أدم.. ملتقى القوافل التجارية في الأزمنة القديمة

أدم- العمانية:

ولاية أدم هي إحدى ولايات محافظة الداخلية وبوابتها الرئيسية من الجنوب، سميت بهذا الاسم نسبة إلى أديم الأرض وهو التراب، وهناك معنى آخر لاسمها وهو الأرض الخصبة التي تقع وسط الصحراء، ويسميها عامة الناس “الساكبية” نسبة إلى خصوبتها على مدار العام وهي عبارة عن سهل مفتوح منبسط يقع وسط الصحراء.
قال عنها المرحوم الشيخ سالم بن حمود السيابي : ” أدم بلدة طيبة حسنة، بهجة المنظر، جميلة المخبر، تقع في سهل من الرمل، ويسايرها جناح مرتفع منه، وهي أطيب البلاد هواء، وأفسحها فضاء، وأمدها فلاة، وأنعشها صحة”.

سجل تاريخي
أدم حافلة بسجلها التاريخي فهي ملتقى القوافل التجارية في الأزمنة القديمة في رحلتي الشتاء والصيف حيث كان سوق أدم أحد أهم الاسواق التي يفد اليها العرب من كل الجزيرة العربية وليس من عمان فحسب، مما يدل على مكانتها وقدمها وشهرتها وموقعها وتأصل حضارتها فقد استوطنها الإنسان منذ قديم الزمان، وتم الكشف عن مواقع قديمة تعود إلى العصر الحجري، وهي عبارة عن أدوات حجرية دائرية الشكل في منطقة الحوشي التي تعتبر من أقدم المواقع الأثرية في
الولاية.

كما وجدت استكشافات أثرية تمثلت في النقود المعدنية التي عثر عليها في مسجد “الغريفة” بـ “حارة الروغة” ، و تم اكتشاف بعض الأحجار عليها نحوت ورسومات بشرية في منطقة صعدة في موقع لبعض المعابد وسط الصحراء بهذه المنطقة وما زالت جهات الاختصاص تقوم بدراسة هذا الموقع وغيره من الأماكن الأثرية الأخرى.

كما تشهد الولاية تراثا خالدًا يتمثل في القلاع والأبراج القديمة حيث يوجد ما يقارب من 30 برجًا شامخا، وعدد من القلاع المزدهرة بصلابتها ونقوشها الفنية بين أروقتها وأقواسها المتداخلة ، ويعود تاريخ معظمها إلى ثلاثة قرون ماضية، أبرزها قلعة فلج العين التي تقع على مشارف الولاية من جهة الشمال، وقلعة فلج المالح وتقع على مشارف الولاية من جهة الجنوب، وحصن أدم الذي يقف بشموخه العريق الضارب بجذوره إلى مئات السنين في قلب الولاية وأشجار النخيل التي تعم الولاية بأصنافها المختلفة، كما تكثر في الولاية الحارات القديمة الحاضنة لبعض البيوت التي ما زالت محتفظة برونقها، وبقيت متماسكة رغم مرور الايام، وتعاقب السنوات والأجيال، لعل أشهرها حارة “جامع البوسعيد” إذ تعتبر من أكبر حارات الولاية التي ما زالت تحتفظ بهويتها الحضارية والأثرية فهي تحتضن البيت الذي شهد ميلاد الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي ولا يزال باقيا علىحاله ويعتبر من أبرز بيوت الحارة.

وتقع الحارة في الجهة الجنوبية الغربية من مركز الولاية وهي نموذج مثالي وجزء لا يتجزأ من العمارة التقليدية العمانية التي تعكس إحدى مراحل تطور الحارات في السلطنة وهي كغيرها من الحارات القديمة التي تنتشر في مختلف مناطق وولايات السلطنة بتكامل تكويناتها ووحداتها المعمارية المدنية منها والدفاعية والدينية.
ومعظم بيوت الحارة تتكون من طابقين وتتألف طوابقها من باحة محاطة بغرف ومرافق مبنية من الطين وهي قليلة العمق حتى تسهل عملية التسقيف أما حجم البيوت فتختلف من حيث تعدد مرافقها من بيت إلى آخر حسب عدد أفراد الأسرة وإمكاناتها ومستواها الاجتماعي ويقدر عدد بيوت الحارة نحو (120) بيتا وبها من الآبار قرابة ( 10 ) آبار إضافة إلى ستة أبراج ومدخل محصن يتخلل سور الحارة وبيوتها المتلاصقة التي أضفت على الحارة عنصرا دفاعيا مميزا.

