مرافئ| جون كيري وتأملات في مكحلة فضة وسيف عماني في خور بمبه

بقلم: حمود بن سالم السيابي

يتنقل جون كيري بين عواصم العالم تسبقه الكلاب البوليسية وسيارات الجيمس المظللة ورجال المارينز .
وقبل ان تهبط طائرة كيري تكون السي آي ايه قد مسحت المطار والدرب والفندق وقصر الرئيس، وقاست المسافة بين فندق الإقامة وسفارات روسيا وكوبا والصين ودول البحر الكاريبي .
وجاءت مسقط على خارطة تنقلات كيري فاضطرت  واشنطن أن تمنح  كلابها إجازة، فمسقط لا تحب الكلاب، واراحت سياراتها البوليسية المظللة في المرآب، فدروب مسقط اعتادت مرور سيارات المراسم السلطانية الزرقاء، واستمتع المارينز ورجال السي آي ايه بأول إجازة في دفء الريف الأمريكي بعد أن وضعوا أعصابهم في أكثر الثلاجات برودا، فوزيرهم العتيد في مكان أكثر أمنا من واشنطن، وفي مقر أكثر أمانا من الخارجية الأمريكية.
وكان كيري في اجتماع مسقط يختلس النظر إلى ساعة يده لا ضجرا بسير المفاوضات، بل ليستحث عقاربها من  إعلان خاتمة للماراثون الأمريكي الإيراني وليستمتع  بمسقط من دون نظارات شمسية ولا مارينز ولا كلاب.
وكان سوق خور بمبه الذي تجمد الزمان في قفول دكاكينه، وسحنات الباعة فيه وطيبة مرتاديه هو وجهة الوزير الأمريكي ” للشوبنج ” وكانت محلات التحف شغف الوزير كيري لتتبع مهارات الإنسان عبر الأزمان.
ومن بين البضاعة الراعفة بالأيام العمانية استل جون كيري سيفا من غمده فاستعاد ذكريات الثورة الأمريكية، وتأمل خنجرا غائصا بفضته الحالكة في الأزمنة البعيدة فاستذكر الهنود الحمر، وقلب في أعنة فرس معتق بالصهيل فتداعت مشاهد الكاوبوي وعالم المارلبورو  كنتري، وبواكير شموس هوليود.
وكان كيري يتنقل من دكان لآخر ومن زمن لآخر يتنفس الهواء المطرحي المشبع بملح البحر ورطوبته وببحة النوارس التي تغزل الأفق، وبابواق المراكب التي تطرز اللجح الزرقاء وتخط قصائد العناق بين القارات.
انها مسقط التي انتزعت كيري من أجواء الحرب الباردة واليورانيوم والثورة الإيرانية وجمر الوقت الذي يشتعل في البيت الأبيض فاختار ان يتجول في مسقط بعد ان أعطى المفاوضات حقها بما يرضي أوباما والخامنئي وبات من حقه أن يريح أعصابه في عاصمة السلام ليتأمل مكحلة قديمة من الفضة لا تزال تنبض بهمس الأهداب ويقرأ تشكيلات من الرسوم على شال كشميري فيه الكثير من المشتركات الإنسانية بين براءة الريف وطهره،  ويشرب كأسا من الفيمتو البارد المشبع بقمر ليالي الماريلاند وحمرة جبال روكي وعبق الصنوبر والسنديان.
وحين يعود إلى غرفته وملفاته ومسؤولياته بقصر البستان يتأمل هاتفه فلا يجد مكالمات طارئة ولا سكرتاريا تمطره بقلق الأسئلة.
فيسرح ببصره لخريطة العالم المزحومة كلابا ومارينز وطوابير السيارات المظللة فتتسمر نظراته صوب عمان الخالية من الهواجس التي تزفه في كل مكان والمحاذير التي تضيق عليه الخناق وتصادر الأوكسجين، فعمان محروسة بعناية الله ثم بحب العمانيين لسيد عمان وسيد ساداتها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم الذي سيج عمان بالأخوة والصداقة، وجعل حدود عمان تبدأ وتنتهي عند قلب كل إنسان عبر المعمورة، فهو القائل أود أن أنظر إلى الخارطة وأرى العالم يرتبط بصداقة مع عمان فسياساتنا توسيع رقعة الأصدقاء.
وتبقى جولة كيري في خور بمبه أفضل تسويق سياحي من كل برامج وخطط وسياسات وزارة السياحة، فما تنعم به عمان من أمن وأمان هو أفضل تسويق لعمان، وبفضل هذا الأمان كان كيري يتجول كسائح ويخرج عن النص في الدور الذي رسمه له ولأسلافه أساطين وصناع المؤسسة الحاكمة.
والمرأة الأمريكية في سياتل وهي تتابع وزير خارجيتها يتجول في سوق شعبي ستدرك ان واشنطن التي يحملها العالم دمعة طفل في فلسطين، وبكاء عراقية في الرمادي، ونواح كهل في درعا وريف حلب وباتت مطلوبة عالميا ومتهمة إنسانيا لا يزال بعد في الجغرافيا مساحة لامريكية يمكن أن تحلم ببخور الشرق وحليه وشالاته وكحله وان هذه المساحة النادرة تملؤها عمان بكل اقتدار. والطلياني الذي يتابع شاشات العالم المجنون تلهمه جولة كيري في خور بمبه بأن مسقط هي عاصمة السلام، وهي الواحة الباقية في عالم مضطرب، وأنه بمقدور مبدعين كدافنشي ان يرسموا توأما للجوكندا من على شرفة تستقبل ملح بحر عمان.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*