيئة العمل أو في البيئة العامة،  للتأكد من أن هذه المستويات في حدود المسموح بها وإنها لا تشكل ضررا على البيئة أو الصحة العامة للمواطنين.

صون التنوع الأحيائي

  تواصل الجهات المسؤولة عن البيئة في السلطنة وهي وزارة البيئة والشؤون المناخية ومكتب حفظ البيئة والمركز الوطني الميداني في مجال حفظ البيئة جهودها الناجحة في تنفيذ العديد من مشاريع حماية الأنواع البرية والبحرية ومتابعاتها في بيئاتها وموائلها الطبيعية، ففي مجال الحفاظ على هذا التنوع  تم تنفيذ عدد من المشاريع الهامة منها مشروع حصر وترقيم الغزلان المرباة في الأسر، ومشروع ترقيم السلاحف في محميتي السلاحف والديمانيات وجزيرة مصيرة ، وتسوير أشجار الكاذي المهددة بالانقراض في محافظة ظفار، وإنشاء مشاتل لإكثار النباتات البرية المحلية وعدد من مراكز البحث البيئي، ووحدات حماية الحياة الفطرية .  كما تواصل عمليات النقل والاستزراع لأشجار القرم في العديد من المواقع بمختلف مناطق السلطنة حيث بلغ عددها حتى الآن إلى أكثر من نصف مليون شتلة موزعة على مختلف سواحل السلطنة، وتنفيذ البرنامج الوطني لرصد الملوثات البحرية على طول الساحل العماني، إضافة إلى نشر عدد كبير من كتل الشعاب المرجانية في عدة مواقع مختارة في جزر الديمانيات وجزيرة الفحل، ومراقبة السلاحف البحرية عبر الأقمار الصناعية في جزيرة مصيرة . كما قامت السلطنة بوضع خطة للطوارئ لمكافحة التلوث الزيتي، ومشاركة السلطنة مع المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية في وضع الخطة الإقليمية لمشروع مرافق استقبال السفن وذلك تنفيذا لاتفاقية ماربول والتي تمنع التلوث البحري من السفن بمختلف أشكاله وجعل البيئة البحرية العمانية خالية من جميع أنواع الملوثات، وتصنيف المنطقة البحرية العمانية المطلة على بحر العرب من رأس الحد إلى حدود السلطنة مع الجمهورية اليمنية الشقيقة كمنطقة بحرية خاصة .

مكافحة التصحر
كما تم إعداد خطة العمل الوطنية لمكافحة التصحر، وتنفيذ بعض المشاريع للحد من الرعي الجائر ومكافحة التصحر كمشروع تطبيقي لاستدامة الغطاء النباتي وتأهيل المناطق المتضررة ومكافحة التصحر باستخدام تقنيات استقطاب الضباب بمحافظة ظفار، والإعداد لتنفيذ عدد من المشاريع أهمها مشروع إعادة استصلاح الأراضي المتأثر بعوامل التصحر بمختلف مناطق السلطنة، ومشروع إعداد خريطة تدهور الأراضي في بعض المناطق والمشروع التجريبي لتثبيت الكثبان الرملية. وإنشاء مراكز لتأهيل وإكثار الحيوانات والأحياء الفطرية ، ومشاتل لإكثار النباتات البرية العمانية، الى جانب تنفيذ عدد من الابحاث والدراسات العلمية في مختلف الجوانب البيئة والطبيعية في السلطنة .

    وتم إصدار لائحة تنفيذية جديدة لقانون المحميات الطبيعية وصون الأحياء الفطرية، حيث تم التأكيد فيها على اهمية نشر الوعي بين الجماهير عن المحميات الطبيعية وصون الأحياء الفطرية وذلك من خلال بيان أهمية المحافظة على التنوع الأحيائي الذي تزخــــر به السلطنة، وبذل الجهود لحماية الأحياء الفطرية وحث جميع أفـراد المجتمع على ذلك، وإشراك المجتمع المحلي في حماية مفردات الأحياء الفطرية ومـواطنها الطبيعية، إضافة إلى إبراز المـردود الإيجابي للمحميات الطبيعية والمواقع الطبيعية المحمية والأحياء الفطرية على المجتمعات المحلية من حيث ايجاد فرص العمل وجذب الاستثمارات وتحقيق الانتعاش الاقتصادي للمنطقة وتنميتها.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*