متحف مفتوح
وتخضع الحارة في الوقت الحاضر الى عملية ترميم شاملة تقوم بها وزارة التراث والثقافة لتكون متحفا مفتوحا يعرض أشكال الحياة اليومية والأنماط المعمارية وما يرتبط بها من عادات وتقاليد حيث انتهت فرق الترميم من إعادة بناء المدخل الغربي للحارة ( الدروازة الغربية ) بنفس الطراز المعماري السابق وفق الصور القديمة والرسم المعماري المنفذ من قبل الوزارة قبل الترميم اضافة الى العديد من البيوت والسكك التي أصبحت جاهزة في حلتها الجديدة.

وتأتي “حارة العين” التي تأخذ الشكل شبه المستطيل محاطة بمزارع النخيل ومبنية في ربوة مرتفعة أعطتها السمة الدفاعية وقد أثرت عوامل المناخ المختلفة على بيوت الحارة وبقيت محتفظة بأنماط العمارة المحلية، أما “حارة المجابرة” والتي أخذت تسميتها من الحرفة الطبية
التي يمارسها أفراد العائلة التي تسكنها وهي تجبير الكسور فتشتمل على 40 بيتا موزعة على وحدتين شمالية وجنوبية وتتوسط الحارة مزارع النخيل، وكان للعوامل المناخية تأثير في انهيار وتهدم بعض البيوت وكذلك انتقال الاهالي منها في وقت مبكر. أما “حارة مبيرز” فتشتهر ازقتها بانها مسقوفة بعقود مدببة وضيقة نسبيا وأسقف منازلها مزخرفة بزخارف نباتية وهندسية وكتابية وأبوابها مزخرفة بزخارف هندسية بواسطة الحفر ولا تزال هذه الحارة تحتفظ بطابعها العام وهي مرتفعة عن مزارع النخيل ومحاطة بجدار أساسه مبني من الصاروج والحجارة ليمنع انزلاق التربية.
ويمر بـ “حارة بني وائل” فلج العين وبها ثلاث بوابات تتحكم في مداخلها وبها من البيوت قرابة 60 بيتا متلاصقة مع بعضها البعض وقد تهدم بعضها ولكنها بقيت محتفظة بمعالمها العامة. أما حارة السوق التي تقع غرب حصن الولاية والتي أخذت تسميتها من السوق الذي يقع في طرفها الشرقي فبيوتها تتسم بالفخامة وسماكة الجدران وتعدد المرافق واتصال البيوت ببعضها
البعض عبر ممرات علوية أو جسور معلقة تربط بين البيوت المتقابلة في السكة الواحدة ومعظم بيوتها مكونة من طابقين ومزخرفة بزخارف نباتية وهندسية وكتابية ويمر مجرى فلج العين من أمام مدخل الحارة الرئيسي.
أما “حارة العانب” التي تجاور حارتي التل والعكرشة فبيوتها مكونة من طابقين ويقع في شمال الحارة “مسجد العانب” وهو من اشهر مساجد الولاية بمحرابه المزخرف وعقوده المدببة إلا إنه هدم وأعيد بناؤه بالمواد الحديثة.
ويوجد في ولاية أدم عدد من الجوامع والمساجد مثل مسجد حارة جامع البوسعيد الذى يتميز بمحرابه الجميل ويحتوي على أشكال هندسية وكتابات قرآنية وتشير المصادر إلى انه بني عام 717هـ، ويتكون المسجد من أربعة صفوف ويتكون كل صف من خمس بلاطات اسطوانية تحمل أقواسا مدببة كما يوجد بالجدار الشمالي والجنوبي خمس نوافذ مستطيلة الشكل ، وهو يعتبر من
المساجد الجامعة وقد أعيد ترميمه من قبل وزارة التراث والثقافة ويقع في الجهة الغربية الشمالية من حارة الجامع.

