مرافئ | من السيد عباس إلى المهندس عبدالله بن عباس

بقلم: حمود بن سالم السيابي /
في خمسينيات القرن العشرين انهى الدختر طومس قداس الأحد ودس في الجيب الايمن لروبه الطبي الأبيض سماعته وتورم الجيب الأيسر بكاميرته ( الزيس آيكون ) وسار باتجاه نزوى للقاء رجل من طراز الخلفاء الاربعة يطاول ذرى الأخضر الأشم والشهباء .وحين دخل الحصن انتابه إحساس بأنه في البيت الأبيض، ولكن بمعايير نزوى، وانه في حضرة رئيس الدولة، ولكن بقياسات ابن الخطاب. وبعد ان جاست سماعته خلال الأبدان وتحسس كل شبر في الجسد المسجى للإمام الرضي الخليلي، استشعر في تلك اللحظة الحاجة للكاميرا اكثر من السماعة، فسيد الزمان النزوي يوشك أن يرحل، وبيارقه البيضاء توشك أن تطوى، فأراد ان يوثق اللحظة التاريخية بصورة خالدة، ولكن الإمام يرفض، فيسعى لاقتناص لقطة (سلفي) فيتعثر وتسقط كاميرته، فيعود على صهوات الخيبات من حيث أتى. يحاور طواحين الهواء كطاحونة إرساليته، ويتنفس زعاف الأدوية في صيدلية مستشفاه، فيرحل الإمام وينسحب من المشهد الوجه الوضيء للإمام، وتتماهى ملامح كل رجاله ولا تبقى إلا الحكايات التي ترعف بها صفحات نهضة الأعيان وعمان عبر التاريخ والعنوان عن تاريخ عمان. وكان دافع طومس من تصوير الإمام عشقه لعمان المزدانة بالإمام والسلطان، وحين انعقد الإجماع على الرفض انصاع طومس للأعراف والثقافات فأدخل ( السيز آيكون) حافظتها الجلدية.
وما ان تفرغ طومس لمستشفاه ومشارطه الجراحية، أسرج سمو السيد عباس بن فيصل صهوات عشقه لعمان فيسارع للقبض على زمام كاميرته ( الهازلبلد) ويتحرك في البرية العذراء من دون محاذير لأنه ابن مسقط السمراء وأعرافها وثقافتها فتشعشع صوره من قلب مناسباتها الرسمية ، فيوثق صلوات الأعياد بمسقط حيث آل سعيد بعمائمهم القريتاتية يضفون على المناسبات ألوانا وبهجة. وينقل سموه مشاهد رجال بيت العلم يؤدون التحية العسكرية للسيد شهاب. ويوثق حركة تحميل النفط من ميناء الفحل تنقل نفط عمان الى العالم، ويخلد المركب (دواركا) يفرغ جواني البسمتي لسوق مطرح والمركب (دامرا ) يعلن عن وصول دفعة من البنادق النمساوية إلى بيت الفلج .
وما أن يترجل سمو السيد عباس من صهواته ويتوقف عن الركض بقب الهوكي في ملاعب مسقط ويعترف بهزيمته امام الشيخوخة من ملاحقة ملاعب الجولف بميناء الفحل فتستريح  ( الهازلبلد ) مكرهة لتنام بجوار قناني ( الدفلوبر) ونيجاتيفات وسلايدات الافلام، إلا ويتسلم الراية معالي محمد بن الزبير ليدفع الأمس إلى فاترينة الزمان فيجعل من بيت العائلة متحفا ومن مقتنيات العائلة تحفا فيعرض عصا والده وخنجره ومسباحه وخاتمه وبعد ان يستكمل تأسيس المتحف على نمط المتاحف يتفرغ معاليه للصورة ليخلد عمان كلها في سلسلة إصدارات .
ويتصاعد الشعور بجمال المكان وهذه المرة لدى عاشق آخر هو ابن البزة العسكرية والماضي الأمني وابن الملابس الملونة في الجولات الميمونة بالولايات وهو الشيخ احمد بن سويدان البلوشي الذي لا يكتفي بتصوير أرض أرض، فيتسامى بالمهمة لتكون جو أرض، فيشتري طائرة تحلق بأحلامه بعيدا عن موظف التقنية العالية والفائقة الجودة لأخذ صورة لمعشًوقته عمان، من زوايا لم تطرق من قبل، ومن امكنة لم يسبقه إليها أحد من قبل، فاشتغل على عمان من السماء، فكانت صوره إضافة جميلة جمال روحه .
ويلتحق بالركب الدكتور المهندس عبدالله بن عباس فينظر إلى المشهد وهو ابن الصبا المسقطي وقد عاشت فيه مسقط بجبالها وقلاعها وقصورها ودروبها ومساجدها ومآتمها وأسواقها ومشربيات بيوتها .
وحين أرادت مسقط أن تجدد نفسها كان المهندس عبدالله بن عباس بقلمه ومسطرته يعرض لصناع القرار رؤاه وتصميماته .
ومن شرفة مكتبه ببلدية مسقط راح يتابع مدينة تكبر بين عينيه بخضابها وكحلها وجدايلها، وراقب مهرة جامحة تمارس أمامه  صباباتها وشقاواتها .
وما ان ترك مكتبه في الدور الخامس في البلدية، واحتوته الدروب والأسواق والميادين والسياح والمراكب والشطآن تحمس هو الآخر ليصور مسقط ويكتب عن مسقط ويوثق ماكان يوما احد قراراته لتطوير مسقط .
فجاء كتابه عن مسقط كآخر الفرسان الذين اسرجوا الغيم وحملوا كاميرا ( نيكون اف فور ) ليكتب عن المكان ، وعن حلمه كما يجب ان يكون عليه المكان .
ولعل “السلفي” الذي فاتتنا رؤيته لتعثر أقدام طومس على بساط حصن نزوى فإنه لم يعد يفوتنا اليوم ، إذ بات عشق توثيق اللحظات قبل ان يطويها الزمان ديدن كل إنسان ، بعد ان كان التصوير هواية كافرة وحكرا على الأجانب، ولذلك اضطررنا أن نقرأ تاريخنا عبر عدسات كاميرات الأجانب، وعبر تصفحنا لمؤلفات الأجانب .
ولذلك نفرح بشدة لتنامي هواية التصوير لدى الجميع ولدى الكبار بشكل خاص، فالكبار بدأ من سمو السيد عباس وانتهاء بعبد الله بن عباس يتواجدون في أماكن لا تطرقها أقدام البسطاء ، ويحضرون مناسبات لا يرتادها البسطاء، ولديهم من الإمكانات للإنفاق على هواية مكلفة بما لا تتحمله جيوب البسطاء . فتعالوا أيها البسطاء لنأخذ ( سلفي ) معا ونتيح للكبار لأخذ سلفي مع الكبار، فصورهم كغيمات الرشيد أينما امطرت سيصلنا خراجها، فحتما ستنشر يوما وسيصل خراجها الى مرافىء عيوننا.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*