مسجد الرحبة
اما مسجد الرحبة فهو مستطيل الشكل ويتكون من صفين لكل صف بلاطتان ولهما عقود مدببة ومحرابه يتكون من اقواس متداخلة لكل قوس عقد مدبب وينتهي المحراب بسرج مدبب وقد أعيد ترميمه من قبل وزارة التراث والثقافة. ومسجد الصبارة يتكون من صف واحد وعقدين مدببين وله ثلاثة أبواب ومحرابه مبني بالجص وقد أعيد بناؤه بالمواد الحديثة، اما مسجد اللمجة فيقع غرب حارة بني وائل ويتكون من صف واحد ذي عقدين مدببين ومحرابه يتكون من حنية ذات عقد زورقي يليها حنية أكبر ذات عقد مدبب ثم اطار مستطيل ويتضمن زخارف هندسية.
اما مسجد باني روحه فيعتبر نموذجاً لمساجد العباد ، بني لغرض الاختلاء من قبل المتعبدين بعيدا عن مشاغل وصخب الحياة وهو مبني من سقف رملي وعرضه لا يتجاوز المترين وطوله أربعة أمتار. وهناك مساجد أخرى كمسجد السوق الكبير ومسجد مبارك ومسجد الغويلبي ومسجد عفراء ومسجد الجلبيات ومسجد الحويرة ومسجد المهلبية. وتنتشر بالولاية اعداد كبيرة من الأبراج تصل إلى حوالى ( 30 ) برجا لا يزال معظمها قائماً حتى
الآن ومن أهمها برج المجابرة وهو برج اسطواني يعتبر أطول ابراج الولاية يتكون من أربعة طوابق ويصل ارتفاعه الى 22 مترا ويقع في الزاوية الشمالية الغربية من حارة المجابرة. كما يوجد برج الرحبة وهو دائري الشكل مبني من الصاروج والجص ومكون من أربعة طوابق وبه
فتحات للرماية ويبلغ ارتفاعه 16 مترا ويتميز بشرفته الصغيرة في الطابق الثاني ويقع في حارة الرحبة.
كما تتمتع ولاية أدم بالعديد من المقومات السياحية الطبيعية التي تثير اهتمام السياح من داخل وخارج السلطنة فبالإضافة الى المعالم الاثرية كالمساجد والحارات والقلاع والحصون والابراج هناك المناطق الصحراوية المفتوحة التي تشكل معظم مساحات الولاية حيث روعة التزلج في الكثبان الرملية والاستمتاع بكرم البدو والتعرف على عاداتهم وتقاليدهم وتبرز الطبيعة البكر المتمثلة في الاودية والشعاب مثل وادي حلفين ووادي القري والوادي الغربي وغيرها من الأماكن الرائعة للتخييم في الإجازات .

و توجد بالولاية معالم سياحية أخرى تتمثل في العيون المائية وهي عينا الرخيم والحندلي وهما تقعان على سفح جبل صلف وعين نامة التي تقع على ضفاف وادي حلفين. كما تعد جبال صلخ ومضمار وحنيدله من أهم المزارات السياحية في الولاية وتتمتع بروعة التكوينات الصخرية ومخزونها البيئي حيث تنمو في سفوحها الاشجار والاعشاب البرية ويمكن للسائح مشاهدة الغزلان والارانب والثعالب وغيرها من الحيوانات الاخرى التي ترعى بين تلك السفوح.
إضافة الى وجود القبب الملحية ( قارة الملح وقارة الكبريت ) وفي هذين الموقعين تكوينات ملحية
ترجع إلى عصور جيولوجية قديمة حيث كان الاهالي يقطعون هذه الجبال الملحية ويبيعونها في الاسواق القريبة ويسمى هذا الملح ( ملح عريشي).
ويعتبر موقع الحوشي من أقدم المواقع الاثرية المسجلة حتى الان بالولاية ويقع في جنوب شرق الولاية ويعود الى العصور الحجرية حيث يضم فؤوساً ومشارط ومطارق أرجعها عالم الاثار الايطالي بياجي الى 200000 سنة.
وفي السابق كانت تغذي ولاية ادم مجموعة من الأفلاج  بلغت 40 فلجا حسب روايات الأجداد والى عهد قريب كانت 24 فلجا  ولم يبق منها  في وقتنا الحاضر سوى 4 أفلاج  كلها داؤوية  وهي  فلج العين ، وفلج المالح ، وفلج الشارع ، وفلج الفليج ، تروي مزارع الولاية المختلفة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*